الاتحاد العام التونسي للشغل : نجاح الاضراب العام ودروس أخرى


محمد المناعي
2019 / 1 / 18 - 01:08     

نفّذ الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم 17 جانفي 2019 إضرابا عاما في القطاع العام و الوظيفة العمومية ، بعد تعطل المفاوضات مع الحكومة ، وكان الاضراب ناجحا بكل المقاييس عقبته مسيرات عمالية و شعبية حاشدة في العاصمة و مختلف الجهات طالبت بالزيادة في الأجور كما طالبت بالعدالة الاجتماعية و الجبائية و السيادة الوطنية إضافة الى شعارات توجه أصابع الاتهام للائتلاف الحاكم بالتبعية و الارتهان للصناديق الدولية و داعية للتصعيد هي اتهامات ودعوات لم تغب عن خطاب الأمين العام للمنظمة بساحة محمد علي الحامي أمام حشودا من العاملات و العمال .
هذا الإضراب أكد مرة أخرى مجموعة من الحقائق و الثوابت التي تكرست في المشهد السياسي و الاجتماعي و الوطني التونسي وجعلت من الاتحاد رقما صعبا في المعادلة الوطنية و التي يمكن ذكر بعضها :
أولا : الاتحاد العام التونسي للشغل ليس مجرد نقابة مهنية عمالية تطالب بتحسين الأجور و الدفاع فقط عن منظوريها ، بقدر حفاظه على دوره الوطني منذ نشأته كمنظمة جماهيرية شعبية يلتف حولها أغلب المواطنات و المواطنين باستثناء من ارتبطت مصالحهم بجهات أخرى و تناقضت مع مصلحة الخدامة . لذلك فان "شعب الاتحاد" أصبح أمرا واقعا في المشهد السياسي و الاجتماعي بعد أن طرحت المنظمة على نفسها المسألة الوطنية برمتها ، وخاصة قضايا السيادة و استقلال القرار الوطني و قضايا التنمية العادلة و الشاملة و قضايا الحقوق الأساسية و في مقدمتها الحق في الشغل الكريم و اللائق لأبناء شعبنا في وقت تتخبط فيه الحكومة دون بوصلة واضحة و دون برنامج و في ارتهان واضح للصناديق الدولية و املاءاتها علاوة على التجاذبات و ادارة البلاد وفق منطق الغنيمة و على طريقة الهواة .
ثانيا : أكد نجاح الإضراب مرة أخرى أن الاتحاد العام التونسي للشغل لا يزال الطرف الوحيد في البلاد القادر على التعبئة الجماهيرية حوله دون أدنى حرج خاصة في ظل تشتت المشهد السياسي اليساري و التقدمي و مأزق الأحزاب الحاكمة و خاصة الحزب الأكبر الذي تلاحقه تهم بإدارة جهاز سري و التورط في العنف و شبهة العلاقة بالاغتيالات ، ومن جهة أخرى الصراع القائم في العائلة الدستورية حول وراثة تركة التجمع أولا ثم وراثة التركة السياسية لمؤسس نداء تونس ثانيا ومن مهازل المشهد أن يكون أحد الأطراف المتصارعة و المتسببة في الأزمة القائمة هو رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد نفسه الذي يهتم بمستقبله السياسي الشخصي على حساب مصلحة البلاد .
ثالثا : قدرة الاتحاد على إدارة التحركات الكبرى في حجم الاضراب العام و الموازنة بين التعبئة و التفاوض و إدارة الشارع و توجيهه و خاصة تنفيذ اضراب عام في القطاع العام و الوظيفة العمومية مع تأمين الحد الأدنى من الخدمات في القطاعات الحيوية فيأكد أنه بقدر دفاعه عن المقدرة الشرائية للمواطن بقدر حفاظه على تقاليد نقابية عريقة في الذود على المرفق العام و المصلحة العليا للمواطن .في حين حاولت الحكومة دون جدوى لي ذراع الاتحاد باقرار التسخير الذي تحول الى مهزلة لعدم المام الفريق الحكومي بالجانب الاجرائي و بقدرة العمال على التصدي له فوضعت الحكومة نفسها أمام مأزق العجز عن ادارة الأزمة بما يحافظ على جدية مؤسسات الحكم و نفاذ قراراتها . فادارة الأزمات الكبرى كما ادارة الاستحقاقات الكبرى كشفت عن قدرة تسييرية و تنظيمية سلسة لدى مؤسسات الاتحاد رغم ثقل الألة النقابية و انتشار الهياكل في مختلف الجهات و القطاعات في المقابل تخبط حكومي وارتجالية لا مثيل لها .
رابعا : أكدت الأزمة الأخيرة أن محاولات شق صفوف العمال من طرف الحكومات المتعاقبة و هذه الحكومة تحديدا بلعب ورقة الانهاك القطاعي سواء للتعليم الثانوي أو الحضائر أو التعليم العالي و غيرها على أمل تصديع البيت الداخلي ، كلها باءت بالفشل فساحة محمد علي و مختلف ساحات الاتحادات الجهوية و المسيرات العمالية أكدت اليوم لحمة قطاعات المنظمة والتفافها حول الهياكل النقابية والمطالب المشتركة قبل الخصوصية والقطاعية فكلما راهنت السلطة على اضعاف الاتحاد خرج من الأزمات المتتالية أكثر قوة و صلابة ولحمة .
خامسا : مرة أخرى يتأكد أن نفس الأطراف السياسية التقدمية التي ساندت الاتحاد في مختلف الأزمات و كلما كان مستهدفا من السلطة و من الأطراف المعادية للعمل النقابي منذ الاضراب العام سنة 1978 الى اليوم هي التي واصلت دعم مطالبه سواء بالتواجد في المسيرات العمالية أو ببيانات و برقيات المساندة في المقابل نفس الأطراف المعادية للعمل النقابي و التي وقفت ضد نضالات العمال و تحركاتهم و استهدفت المنظمة بالميليشايات و بالعنف و برمي القمامة على مقراته و الحرق و كتابة الشعارات المعادية و تهديد قياداته و محاولة اختراقه من الداخل هي نفس الأطراف التي تعمل اليوم عبر دعمها لخيارات الحكومة الحالية في التنكر لحقوق الشغالين و تطلق وسائل الاعلام القريبة منها لتشويه الاتحاد و العمال ومحاولة التقليل من شأن تحركاتهم و اضرابهم العام و شرعية مطالبهم ...
الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يستعد لمواصلة معركة السيادة و معركة الدفاع عن حقوق التونسيات و التونسيين و في مقدمتهم الأجراء و الفئات المتضررة من سياسات الحكومة الحالية وسابقاتها ، أكد للجميع اليوم بنجاح الاضراب أنه رقما صعبا في المعادلة السياسية و الاجتماعية التونسية وأنه الضامن الأساسي إن لم يكن الوحيد لما بقي من كرامة لهذا الشعب وسيادة لهذا الوطن.