العمل النقابي يمكنه أن يخرج من عنق الزجاجة


التيتي الحبيب
2019 / 3 / 5 - 00:58     

من وحي الأحداث





قبل نهاية سنة 2018 وفي هذه الشهور الأولى من 2019 عرف المجال النقابي حيوية ودينامية لا تخطئها العين. تأتي هذه الحيوية على خلفية تردي الأوضاع الاجتماعية لكافة الطبقات والفئات، وتدهور القطاعات الاجتماعية نتيجة سياسة التقشف واستقالة الدولة من مسؤولياتها وواجباتها تجاه الجماهير الكادحة.

فشل الحوار الاجتماعي لأن الحكومة رفضت الوفاء بما التزمت به في اتفاقية 26 أبريل 2011 ورفضت أيضا الاستجابة إلى الرفع من الأجور التي جمدت لما يزيد عن 11 سنة.

أمام هذا الباب المسدود والحوار العبثي اقتنعت المركزيات بأن الحكومة لا تتوفر على الإرادة للاستجابة إلى المطالب فلذلك اعتبرت هذه المركزيات النقابية أن عليها أن تعلن مقاطعة الحوار وإدانة سياسة التلهية وربح الوقت، لاسيما وأن الاحتقان اشتد عند القواعد خاصة في القطاع العمومي، فلم تتأخر في الدخول في إضرابات وطنية واسعة في قطاع التعليم والجماعات الترابية.

فعلى ما تشير هذه الحركية النضالية وما هي مميزاتها؟

إن أهم حركة نضالية هي تلك التي يعيشها اليوم قطاع التعليم وذلك لعدة أسباب:

1- وصل قطاع التعليم إلى الدرك الأسفل بحيث تم الإجهاز النهائي على التعليم العمومي، وهو ما يرتب له ما يسمى بالميثاق الوطني لإصلاح منظومة التعليم والمعروض على البرلمان.

2- يعتبر قطاع التعليم حقل التجارب وتطبيق التوظيف بالعقدة وهو ما يثور اليوم ضده عشرات الآلاف من المدرسين والمدرسات المفروض عليهم التعاقد.

3- تدهور الأوضاع الاجتماعية لرجال ونساء التعليم بحيث يتم الرمي بهم إلى أسفل السلم الطبقي. إنهم تعرضوا مثلهم مثل باقي الفئات الاجتماعية الوسطى إلى أقوى موجة تفقير عرفها المغرب.

4- تحقير وتسفيه النقابات القطاعية من طرف الحكومة وآخرها التلاعب في مواعيد الحوار وحتى إلغاؤها أو تأجيلها بطرق مزاجية لا تقيم أي اعتبار لهذه الإطارات المناضلة.

كل هذه المعطيات ساهمت في إذكاء روح النضال والاحتجاج داخل رجال ونساء التعليم، وأصبح الجميع معبأ وقابلا لرفع أصوات الاحتجاج ومستعدا للنضال وتحمل أعباء الاقتطاعات التي تعتقد الحكومة أنها وجدت الحل الناجع لإلجام الإضرابات وتوقيفها. فعلى قاعدة هذه الاستعدادات القوية للنضال ونتيجة تأسيس العديد من التنسيقيات لتأطير الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وتنظيمها للحركات الاحتجاجية القوية أصبحت المركزيات النقابية أمام أمر واقع مستجد يفرض عليها أن تتعاط معه بمسؤولية وجدية. ومن خلال هذه الدينامية التي يعرفها تعاطي المركزيات النقابية يمكننا استنتاج أمرين هامين:

1- أمر الوحدة النقابية في النضال: لقد استطاعت ثلاث نقابات قطاعية أن تدعو إلى حركة نضالية واحدة وتوحد خطابها ومطالبها فخاضت إضرابا موحدا ونظمت مظاهرة مركزية.

2- أمر تصدع القرار البيروقراطي لنقابة التعليم بالاتحاد المغربي للشغل وانصياعه لقرار القواعد- التحاقها بإضراب 20 فبراير- يظهر أن سطوة القيادة البيروقراطية قابلة للنسف إذا ما انتفضت القواعد لتفرض إرادتها.

هذه الحيوية التي تعيشها الجبهة النقابية تستمد قوتها ومفعولها من الاستعدادات عند الجماهير، وكلما تفاعلت القواعد المناضلة مع هذه الاستعدادات كلما استطاعت أن تخلق موازين قوة داخل المركزيات النقابية وأن تفرض إرادتها على الأجهزة القيادية نفسها. هذا هو الطريق الأسلم والأنسب من أجل إخراج العمل النقابي من احتباسه ونزعه من يد القيادات المتنفذة التي مهمتها هي لجم وتحريف العمل النقابي عن خدمته مصالح المتضررين.