من أجل رفع حجر صحي في صالح الشغيلة، بقلم، شيماء النجار (كاتبة بجريدة المناضل-ة الموقوفة)


المناضل-ة
2020 / 6 / 11 - 00:08     

أصدرت وزارتا الداخلية والصحة بلاغا مشتركا يوم 9 يونيو 2020، حول تدبير حالات الطوارئ الصحية، وأعلن البلاغ استمرارها حتى 10 يوليوز 2020، مع تدابير تخفيف الحجر الصحي "حسب الحالة الوبائية لكل عمالة وإقليم وبصفة تدرجية عبر عدة مراحل، ابتداءً من 11 يونيو 2020".
قسم البلاغ البلاد إلى منطقتين:
+ منطقة التخفيف رقم 1: وتضم أغلب أقاليم وجهات المغرب التي "تحسنت حالتها الوبائية" وهي المناطق ضعيفة النشاط الاقتصادي من وجهة نظر رأس المال.
+ منطقة التخفيف رقم 2: وتضم المناطق الاقتصادية الكبرى (الصناعية والتجارية والسياحية) والتي لا زالت حالتها الوبائية في تفاقم.
ما لم يتحدث عنه البلاغ هو أن تفاقم الحالة الوبائية لمدن مثل الدار البيضاء وطنجة ومراكش، تتحمل مسؤوليته الوحدات الإنتاجية والتجارية حيث يتجمع مئات العمال في شروط تفتقد لأدنى معايير السلامة، ما يؤدي إلى تواتر "البؤر المهنية".
ورغم ذلك يتحدث البلاغ عن استئناف الأنشطة الاقتصادية على المستوى الوطني، مستثنيا ما يشكل متنفسا للكادحين- ات: الشواطئ، المسارح، دور العبادة.
هل كانت حياتنا "طبيعية" قبل الوباء؟
يقول البلاغ: "التحضير للعودة إلى الحياة الطبيعية واستئناف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بمجموع التراب الوطني". وكأن حياة الشغيلة والكادحين- ات قبل الحجر الصحي كانت "طبيعية"، وليست حياة كدح لصالح تراكم أرباح الرأسماليين الذين أقرت الدولة استئناف الأنشطة الاقتصادية لإنقاذ أرباحهم.
أبدا، لم تكن حياتنا طبيعية قبل الحجر الصحي، ولم تكن أصلا حياةً لنا. فحياة الطبقة العاملة كلها مرهونة لأرباب العمل، تقضي نصف يومها في العمل والاستغلال والنصف الآخر ترتاح فيه كي تكون قادرة على الالتحاق بالاستغلال في اليوم الموالي.
كانت حياتنا قبل الوباء حياة فقر وتزاحم في وسائل النقل العمومية والمستشفيات العمومية التي تقدم خدمات رديئة وفي المدارس حيث شغيلة التعليم تصارع لضبط عشرات التلاميذ- ات الفاقدين- ات أي أمل في مستقبل يرون صورةً عنه في ضحايا البطالة التي تعد بالملايين.
هل حياة ملايين الأسر في الأحياء الشعبية "طبيعية"؟ حيث التكدس في صناديق تدعى مساكن، أقرب إلى الغيتوهات التي كان نظام الفصل العنصري يحبس فيها سود جنوب إفريقيا. أحياء بدون بنية تحتية ولا مساحات خضراء للتنفيس، حيث تنتشر المخدرات وينفس الشباب عن غضبه ويأسه بالاقتتال بالأسلحة البيضاء.
أبدا، لم تكن حياتنا "طبيعية" قبل الحجر، ويجب ألا نسمح لأرباب العمل ودولتهم باستمرار- وليس بعودة لأنه لم تكن هناك قطيعة أصلا- الحياة كما كانت وكما عشناها في ظل الحجر الصحي.
ما هو الشيء الذي لا يبدو طبيعيا لأرباب العمل ودولتهم؟
إن الطبيعي بالنسبة لرب العمل هو استمرار عجلة الإنتاج دون توقف. لذلك فإن بقاء المصانع (أو جزءٍ منها) غير مشتغل يعتبر من وجهة نظرهم هدرا رأس مالهم وأمرا غير طبيعي.
حياة الرأسماليين الطبيعية رهينة بشقاء حياة الطبقة العاملة واعتصارها داخل الوحدات الإنتاجية (مصانع، مزارع...). إن شقاءنا هو سر سعادتهم: كل هكتار من قصورهم يعني تضييقا لمساكننا، كل توسيع لأماكن اصطيافهم يعني ازدحاما لا يطاق في الشواطئ المسموح لنا بارتيادها، كل رعاية صحية فائقة لهم تتم على حساب مستشفياتنا المفتقرة للتجهيزات والأطر الطبية.
هل كان الحجر الصحي فعالا في وجه الوباء؟
تتحدث بروباغندا الدولة والصحافة الليبرالية عن القرارات الشجاعة التي اتخذتها الدولة في وجه الوباء، وفي مقدمتها الحجر الصحي الذي جنب البلاد ملايين الإصابات وآلاف الوفيات، ويتحدث البلاغ عن ذلك: "المكتسبات التي حققتها بلادنا في السيطرة على وباء كورونا المستجد 19".
ليس الحجر الصحي مواجهةً للوباء، بل هروبا واختفاء منه، تماما كما يفعل جيش غير مستعد لا قبَلَ له بمواجهة غازٍ متفوق.
اعتمدت الدولة الحجر الصحي لأن عقودا من سياسة تدمير قطاع الصحة العمومية، نزعت كل إمكانات الصمود في وجه الوباء. لم تكن مستشفياتنا مؤهلة لاستقبال آلاف الإصابات بأسرة تعد بالمئات، لذلك كان خيار الدولة هو: "لنحبس الملايين من الكادحين- ات في البيوت، كي نتفادى اكتشاف حجم الكارثة الاجتماعية والصحية التي تسببت فيها خياراتنا الاقتصادية".
ولأن سياسة الدولة طيلة فترة الحجر لم تختلف عما قبلها، بل رسخت نهجها النيوليبرالي القائم على التقشف في النفقات العمومية، اختارت الدولة مرة أخرى تمديد حالة الطوارئ الصحية مع تدابير تخفيف، تُقيمها من وجهة نظرها هي وليس من وجهة نظر الصحة النفسية والجسدية لملايين الشغيلة والكادحين- ات.
إن ما يسمى تحكما في الوضعية الوبائية، هو تحكم في سكنات وحركات الملايين، وتدرك الدولة أن أي رفع للحجر الصحي في ظل بنية صحية مهترئة ستعني انفلاتا للوضعية الوبائية، كما يقع حاليا بالبرازيل.
لا يريد أرباب العمل ودولتهم التقشفية تحمل الكلفة المالية لرفع الحجر الصحي، لذلك تلقي تلك الكلفة على كاهل الصحة النفسية لملايين الكادحين- ات المحبوسين- ات في البيوت والأحياء الشعبية والعمالية.
بدل توفير كل وسائل الوقاية والحماية وتعميم الكشوفات الطبية المجانية، تفضل الدولة استمرار الحجر مع تدابير تخفيف لصالح عالم المقاولات.
من المسؤول عن استمرار تفاقم الحالة الوبائية في المنطقة 2؟
منذ شهر أبريل تواترت حالات الإصابة التي تطلق عليها الدولة بنبرة مخففة "بؤرا مهنية". والمقصود هنا حالات العدوى التي تتم داخل الوحدات الإنتاجية والتجارية التي يرفض أربابها توفير وسائل الوقاية والسلامة للشغيلة، رغم ادعاءات الدولة مراقبتها.
يرفض أرباب العمل ودولتهم وقف الإنتاج في القطاعات غير الضرورية للحياة (سيارات، كابلاج)، لأن استمرار عجلة الإنتاج ضروري لإنماء الأرباح. ولأن توفير وسائل الحماية والسلامة يرفع من كلفة الإنتاج، وبالتالي يضعف القدرة التنافسية، فإن أرباب المقاولات يفضلون التضحية بأرواح العمال بدل التضحية بجزءٍ من الأرباح. وكيف لا، والطبقة العاملة مجرد "رأسمال بشري" و"موارد بشرية" يتوفر منها الكثير بفعل البطالة الجماهيرية.
مرات عدة حَمَّلَتْ الدولة مسؤولية البؤر الوبائية لـ"استهتار المواطنين واستخفافهم بالإجراءات الاحترازية"، ولم تُحمل يوما المسؤولية لأرباب العمل. وها هو بلاغ الوزارتين يعيد نفس التضليل: "تهيب السلطات العمومية بجميع المواطنات والمواطنين مواصلة الالتزام والتقيد الصارم بكافة القيود الاحترازية والإجراءات الصحية المعمول بها (ارتداء الكمامات، التباعد الصحي، …إلخ)".
كيف سيتم تطبيق "التباعد الصحي" داخل مصانع" مكتظة بالآلات؟ كيف سيرتدي العمال- ات كمامات في مزارع عصرية وبنايات مغلقة للمصانع حيث تُفتقد الكمية اللازمة من الأوكسجين. إن منطق الدولة يعني: ارتدوا وارتدين الكمامات في الشارع، واختنقوا واختنقن في المصانع والمزارع...".
يعني تشديد القيود على المنطقة 2 حصرا للوباء داخلها، لتفادي "دخوله إلى مناطق خالية منه" على حد تعبير بلاغ الوزارتين. أما إّجراءات القضاء على الوباء داخل المنطقة 2 فالدولة لن تلجأ إليها لأنها تعني بالضرورة إجراءات ضد أرباب العمل الرافضين وقفَ الإنتاج في القطاعات غير الضرورية وتوفير أقصى وسائل السلامة والوقاية.
من أجل رفع حجر صحي من وجهة نظر الشغيلة الكادحين- ات
الحجر الصحي سجن رهيب لمن هم في أسفل المجتمع: رهاب واكتئاب وضغط نفسي وعنف منزلي وتخوف من المجهول... أما بالنسبة لأرباب العمل فإن ضغطهم النفسي الوحيد هو مشاهدة آلتهم الإنتاجية متوقفة عن العمل وصبيب أرباحهم يقل، في حين يرفلون في نعم الحياة داخل فيلاتهم الواسعة حيث المسابح والحدائق، ورحلات بحرية عبر يوخوت لن يعترضها درك ولا بوليس، كما هو شأن الدوريات المنظمة في الشواطئ التي يرتادها الكادحون- ات.
يقول البلاغ: "الإبقاء على جميع القيود الأخرى التي تم إقرارها في حالة الطوارئ الصحية (منع التجمعات، الاجتماعات، الأفراح، حفلات الزواج، الجنائز، إلخ، …)".
ما الفرق بين استئناف الأنشطة داخل وحدات إنتاجية بشرط التباعد الجسدي، وفتح ولوج الشواطئ مع نفس الشرط؟ الفرق هو المصالح الطبقية التي يخدمها كل إجراء.
استئناف الأنشطة الاقتصادية يخدم مصالح أرباب العمل وبالتالي لا ضير من التضحية بأرواح العمال، أما فتح الشواطئ والمسارح ودور العبادة فلصالح الصحة النفسية للكادحين، وذاك آخر هم لدولة الرأسماليين.
ليس رفع الحجر الصحي محض إجراء تقني تُمنح صلاحية تحديده لـ"لجان اليقظة والتتبع، يترأسها السادة الولاة والعمال وتتكون من ممثلين عن وزارة الصحة والمصالح الخارجية للقطاعات الوزارية المعنية والمصالح الأمنية".
رفع الحجر الصحي كغيره من سياسات الدولة خيار طبقي محكوم بمصالح البرجوازية ويقوم على نفس المنظور الذي ساد منذ عقود: تحميل كلفة الأزمات للشغيلة والكادحين.
إن شعارنا في وجه خيارات الدولة شعار طبقي بدوره ويلخصه مضمون حملة تيار المناضل- ة: "لا لتحميل العمال- ات كلفة الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا".
نطالب بـ:
+ توفير أقصى شروط الوقاية والسلامة ومجانية الكشوفات الطبية سواء داخل المستشفيات العمومية أو الخصوصية.
+ إغلاق قطاعات الإنتاج غير الضرورية للحياة (سيارات، كابلاج....)، وتوفير مجاني لكل وسائل الوقاية داخل القطاعات الضرورية (مطهرات، كمامات، أجهزة قياس الحرارة) وإجراءات التباعد الجسدي.
+ فتح الشواطئ والمسارح ودور العبادة مع فرض إجراءات السلامة وعلى رأسها شرط التباعد الجسدي.
+ استعادة النقل الحضري من شركات التدبير المفوض وتوفير الأساطيل لضمان شرط التباعد داخلها.
+ حرية التنقل بين المدن لكل المواطنين مع إجراءات منع تنقل الوباء وعلى رأسها مجانية الكشوفات الطبية.