هدفنا: انعتاق معمم


الاممية الرابعة
2007 / 5 / 1 - 13:03     

هدفنا: انعتاق معمم
مقتطف من وثيقة "إشتراكية أو همجية على عتبة القرن 21" - صادرة عن الأممية الرابعة سنة 1992
11) - هدفنا الشامل
إن الحل الجذري لازمة الرأسمالية يمر عبر إعادة النظر في اقتصاد السوق المعمم وفي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتبادل، في الإنتاج الموجه نحو الحصول على الربح، في سيادة الدول القومية وفي تحكم البيروقراطية في أنظمة الحماية الاجتماعية. ويندرج هذا الحل في أفق فدرالية اشتراكية عالمية ديمقراطية وتعددية تسير نفسها بنفسها.
إن نظاما اشتراكيا وديمقراطيا فعلا سيسمح بتفجير طاقة التفكير والعطاء لدى الإنسان، كما سيسمح بجعل العلم والتكنولوجيا في خدمة الرجال والنساء وإخضاعهم لرقابة عمالية بناءة. هكذا ستكون الثقافة والتعليم العالي لأول مرة في متناول الجميع، ويمكن إن ينتج عن ذلك ازدهار للإبداع الثقافي والكشف عن خزان هائل من الطاقات يجهل حتى الآن. ويمكن للتطور العلمي إن يساهم في تحرير المرأة والرجل من عبء عمل متقطع ومجزئ، رتيب وميكانيكي، ممل ومدمر نفسيا وجسديا. ولا يتأتى ذلك إلا باجتهاد خلاق وإنساني، بسلوك جماعي مسئول للمنتجين المتشاركين الأحرار، وبتسيير ذاتي مخطط ومعمم.
إذا ما سعى جميع الرجال والنساء إلى تقليص دائم للعمل الميكانيكي والرتيب، والذي هو بمثابة عمل قسري بالنسبة لأغلبية المنتجين، سيمكن للحركة الاقتصادية إن تنال تدريجيا تحفيزا مغايرا لما هم عليه الوضع الآن. فحلول مجتمع تسود فيه مواطنية جديدة تقيم لأول مرة مراقبة المجتمع لجهاز الدولة والإدارة، والذي هو محكوم عليه بالاضمحلال، يستلزم تقليصا جذريا لساعات يوم العمل. فيوم عمل من أربع ساعات يلغي عمليا ضرورة بيروقراطية مهنية ويمكن العمال من إدارة المجتمع وتسييره بأنفسهم.بدون هذا التقليص الذي سيكون له صدى مدوي في العالم بأسره، سيبقى مبدأ التسيير الذاتي صوريا.
ليس هذا الإجراء النموذجي للثورة الاشتراكية في جميع البلدان المصنعة نسبيا هدفا طوباويا، بل يستند على أسس موضوعية وذاتية متينة.
تقدر أوساط محافظة ب 50% على الأقل، حصة الطاقة الإنتاجية العالمية غير المستعملة أو مستعملة لأغراض تدميرية(إنتاج الأسلحة) ومؤدية. وإذا ما تم استعمال هذه الموارد الموجودة الآن بشكل عقلاني ورشيد، لغايات إنتاجية ومنفعية تحترم ضرورة المحافظة على البيئة، سيغدو السير في اتجاه إلغاء البؤس والتخلف في "العالم الثالث" ممكنا، دون أي تقليص لمستوى العيش لعمال أحد من البلدان، بل بالعكس سيتم رفعه في كل مكان. بدأت أقليات دالة اليوم، بالتشكيك في "أخلاقيات العمل" وتراكم المنتجات المادية كهدف أسمى للحياة الاجتماعية. فالأساسي بالنسبة لملايين العمال، ليس هو العمل أكثر لاستهلاك أوفر، بل عمل أقل لعيش نوعي مغاير. ليس المهم بالنسبة لملايين الرجال والنساء، الذين واللواتي يدركون الأخطار البيئية، هو تراكم لا محدود للمنتجات المادية، بل البحث عن حياة نبيلة وعن الكرامة الإنسانية، والحفاظ على الطبيعة التي نحن جزء منها وحماية البيئة.
إن الهدف الشامل الذي نطمح إليه هو انعتاق معمم لكل الرجال والنساء من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد، وكل أشكال الاستلاب والتمييز التي يتعرضون لها. فإما أن تكون الاشتراكية نظاما تعدديا، يسمح بتعدد الأحزاب ويرتكز على التسيير الذاتي وإلغاء العمل المأجور، أولا تكون. وإما أن تكون بيئية، نسوية، أممية، سلمية، ومتعددة الثقافات أو لا تكون.
وهذا يفترض بالخصوص، تحقيق وتطبيق كل مقتضيات الديمقراطية الاشتراكية الواسعة، كما يفترض أن يخضع انتخاب الحكومات وتعويضها، لقرارات تتخذ بكل حرية- أي الاختيار بين إمكانيات متعددة- عبر الاقتراع العام.

12) - وحدها البروليتاريا قادرة على بناء مجتمع بدون طبقات

يمثل الرجال والنساء المأجورين والمأجورات، أي كل الذين واللواتي يضطرون اقتصاديا لبيع قوة عملهن(هم)، القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على شل وقلب المجتمع الرأسمالي، وإرساء مجتمع قائم على تعاون وتضامن الأغلبية الواسعة من السكان. لذلك تعتبر الطبقة العاملة، وفق هذا التحديد، العمود الفقري لوحدة جميع المستغلين والمستغلات(بفتح الغين) والمضطهدين والمضطهدات(بفتح الهاء) في النضال من أجل الاشتراكية.
صحيح أن عدد المأجورين والمأجورات الذين واللواتي يعملون في الصناعة التحويلية الكبيرة وفي المناجم بدأ يتراجع، في البلدان الصناعية قديما، نسبة للذين واللواتي يعملن في ما يسمى بقطاع الخدمات.
لكن لا ينبغي المبالغة في تعميم وزن وعواقب هذه التحولات الموضوعية ونتائجها الذاتية على العمال والعاملات. فإذا صارت قلاع عمالية تقليدية في صناعة السيارات والصناعات الحديدية وفي الصناعات الميكانيكية تعرف وضعية ضعف وتراجع، فهي ما زالت قائمة ولم تندثر بعد. وإذا كان هناك تحويل كثيف للتشغيل نحو قطاعات الخدمات، فإن عددا كبيرا من هذه الأخيرة يمثل في الواقع قطاعات صناعية(النقل، الاتصالات السلكية واللا سلكية)، إضافة إلى أنها ساهمت في بروز تركزات عمالية هامة. يتغلغل كل من التصنيع ومكننة العمل في أوساط قطاعات كانت أقل كفاحية في ما مضى كالوظيفة العمومية والأبناك، إلا أنها اليوم أصبحت قادرة على شل الاقتصاد الرأسمالي بشكل أكثر فعالية مما تقدر عليه القلاع العمالية بالأمس.
إن البروليتاريا العالمية قوية جدا في الوقت الراهن، لا من حيت تأهيلها(بدرجة لم يسبق لها مثيل) ولا من حيت عددها(أكثر من مليار كائن بشري). إن الاتجاه المهيمن ليس هو تقلص عدد المأجورين، بل توسعهم عبر العالم بما في ذلك البلدان الأكثر تقدما.
أكيد أن هذا التنامي ليس متجانسا في كل البلدان وفي كل المناطق، في كل القطاعات وفي كل الفروع الصناعية. فالازدهار في هذا البلد أو ذاك، في هذا القطاع أو ذاك، يرافقه انحصار في هذا أو ذاك. لكن محصلة هذه الحركة تسير في اتجاه تطور طبقة المأجورين والمأجورات، وليس في اتجاه تراجعها.
إن المسلك العام الذي يجب إتباعه لمساعدة البروليتاريا على أن تكتسب تدريجيا التجربة والوعي الضروريان لخوض النضال ضد الرأسمالية، والسير به قدما نحو اللحظات الحاسمة لمرحلة ما قبل- الثورة ولفترة الأزمة الثورية، هو مسلك البرنامج الانتقالي، الذي يعني أنه يجب الانطلاق من الاهتمامات المباشرة للجماهير والسير بها، على طريق تجربتها النضالية الخاصة، نحو الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي. وهو اليوم يتضمن مطالب خصوصا كالرقابة العمالية على الإنتاج والحذف النهائي للميزانية العسكرية، التملك الجماعي للأبناك والمؤسسات الكبرى وفرض ضريبة تتخذ شكل مصادرة على الثروات الطائلة. كما تبقى سياسة الجبهة العمالية الموحدة صالحة خاصة لصد الهجمات على الحريات الديمقراطية وصعود التيارات اليمينية القصوية...الخ.
يجب أن تنطلق المطالب الانتقالية الخاصة دائما من الاهتمامات الفعلية اليومية للجماهير كي تتوصل، عبر تجربتها الذاتية، إلى ضرورة الإطاحة بالرأسمالية والاستيلاء على السلطة.
إن عدم تجانس البروليتاريا يوجد مند بدايات العمل المأجور، وهو يترافق مع تقسيمات ترتبط بتقسيم في سوق العمل. وقد اقترن التطور اللا متساوي والمركب لقوى الإنتاج دائما بأهداف البرجوازية ودولها للإبقاء على هذا اللا تجانس وتدعيمه. فهو يعبر بدرجات مختلفة عن التباينات في الأوضاع والمذاخيل بين عمال وعاملات مختلف الأصول الإثنية و"العرقية"، بين الشيوخ والشباب، بين الرجال والنساء، النشيطين والعاطلين، "المحليين" والمهاجرين، المؤهلين وغير المؤهلين، وبين اليدويين والذهنيين في كل بقاع العالم.
تدفع الأزمة باتجاه تعميق الفوارق والتفاوتات. وينتج عن احتداد بطالة الشباب في عديد من البلدان، بروز شريحة اجتماعية لم تلج أبدا حقل العمل ومدفوعة إلى التهميش. وهي تشكل، إلى جانب العمال المهاجرين والنساء اللواتي لفظهن سوق العمل وجميع أنواع المحرومين، شريحة بروليتاريا دونية بعيدة عن تقاليد التضامن العمالي.
يندرج مشروع ما يسمى بالمجتمع الإزدواجي، أو مجتمع أكثر منه تقسيما في البلدان المصنعة، وال>ي يتضمن قسما من البروليتاريا بعيد عن كل حماية ومرغم على عيش أوضاع مزرية شبيهة بأوضاع القرن 19 في المتروبولات الإمبريالية وبأوضاع "العالم الثالث" حاليا، يندرج في إطار عزم الرأسمال على نهج مخطط يهدف إلى جعل الحركة العمالية في وضعية ضعف دائمة. إن مواجهة هذا المخطط بالمطالبة بضرورة امتصاص البطالة عبر تقليص جدري لساعات العمل دون تسريع وثيرته ودون تقليص الأجور، تعد إذن مهمة مركزية بالنسبة للحركة العمالية.
بيد أن كلا من تدويل قوى الإنتاج وبروز شركات متعددة الجنسيات والثورة التكنولوجية الثالثة، يفعل، على المدى البعيد، لصالح تقارب تدريجي للمطالب وتداخل النضالات والمنظمات.
تشمل البروليتاريا جمهور المأجورين الزراعيين الذين يعدون بمئات الملايين في العالم. وإذا كان وزنهم الاجتماعي قد تراجع نسبة إلى عامة السكان النشيطين، فإنه في ارتفاع بالأرقام المطلقة في بلدان كالهند أو اندونيسيا، البرازيل أو مصر، باكستان أو المكسيك.
فضلا عن ذلك، هناك حدود غير واضحة تفصل وتوحد، في آن واحد، بين بروليتاريا المدن وأشباه-البروليتاريا في الحقول(مزارعون مستقلون يمتلكون مساحة ضئيلة جدا من الأرض لا تسمح لهم بالعيش طوال السنة ويضطرون إلى القيام بعمل مأجور مؤقت) بما في ذلك الفلاحون الفقراء. إن طاقة تحريك وتعبئة هذه الطبقات والشرائح الاجتماعية بدأت تعبر عنها الآن حركات عارمة من أجل احتلال الأراضي، لا بل من أجل استثمارها المنتج، والتي ستشكل جزءا لا يتجزأ من الثورة الاشتراكية في البلدان المعنية.
كذلك، يمثل الجمهور الواسع من أشباه- البروليتاريا المهمشين في مدن"العالم الثالث"، إحدى القوى الأكثر اتقادا في القطيعة مع النظام الاجتماعي القائم. ويمكنه أن يشكل قاعدة لأنصار أو لعملاء حركات شعبوية رجعية. لكن، يكفي للمنظمات العمالية أن تدافع بانتظام عن مصالح أولائك المعدمين وأن تحفز وتساعد على تنظيمهم الذاتي، لكي يصبح النضال من أجل "إصلاح مديني"، إلى جانب النضال من أجل إصلاح زراعي، إحدى القوى المحركة والدافعة للثورة الدائمة في"البلدان المتخلفة".
في عديد من البلدان الرأسمالية الأساسية، خصوصا في الولايات المتحدة وفي الهند، في المكسيك وفي الأرجنتين، في مصر وإيران، لم تظفر البروليتاريا بعد باستقلالها السياسي الطبقي. فهي ما زالت، في أغلبتها الواسعة، تحت الوصاية السياسية لقوى شعبوية أو حتى برجوازية تقليدية. ويعتبر النضال من أجل انتزاع هذا الاستقلال السياسي، المهمة الرئيسية والأولى في هذه البلدان.

13) - البروليتاريا وحلفاؤها و"الحركات الاجتماعية الجديدة"

يعتبر الفلاحون الكادحون في بلدان " العالم الثالث" والذين ما زالوا يشكلون رغم تراجع عددهم بشكل تدريجي، أكثر من مليار كائن بشري، حليف البروليتاريا الأكثر أهمية في نضالها ضد هيمنة الرأسمال. فهم، إلى جانب قسم من سكان المدن المهمشين وجزء من البرجوازية- الصغيرة، قابلون للتعبئة والتحرك من أجل أهداف معادية للإمبريالية التي تشكل إحدى مهام التحرر الرئيسية في هذه البلدان.
خلال العقود الأخيرة تطورت، على هامش الحركة العمالية أو أحيانا في تناقض معها، حركات اجتماعية كالحركات النسائية، والحركات البيئية والسلمية، والمعادية للعنصرية والداعية لتحرر المثليين الجنسيين. وتعكس هذه الحركات تناقضات جديدة أو متفاقمة بفعل عواقب الأزمة، سواء في المجتمعات الرأسمالية أو في مجتمعات الهيمنة البيروقراطية. كما تعبر عن وعي أكثر عمقا وأكثر شمولية لمختلف أوجه الاضطهاد. لقد نجحت هذه الحركات في إقحام قطاعات شعبية واسعة جدا في النضال.
كان على الطبقة العاملة والحركة العمالية المنظمة أن تضطلع كليا بهذه المعركة. لكن حال دون ذلك حتى الآن قياداتها التقليدية، إضافة إلى ضعف اليسار الثوري وتأخر تدخله بصدد هذه المسألة، مما جعل تلك الحركات تتوسع وتنمو بشكل تلقائي.
إذ نشارك بكل فعالية في كل هذه الحركات ونحن واعون بطاقاتها المعادية للرأسمالية، فإننا نناضل من أجل إقامة تحالف استراتيجي معها ومع النضالات العمالية والحركة العمالية. لكننا نحترم في الوقت نفسه، الاستقلال الذاتي المشروع لهذه الحركات الاجتماعية التي لا يكفي إدماجها فقط في الحركة العمالية في حد ذاتها.
بالطبع، تشكل البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين الفقراء القوة الوحيدة القادرة على رسم أسس مجتمع جديد يرتكز على الحرية والتضامن الكاملين والمتكاملين. لكن، وفي الوقت الذي أصبحت فيه البرجوازية منظمة جدا على الصعيد العالمي مقارنة مع القرن الماضي، نجد أنه لم يعد هناك وجود لمنظمة أممية عمالية جماهيرية. إنه وجه من أوجه أزمة القيادة السياسية البروليتارية، لكن يمكن تجاوزه ببروز أجيال مناضلة جديدة وباستيعاب تجارب الأمس، بمراكمة انتصارات جديدة كفيلة باستعادة الثقة في النفس، بتجديد حوار طالما انقطع بين الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية ومثيلتها في مجتمعات الشرق، وبإعادة تنظيم عميقة للحركة الجماهيرية ولطليعتها السياسية.