أزمة البيض ولوم المنتج المحلي


جميل محسن
2019 / 6 / 30 - 10:09     



فجأة انفجرت ازمة جديدة في العراق اسمها غلاء طبقة البيض وتوالت الأحتجاجات والتعليقات وكلها تتحدث عن النتيجة الحالية والتي جيرو اسبابها الى القرار الحكومي بمنع استيراد البيض من الخارج لتوفر المنتج المحلي وتغطيته لحاجة السوق العراقي السنوية وبدل القليل وعلى الاقل من التفاءل المجتمعي بعودة المنتج المحلي لمادة معينة وتغطيتها الاحتياجات الداخلية تعالت الكثير من الاصوات تلعن قرار منع الاستيراد الذي قطع سيل البيض الرخيص وجعلنا نتجه لشراء البيض المحلي الاكثر سعرا !؟ وبدء لابد من الاشارة الى ان المنع التام لاستيراد اي مادة هو اجراء خاطئ بل الواجب هو تحديد الاستيراد وجعله مقصورا على تغطية نقص المنتج المحلي وخلق توازن في السوق , وكما يجب ان يتفهم المواطنين المحتجين أن بلد عليه مديونية بأكثر من 100 مليار دولار وغالبية الميزانية تعتمد فقط على تصدير النفط الخام وأن القطاع الانتاجي للبيض والدواجن مثلا يعمل فيه وتعتاش من وراء انتاجيته مئات الالاف من ابناء العراق وبدل البطالة والاستهلاك والركض وراء الوظائف الحكومية وتصفير الميزانية والعملة الصعبة في البلد سيكون البديل انتاج وعمل وتوفير عملة صعبة لمزيد من الاستثمار والانتاج والتطوير.
ولكن يبقى التساؤل المهم والذي من حق المواطن المستهلك وخاصة للعوائل ذات الدخل المحدود والتساؤل هو( لماذا يكون المنتج العراقي اغلى سعرا من المنتج المستورد)؟
- الاسباب عديدة ومنها الخارجية والتي تبدأ من الدعم اللامحدود لكل منتج الذي تقدمه بعض الدول المعتمد اقتصادها غالبا على السلعة المحلية والتصدير كتركيا ومحاولة تلك الدول وبمساعدة المستوردين العراقيين للسيطرة على السوق المحلية العراقية مستفيدين من السماح الهائل للدولة العراقية بأستيراد المنتج الاجنبي بدون تحديد او ضوابط كما ان سعر الدينار العراقي الثابت تجاه الدولار يغري دول مثل ايران وتركيا وسورية على التصدير للعراق بأي ثمن لأن عملات تلك الدول تواصل الهبوط بمعنى يمكنهم البيع بسعر رخيص في الاسواق العراقية الجائعة للاستهلاك .

- الاسباب الداخلية وفيها الأهم وهو
الكلفة !!؟؟ بمعنى الاكلاف المضافة للسلعة المنتجة العراقية سواء كانت زراعية او صناعية وهنا يكون التساؤل الابرز لماذا تكون الكلفة المضافة على المنتج الوطني العراقي هي الاعلى ضمن مايحيطنا من دول الجوار والتي تتشابه غالبا مع ظروفنا ؟والجواب هو سياسات حكومية خاطئه وكمثال
1- رفع كل دعم سابق على اسعار الوقود والكهرباء للأستهلاك العادي أو الصناعي والزراعي وبالمقابل فأن اسعار هذه المادتين الحيويتين تقدم رخيصة للمنتج والمستثمر في الدول المجاورة للعراق ورفع الدعم هذا سبب ارتفاع تكلفة (النقل) للسلعة المنتجة وموادها الاولية والعاملين اضعافا مضاعفة اضافة الى ان الوقود والكهرباء تدخل في كامل دورة الانتاج السلعي من مكائن الى منظومات التدفئة الى الحفظ والخزن والتبريد لحين البيع
2-ارتفاع وثبات قيمة الدينار العراقي تجاه الدولار وباقي العملات الصعبة وبالتالي تجاه عملات الدول المجاورة المصدرة للعراق وهذه الدول تعتمد غالبا سياسة تعويم عملتها أي تركها لسعر السوق الحر, وربما تكون هذه السياسة المدمرة في العراق هي اسوء من سابقتها والتي كان عنوانها رفع الدعم عن اسعار الوقود والكهرباء وربطها بسعر السوق التجاري !!وعندما نقبل بهذا فلماذا لا تتساوى الكفتان ؟ بمعنى ان تترك قيمة الدينار العراقي ليحدد سعره وكميته المتداولة وعرضه السوق والطلب عليه بيع وشراء؟ واللغز المحير والمأساة ان ادارة الدولة العراقية تبيع لمواطنها نفطه ومشتقاته بعد التصفية و المستخرج من باطن ارضه بسعر السوق وكأنه مستورد من الخارج ثم تحدد سعر الدولار الاجنبي!! بشكل ثابت ورخيص تجاه الدينار وتفتح نافذه عملة يومية في البنك المركزي العراقي يستطيع من خلالها المستوردون الحصول على ملايين الدولارات رخيصة الثمن ( ليس بسعر السوق) ولهم كل الحق بالاستيراد المفتوح بأي كمية ممكنة ومن اي منشأ غير مبالين بالاغراق السلعي وتدمير المنتج الوطني الذي ترتفع عليه التكلفة !! والسؤال هنا هو لماذا تسير الحكومات العراقية المتعاقبة بهذا النهج التدميري القاتل للانتاج والوطني والمستهلك للاحتياطي النقدي العراقي وخالق البطالة للملايين من العراقيين المنتجين ؟ ( كل استيراد سلعي مفتوح نتيجته اغلاق معامل وورش ومناطق انتاج صناعي او زراعي وتتبعها بالضرورة بطالة العاملين ) والجواب هو الرشوه للداخل وللمجتمع وكسب الولاء من الفئاة المستهاكة والطفيلية والهامشية والتي تجد في رخص المستورد الزراعي والصناعي السلعي مايشبع رغباتها الاستهلاكية دون تقدير عواقب القادم من الظروف والايام .

- النقطتين اعلاه ربما تكون الاهم في ارتفاع كلفة السلعة المحلية وما دمنا نتحدث عن تذبذب اسعار البيض تحديدا فهنالك نقاط اخرى معرقلة لثبات الاسعار ومنها مثلا حينما تجد البيض رخيصا فأبحث عن الاغراق السلعي الرخيص الخارجي والتهريب المسنمر من الحدود المفتوحة لتدمير المنتج الوطني بسبب ان البيض مثلا مادة غير قابلة للخزن الا في مخازن مبردةمكلفة ماديا وليس لمدة غير محددة , كما ان عدم تقيد اقليم كردستان ( عامل سلبي اخر) بالتنسيق مع سلطات الحكومة الاتحادية في موضوع الكمارك والرسوم جعل من الاقليم ممرا لتهريب السلع المستوردة والبيض واللحوم من ضمنها مما يمكن افشال التجربة كلها , تجربة احياء المنتج المحلي , كما يحصل مع مادة الاسمنت التي تتمتع بالحماية داخليا ولكن ارتال الشاحنات تتوالى من كرستان نحو بغداد والوسط والجنوب محملة بالاسمنت المستورد والمغلف بشعار صنع في العراق.
- ابرز مانحتاجه هو اولا القدرة الحكومية على تطبيق قوانينها وسيطرتها المباشرة على المنافذ الحدودية وبداية الوعي بأن زمن الاعتماد الكلي على تصدير النفط وصرف عائداته على الاستيراد الرخيص قد تلاشى ولن يخلق غير المشاكل والبطالة في العراق .

جميل محسن