لمن لا يرون سوى القلعة: انتبهوا قليلا للعنكبوت المعشش داخلها


بشير الحامدي
2020 / 6 / 30 - 18:18     

الاتحاد إما أن يكون منظمة مستقلة وديمقراطية وبيد منتسبيه وإلا فهو ليس سوى دار قديمة للديكور كل مرة يعمرها مرتزقة ويعشش فيها سمسارة وليس هناك سماسرة ومرتزقة خطرون وسماسرة ومرزقة أخرون أقل خطورة ـ بيروقراطيون نقابيون أو نهضة أو إئتلاف كرامة أو بيوعة من أي لون أو أي زفت ـ هذه هي المسألة التي نجحت البيروقراطية النقابية في حجبها دائما وخصوصا في العشر سنوات الأخيرة.
في جانفي وفيفري 2011 وقفت هذه البيروقراطية مع محمد الغنوشي شاركت في حكومته الأولى ودعمت حكومته الثانية .
بعده ساندت حكومة الباجي قايد السبسي وكانت فاعلة في هيئة بن عاشور وذلك المسار الذي توج بإنتخابات 2011 التي أعطت السلطة للنهضة.
سكتت عن ملف جرحى وشهداء الثورة وقبلت بتلك المحاكمات الصورية التي برأت القتلة والمجرمين ونكلت بالجرحى.
في ملف واقعة الرش في سليانة لعبت دور رجل المطافئ وأجرى نور الدين الطبوبي نفسه وقتها مفاوضات مع علي العريض دفن بموجبها الملف وأخرج الحكومة من مأزق كان سيطيح بها.
في اعتصام الرحيل كانت البيروقراطية النقابية العجلة الخامسة بيد الباجي قايد السبسي وبه ناور لإسقاط حكومة النهضة ليعود ويتحالف معها بعد انتخابات 2014 .
قادت بيروقراطية الاتحاد ما سمي وقتها بالحوار الوطني والذي لم يكن في الأخير سوى ترتيب الأوضاع لاستمرار تحالف النهضة ونداء تونس .
عادت البيروقراطية لتلعب نفس دور رجل المطافئ في كل الاحتجاجات التي وقعت سنة 2014 وما بعدها في الكامور وفي الحوض المنجمي وفي المكناسي وأعلنت صراحة وقوفها ضد الاعتصامات والاحتجاجات.
دعمت حكومة يوسف الشاهد ثم وقفت ضدها فيما بعد.
في 2019 وبعد سقوط حكومة الحبيب الجملي عملت كل ما في وسعها ليتولي الياس الفخفاخ رئاسة الحكومة برغم أنها تعلم أن الأغلبية البرلمانية ستكون بيد حزب النهضة ...
هذا هو تاريخ هذه المنظمة في العشر سنوات الأخيرة وهذه هي سياسة قيادتها : سياسة الرهان على موقع الشريك المعترف به فماذا كسب الخدامة من كل هذا؟ لا شيء في الحقيقة غير مزيد من الاستغلال والقمع وأوضاعهم اليوم لا يمكن مقارنتها حتى بأوضاع الخدامة في بلدان أعتى الديكتاتوريات مصر أو الجزائر أو المغرب.
لقد نجحت البيروقراطية النقابية دائما في البقاء في المشهد ليس بدفاعها عن الخدام بل بدفاعها عن موقعها فبقاء هذه الشريحة في موقع القيادة أصبح هو الهاجس بالنسبة لها. نحن لا نتحامل ولا نتحدث من وراء السور إننا نتحدث بخبرة 4 عشريات نشاط في هذه المنظمة. نحن لا نتحدث عن منظمة في المريخ إننا نتحدث عن منظمة نعرفها ونعرف تاريخها وتاريخ بيروقراطيتها ونعرف قوانينها وهياكلها وأساليب عملها. إننا نتكلم عن دراية تامة بداخل هذا الكيان المريض.
سنة 2010 وحين بدا التفكير في التراجع عن الفصل 10 جوبهت الخطة البيروقراطية بمعارضة كبيرة جعلتها تراجع حساباتها أما اليوم فالطريق مفتوح أمامها لتنفيذ مخططها في تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي في مؤتمر استثنائي غير انتخابي سيشرع له المجلس الوطني المزمع عقده في أوت القادم.
انقلاب بهدا الحجم لا يمكن تمريره دون تشغيل الماكينة و إحداث ما يتطلبه ذلك من ضجيج والترتيب لكل ذلك بدأ منذ السبت الفارط في صفاقس .
لابد من ضجيج وتحشيد للتغطية على المهمة الكبيرة إبقاء البارونات الكبار في القيادة ضجيج تحتاجه الكتلة البيروقراطية لضمان امتياز الاستمرار في القيادة ولا شيء غيره...
أكيد أن البقاء في قيادة ماكينة المائة مليار وأكثر تستحق ضجيجا وحتى أكثر من الضجيج وما أكثر ساحات الضجيج في وضعنا الحالي.
وكبار البيروقراطيين يعرفون ذلك ويخططون له ويستثمرون فيه.
سيجابهك بيادق البيروقراطية أن الأمور تجري في كنف القانون والديموقراطية بينما الحقيقة أن كل ما سيجري سيكون دليلا على تواصل المسخرة في هذه المنظمة البيروقراطية التي لا تشبه في آليات عملها الداخلي و من حيث الديمقراطية الداخلية سوى الأحزاب الستالينية وكل أحزاب الأمين العام واللجنة المركزية.
البيروقراطية النقابية اليوم تستثمر بشكل صريح في تلك الاستراتيجيا اليسارية البائسة المتواصلة منذ مؤتمر قفصة. كذبة سربها "اليسار النقابي" بعد مؤتمر قفصة 1981 و قتل بها كل تجذر ممكن للعمل النقابي حيث وعوض أن يناضل هذا اليسار من أجل فرض ديمقراطية واستقلالية العمل النقابي داخل الاتحاد وتجسيم ذلك عمليا بتغيير كل القوانين والأنظمة الداخلية النافية للديمقراطية ولتوسيع دائرة أخذ القرار وللاستقلالية نراه يتخلى عن كل ذلك مقابل التموقع في بعض الهياكل الوسطى والقيادية للمنظمة ويذوب في كتلها البيروقراطية متبنيا كل أساليبها وسياساتها.
ستتمكن البيروقراطية النقابية من تمرير مشروعها هذا أصبح شبه حقيقة مؤكدة ستثبت مرة أخرى أن هذا الكيان المريض في الحقيقة لا يحتاجه الخدامة... لقد صار حاجة للدولة وللحكومة وللأعراف الرأسماليين لا يمكن الاستغناء عنها.
لكن للأسف منتسبو الإتحاد "مافهموش" هذا على مدار أكثر من 60 سنة وعليه ستواصل العناكب تعمير القلعة وسيستمر الحبل على الغارب: بيروقراطية فاسدة تسبّح دائما باسم المهيمن ولا يهمّها غير الاعتراف بها شريكا وحارسا على الخدامة.
إنها خطوة أخرى في اتجاه تعميق واقع" إتحاد الدولة موش إتحاد الخدامة "
ــــــــــــــــــــ
30 جوان 2020