عيد الشغل - العيد الأممي للطبقة العاملة - 2006 : الحصيلة والآفاق

خالد جلال
2006 / 4 / 16 - 11:49     

يشكل تخليد ذكرى عيد الشغل "العيد الأممي للطبقة العاملة" سنويا محطة مهمة في تاريخ الحركة العمالية والنقابية من أجل تقييم حصيلة سنة من النضال والصراع ضد الاستغلال وهضم للحقوق و يعتبر أيضا مناسبة لوضع البرامج والمخططات وتحديد الأولويات بالنسبة للسنة القادمة من أجل مواصلة النضال ضد الانتهاكات المختلفة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والنقابية ومن أجل تحقيق مطامح وانتظارات الطبقة العاملة التي تصبو إلى مجتمع تسود فيه المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية واحترام حقوق الانسان. لا يختلف اثنان في أن الطبقة العاملة المغربية اليوم تعيش ظروفا جد صعبة وأوضاعا اجتماعية واقتصادية متدهورة بسبب هيمنة العولمة الاقتصادية وفتح السوق أمام الشركات المتعددة الجنسيات والتجارة الحرة وانحياز الدولة لصف أرباب العمل وعدم السهرعلى التطبيق السليم لمدونة الشغل – رغم علاتها- ، الشيء الذي نتج عنه تنامي كافة أشكال الاستغلال والاضطهاد وأصبح العمال معرضين في أية لحظة للتوقيف والطرد بمبرر أو بدونه. كما عرفت الحركة النقابية بدورها تقلصا ملموسا وتراجعا ملحوظا إذ أصبحت تعيش على إيقاع التضييق المتكرر على الحريات النقابية والحق في ممارسة العمل النقابي وتجريم الحق في الإضراب وترهيب واعتقال النقابيين، مما دفعها إلى الوقوف في خط الدفاع لعلها تستطيع فقط الحفاظ على المكتسبات. إنه فعلا واقع قاتم، للطبقة العاملة ولتنظيماتها النقابية، يتم استحضاره في فاتح ماي لهذه السنة لعلها تستلهم منه الدروس كي تتمكن من استجماع قوتها وتوحيد صفوفها لاسترجاع ما ضاع منها ولتحقيق مطالبها العادلة والمشروعة حتى تصبح ذكرى الاحتفال بعيد الشغل تكرس الأمل والتفاؤل بغد أفضل ومشرق بدل الاستياء والتشاؤم والإحباط.


تقديم:

تحيي الطبقة العاملة بالمغرب يوم فاتح ماي هذه السنة على غرار العمال في سائر أنحاء العالم العيد الأممي للطبقة العاملة، هذه الذكرى التي تعيد سنويا للأذهان كل ملاحم النضال وأشكال الصراع التي خاضتها الطبقة العاملة ضد الاستغلال والتعسف والاضطهاد. في هذا اليوم تخرج جموع من العمال والمستخدمين والموظفين في مسيرات جماهيرية تتباين أعدادها وأحجامها وقوتها للتعبير عن آلامها وآمالها مطالبة في نفس الوقت بضرورة تحقيق مطالبها العادلة والمشروعة. هذا العيد العمالي الذي يجسد مظهراً من مظاهر التضامن الأممي للعمال تتوحد فيه إرادة الطبقة العاملة في كل بقاع الأرض في نضالهم ضد العولمة المدمرة وضد مخنلف أنواع الاستغلال والاستعباد. تخلد الطبقة العاملة هذا العرس العمالي السنوي وهي تردد "بأي حال عدت يا عيد...؟" فهل حقا تغير الحال بالنسبة للعمال؟ وهل تغير للأحسن أو للأسوأ ؟
كما يعد عيد الشغل، العيد الأممي للعمال، مناسبة لتقييم الطبقة العاملة ومنظماتها النقابية لأدائها خلال العام المنصرم ووضع حصيلة ما تحقق وتحديد المطالب التي بقيت عالقة ورسم تصوراتها وتخطيطاتها للعام الجديد الذي يطمح العمال سنويا أن يكون أحسن من سابقيه. فماذا يا ترى حققت الطبقة العاملة وتنظيماتها خلال السنة الفارطة؟ وهل استطاعت على الأقل الحفاظ على المكتسبات؟ وهل هي راضية على ما تحقق؟ وهل العمال راضون على أداء نقاباتهم خلال السنة الماضية؟ وهل النقابات هي الأخرى راضية على ما تم تحقيقه؟ وهل النقابات وقياداتها سائرة في الطريق الصحيح الذي تطمح له الطبقة العاملة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها لابد أن يتم استحضارها في هذا العيد، ومنها ما يجد الرد ومنها ما يظل عالقا ومنها ما يتم الالتفاف عليه لإخفاء الحقيقة.
لا يمكن لأي أحد أن ينكر بأن بعض التنظيمات النقابية، ولو على الصعيد المحلي أو الجهوي، تقوم بشكل أو بآخر بالدور المنوط بها وتعمل جاهدة على تنظيم العمال وتأطيرهم والدفاع على مصالحهم وحقوقهم وتسهر على تمثيلهم تمثيلا مشرفا وتهدف إلى خدمتهم لا لاستخدامهم وتحقق مكاسب مهمة لصالحهم رغم الإمكانيات المادية والبشرية التي تعيق أحيانا تحقيق الأهداف المنشودة. لكن، يلاحظ في السنوات الأخيرة تراجعا وضعفا ملحوظا في أداء النقابة العمالية بالنظر إلى الهجوم المتزايد للرأسمالية المحلية والدولية على حقوق ومكاسب الطبقة العاملة وجماهير الشعب و بالنظر إلى تخلي الدولة التدريجي على دورها الرئيسي من خلال رفع دعمها للعديد من القطاعات الحيوية وتفويتها للقطاع الخاص وبالتالي تسهيل تسليع قوة العمل وجعل الطبقة العاملة لقمة سائغة للرأسمالية المتوحشة وللباطرونا التي تزداد شهيتها لاستغلال العمال وهضم حقوقهم والدوس على كرامتهم وتكديس الثروات على حساب عرقهم اليومي.

الحصيلة: واقع أسود

لقد كانت السنة الفارطة، وبدون مبالغة، سنة احتجاج بكل المقاييس إذ شهدنا طوال العام مسلسلا متواصلا من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية دعت إليها مجموعة من القطاعات العمومية بداية من التعليم والصحة والمالية وانتهاء بالعدل والفلاحة والجماعات المحلية، انخرطت في بعضها جميع المركزيات النقابية مكرسة بذلك الوحدة النضالية في أفق تحقيق الوحدة النقابية المنشودة. كما تم تنظيم وقفات احتجاجية أمام المندوبيات الإقليمية والوزارات الوصية وأمام مقر البرلمان احتجاجا على عدم التعاطي الإيجابي للجهات المعنية والمسؤولة بالملفات المطلبية للقطاعات السالفة الذكر ونهج أسلوب المماطلة بدل العمل على تسوية كافة المشاكل والملفات. فرغم استمرار الحوار الاجتماعي، الذي أصبح مناسبة للتعارف وتبادل وجهات النظر أكثر منه من التفاوض وانتزاع الحقوق، ضمانا لاستمرارية "السلم الاجتماعي" المزعوم، ورغم الاتفاقات المتوصل إليها في بعض القطاعات (التعليم، الصحة..)، تبقى هذه الاتفاقات وما تحويه من مكاسب لا ترقى لانتظارات وطموحات لا العاملين بهذه القطاعات ولا نقاباتهم ويعتبرها العديد من المتتبعين سوى حلول جزئية وترقيعية وبمثابة در الرماد على العيون بهدف ضمان استمرارية السلم الاجتماعي وإسكات الحركات الاحتجاجية والتقليل من عدد الإضرابات التي أصبحت تقابل أحيانا بالتوقيف والطرد وحتى الاعتقال (قطاع الجماعات المحلية نموذجا) وأحيانا أخرى بالاستفسارات اللاقانونية والاقتطاعات غير المبررة (قطاع التعليم ). ومما يدعو للدهشة والاستغراب أن كل هذا يحدث في ظل حكومة يقال عنها ديمقراطية تقدمية وحداثية !!؟؟
كما عاش قطاع الجماعات المحلية أكثر من غيره تضييقا ملحوظا على الحريات النقابية إذ تعرض العديد من المناضلات والمناضلين إلى التوقيف أو الطرد لمجرد ممارستهم للحق النقابي وتشكيل مكاتب نقابية في مجموعة من الجماعات البلدية والقروية. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ما تعرض له النقابيون بمدينة ابن جرير وكلميم من طرد تعسفي وتلفيق تهم كيدية ومتابعات قضائية بتطبيق المادة 288 من القانون الجنائي الذي يتعارض جملة وتفصيلا مع دستورية الحق في الإضراب.
أما بالنسبة للقطاع الخاص، فقد كانت السنة الماضية كارثية بكل المقاييس رغم دخول مدونة الشغل – بتراجعاتها وسلبياتها- حيز التنفيذ مع تسجيل تأخير إصدار بعض المراسيم المنظمة إذ لم يتم احترام بنودها واستطاع أرباب العمل التلاعب والتحايل والالتفاف حول مجموعة من فصولها، شجعهم على ذلك الغياب غيرالمبرر للجهات المسؤولة على فرض القانون. ونتيجة لذلك، شهدت السنة الماضية تسريحات جماعية وموجات من الطرد التعسفي وتوقيفات بالجملة وهضم للحقوق بالعديد من الوحدات الإنتاجية والضيعات الفلاحية مثل عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور وعدم التصريح بالعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي وعدم احتساب الساعات الإضافية والتعويض عن العطل الأسبوعية والسنوية والتملص من أداء التعويضات عن الأعياد الوطنية والدينية وفرض شروط الإذعان في عقود العمل . . . واللائحة طويلة. هذا مع العلم أن التوجه السائد منذ سنوات داخل الوحدات الإنتاجية والضيعات الفلاحية هو تأنيث قوة العمل أي تشغيل النساء بدل الرجال من أجل الضغط عليهن بشتى الوسائل وضمان عدم تشكيلهن لمكتب نقابي ورضاهن بأدنى الأجور وعدم المطالبة بحقوقهن الأساسية كما نصت عليها المدونة.
بالإضافة إلى ذلك، عرفت السنة الفارطة مسا خطيرا وغير مسبوق بالحريات النقابية والحق في التنظيم النقابي والتضييق على النقابيين بالعديد من المدن بالقطاعين العام والخاص؛ هذا الأخير الذي عرف هجمة وحربا شرسة شنها أرباب العمل وأصحاب الشركات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات ضد العاملات والعمال بدون هوادة دون تدخل للدولة لحماية حقوق الطبقة العاملة. لقد عاش العمال والنقابيون بالعديد من المدن مسلسلا مريرا من الطرد والتوقيف والاضطهاد وانتهاكات بالجملة لمدونة الشغل وغير ذلك من الخروقات المتعددة التي كان ضحيتها العامل في غياب تدخل الجهات المعنية والمسؤولة عن فرض احترام القانون وتنفيذه على الكل، باطرونا وعمال، دون تمييز.
هذا، كما تعرض العديد من النقابيين والعمال للاعتقال التعسفي من طرف الأجهزة الأمنية ومتابعتهم قضائيا بتهم ملفقة ( تكوين عصابة والضرب والجرح…)، ومتابعتهم بالفصل 288 من القانون الجنائي بدعوى عرقلة حرية العمل، هذا الفصل الذي يجرم الإضرابات العمالية ويشكل السيف القاطع الموضوع على أعناقهم كلما عبروا عن احتجاجهم المشروع ضد ما يتعرضون له من استغلال واضطهاد وطرد وتوقيف وهضم للحقوق. بينما لا تعمل الدولة على تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وخاصة تلك التي تضمن الحريات النقابية كالمادة 428 من المدونة التي تنص على معاقبة كل شخص طبيعي أو معنوي يعرقل ممارسة الحق النقابي، مما يعكس جليا توقعها المنحاز بجانب أرباب العمل مشجعة بذلك تقويض العمل النقابي واستغلال واستعباد البشر.
ولتبيان خطورة الوضع في القطاع الخاص، وخصوصا العمال الزراعيون وعمال النسيج، سوف أسوق بعض الأمثلة على مختلف أشكال الاستغلال والتضييق على الممارسة النقابية:
- توقيف الكاتب العام وأعضاء آخرين من المكتب النقابي (الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي
التابعة للاتحاد المغربي للشغل) لشركة "بلانتكوم" المنتجة للنباتات العشبية ذات المنافع الغذائية والطبية
بجماعة أيت عميرة بجهة سوس. بالإضافة إلى التهديد الذي يطال عمال الشركة بالانتقام منهم وقطع
أرزاقهم. والشركة المذكورة في ملكية مستثمر ألماني فضلا عن أن هذا الأخير لا يطبق أدنى مقتضيات
مدونة الشغل.
- تسريح 150عاملا بالشركة الفلاحية "لاكليمانتين" المتواجدة بمدينة أزمور قرب الجديدة نتيجة انخراطهم
في العمل النقابي.
- استمرار اعتقال "مصطفى بوزلاف"، الكاتب العام لمكتب نقابة عمال وعاملات شركة "صابيسكو" بايت
اعميرة إقليم اشتوكة ايت باها،، ومتابعة ثلاثة من رفاقه في إطار السراح المؤقت لأسباب نقابية.
- المتابعة القضائية في حق 13 عاملة، مناضلة بالاتحاد المغربي للشغل في شركة "دوفطكس" للألبسة
الجاهزة بحي البرنوصي بالدارالبيضاء، بعد تنفيذ الإضراب من أجل إرجاع 34 عاملة مطرودة، ومن
أجل أداء الأجور.
- التضييق على الحريات النقابية والطرد الذي يتعرض له عمال وعاملات "ديوهرست" للنسيج بطنجة.
- إغلاق المعامل والتسريحات الجماعية:معمل السكر، معمل الأغطية، معمل سمك القمرون، شركة
أمانديس، معمل وراقة تطوان وآخرها المعمل المغربي للوقيد.
- إقدام إدارة شركة "كوطيف" للنسيج بفاس على تسريح أزيد من 500 عاملا تحت يافطة : إعادة هيكلة
الشركة.. وغير ذلك من الأمثلة.
يلاحظ من هذه الأمثلة أن القطاع الفلاحي وقطاع النسيج ببلادنا، وهما من القطاعات الحيوية والتي تشغل يد عاملة كبيرة، يعرفان حاليا هجوما لامسبوقا على الحريات النقابية ويتعرض العاملات والعمال للتوقيف والطرد والاستغلال المفرط ناهيك عن استهتار أرباب العمل بالوحدات الإنتاجية والضيعات الفلاحية بمقتضيات مدونة الشغل. هذا، ويتنبأ المتتبعون الاقتصاديون والمسؤولون باقتراب قطاع النسيج من حافة الإفلاس بسبب الفساد والنهب الذي تتعرض له المقاولات وبفعل فتح أبوب المغرب أمام المنتجات الصناعية من بلدان متقدمة ذات إنتاجية كبيرة وتنافسية أكبر، الشيء الذي سيضطر معه أرباب العمل إلى حل أزمتهم على حساب العمال (تكثيف الاستغلال: خفض الأجور، زيادات ساعات العمل، التسريح الجماعي ...إلخ ).
وفي هذا الإطار، نظم الاتحاد المغربي للشغل بالدارالبيضاء تظاهرة احتجاجية يوم الأحد 2 أبريل 2006 احتجاجا على ما تتعرض له الحريات النقابية من تضييق وتجاوزات بعدد من الشركات والمعامل والوحدات الإنتاجية ومنع ممنهج لممارسة الحق النقابي من طرف بعض أرباب العمل ضدا على القوانين الجاري بها العمل بالبلاد والاتفاقات الدولية.
إنها مجرد أمثلة عن أشكال التضييق ومحاربة العمل النقابي والمعاناة اليومية التي يعيشها النقابيون والعمال على السواء في مجموعة من المعامل والشركات على مرأى ومسمع من الجهات المعنية والمسؤولة التي تتموقع غالبا بجانب أرباب العمل غاضة الطرف على مختلف أشكال الاستغلال البشع والمعاملة اللإنسانية التي تطال العاملات والعمال الذين يكدون صباح مساء لتوفير القوت اليومي، مع العلم أن الأجر مقابل هذا العمل الشاق والمضني لا يكفي حتى لسد الحاجيات الضرورية للعيش الكريم.
كما وجب علينا في ذكرى عيد الشغل هذه السنة أن نستحضر مأساة ومعاناة من لا عمل لهم : المعطلون، إذ لا زالت دار لقمان على حالها بالنسبة لهذه الشريحة الاجتماعية ولا زالت أعداد هائلة تقف في طوابير البحث عن العمل دون جدوى. إن ازدياد أعداد العاطلين وخصوصا حاملي الشواهد وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على إيجاد حلول ناجعة للقضاء على معضلة البطالة التي أصبحت تؤرق العديد من العائلات وتسد جميع الآفاق أمام الشباب، ساهمت بشكل كبير في تأجج الاحتجاجات، الشيء الذي أدى إلى تنامي الإحساس باليأس والتذمر والتشاؤم وانسداد الأفق لدى عموم العاطلين وحتى الطلبة. وقد تم تنظيم عدة وقفات احتجاجية محلية وجهوية ووطنية، خصوصا تلك التي تنظم بين الفينة والأخرى أمام مقر البرلمان والتي تقابل غالبا بالمنع والقمع الوحشي والاعتقال. وقد عرفت احتجاجات المعطلين المحرومين من حقهم في الشغل منعطفا خطيرا وأشكالا أخرى تجلت في إحراق ذواتهم أمام مرأى ومسمع الرأي العام بالرباط. إن الإقدام على حرق الذات/الانتحار ليعتبر واحدا من أقسى أشكال الاحتجاج والذي يقدم الدليل بأن من يحترق هو مغرب اليوم بطاقاته وكفاءاته وشبابه –مستقبل الغد- في غياب استراتيجية وطنية للتشغيل بدل الخطابات المغشوشة والمناظرات المزيفة ، استراتيجية شمولية تعتمد على دراسة علمية لإخراج البلاد من النفق المسدود وتوفير العمل لعموم المواطنين.


الآفاق: ضبابية الرؤية

وبالمقابل، فقد شهدت السنوات الأخيرة كذلك حركة نشيطة وقوية مناهضة للعولمة وانعكاساتها بالعديد من دول العالم وحتى بالمغرب إذ بدأنا نشعر بظهور الإرهاصات الأولية لنشوء فعل احتجاجي وحدوي جماهيري ومنظم ونمو وعي نضالي أصبح يتجذر شيئا فشيء في صفوف المواطنين. هذه الحركات الاحتجاجية التي كانت تواجه من طرف الحكومات البرجوازية بالقمع والتعسف. كما أدت السياسات المتبعة والراضخة لتوجيهات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية وتنفيذ برامج التقويم الهيكلي وانعكاساتها السلبية، خصوصا مع خوصصة مؤسسات القطاع العام وما صاحبها من تسريح جماعي للعمال أو تراجع على مكتسباتهم وتفاقم البطالة وتخلي الدولة عن دورها في مجالات التشغيل والتعليم والصحة والسكن ...، فضلا عن التضييق الممنهج والمتكرر على الحريات النقابية وتطبيق الفصل 288 ضد الحق في الإضراب، الشيء الذي أجج نضالات جماهيرية ونقابية في مختلف المدن المغربية.
والطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية وهي تستحضر في ذكرى فاتح ماي لسنة 2006 مختلف هذه الانتهاكات والممارسات التي تمس بكرامة العاملات والعمال وأشكال التضييق على العمل النقابي، أصبحت مطالبة اليوم بتطوير أشكال نضالها وتنظيم صفوفها وتوحيدها. لقد بات واضحا أن كل تحركات الاحتجاج على العولمة رغم أهميتها لازالت غير كافية وغير قادرة بشكل ناجع على طرح المهمة المركزية لعمال العالم ألا وهي القضاء على نظام الإستغلال الرأسمالي والتصدي لكل الأشكال الماسة بالكرامة الإنسانية.
كما يمكن اعتبار انعقاد المنتدى الاجتماعي سواء على المستوى الدولي أو المحلي خطوة إيجابية لمواجهة ومناهضة العولمة وتأثيراتها الوحشية ومناسبة مواتية لاجتماع العديد من المهتمين بهذا المجال للتداول حول أخطار العولمة النيولبرالية والبحث عن سبل تحقيق عولمة بديلة مؤكدين بذلك انخراطهم في سيرورة عولمة التضامن والبدائل إلى جانب كل الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل عالم آخر ممكن قوامه التعايش والسلم والديمقراطية والتوزيع والاستفادة العادلين من الثروات والخيرات.
كما بات من الواجب اليوم التفكير في سبل تطوير هذا الرصيد النضالي حتى يكون في مستوى المهام المطروحة بصورة مباشرة لمناهضة العولمة الاقتصادية وآثارها السلبية على الطبقة العاملة خصوصا بعد ظهور بعض الظروف الذاتية والموضوعية المساعدة على تعزيز وتقوية العمل النقابي، نذكر من بينها:

1. اقتناع أكبر بضرورة الوحدة النقابية لمواجهة العولمة. وهو ما أكده التقارب بين الكونفدرالية العالمية
للنقابات الحرة (CISL) والكونفدرالية العالمية للشغل (CMT) في أفق الوحدة بينهما قريبا.
2. بروز حركة واسعة مناهضة للعولمة الرأسمالية مساندة للطبقة العاملة في نضالها ضد الاستغلال
ونضالها النقابي على الخصوص.
3. التحاق أجيال جديدة من الشباب المتعلم (وخصوصا الشابات) بالنقابات، مما يغذيها بدماء جديدة قادرة
على إحداث تطور في هياكلها وطرق تدبيرها.
4. تطور وانتشار وسائل الاتصال العصرية وخصوصا شبكة الانترنيت مما يسهل التواصل وتبادل
المعلومات والتجارب والخبرات بين الإطارات السياسية والنقابية والجمعوية المهتمة بمناهضة العولمة.
5. تصعيد الاستغلال في ظل العولمة اللبرالية، ساعد في سقوط أوهام ورهانات خاطئة من قبيل "التوفيق
بين الرأسمال والعمل" وإمكانية تحقيق "سلم اجتماعي" في ظل هذا الاستغلال المكثف للطبقة العاملة.
6. انعقاد المنتديات الاجتماعية على المستوين الدولي والمحلي.

هذا، وتبقى واحدة من المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الهيئات النقابية هي الدفاع عن وجودها وحقها في تمثيلها للطبقة العاملة إذ لا معنى ولا وجود للنقابة في ظل حرمانها من ممارستها لدورها داخل المعامل والشركات وتنظيم العمال وتأطيرهم والدفاع عن حقوقهم، ولا معنى للنقابة وهي مسلوبة من حقها الدستوري والمتمثل في الحق في الإضراب. إن أقسى ما يمكن للنقابة أن تتعرض له هو التضييق على الحريات النقابية وذلك من خلال التوقيف أو الطرد الذي يتعرض إليه النقابيون فور الإعلان عن تشكيل مكتب نقابي. وعندما تحاول النقابة فرض نفسها والقيام بالدور المنوط بها في تنظيم الأشكال النضالية – وقفة احتجاجية أو إضراب-، يتم تقويضها بالفصل 288 من القانون الجنائي ويتم الاعتقال ثم المحاكمة، مما يؤدي إلى نشر الخوف والرعب في أوساط العمال الذين يرون في انتمائهم للنقابة قطع لأرزاقهم . ونتيجة لذلك، يتم استئصال النقابة وسلب أقوى وسائلها للدفاع عن الطبقة العاملة وإبعادها عن تواجدها بجانب العمال بالمعامل والشركات والضيعات الزراعية وفرض الإقامة الجبرية عليها بالمقرات النقابية، بل قد لا تستبعد فرضية وصول حد التضييق على الحريات النقابية إلى المقرات مستقبلا لتمنع الاجتماعات والتظاهرات ويحظر الدخول إليها أو حتى الاقتراب منها!!؟
إذن، لقد آن الأوان لانتزاع حرية نقابية حقيقية والتصدي لمشروع قانون منع الإضراب، المشروع التكبيلي والتجريمي للحق في الإضراب، وتكثيف الجهود من أجل إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي من خلال تنظيم حملات وطنية واسعة النطاق وتوقيف كل أشكال "السلم الاجتماعي" الذي أثبتت التجربة أنه خدعة أضاعت الوقت والعديد من المكتسبات والحقوق. لقد أضحت النقابات تقف في صفوف الدفاع بدل الهجوم حيث أصبحت تناضل من أجل حقها في الممارسة النقابية وحقها في ممارسة الإضراب عوض انتزاع حقوق جديدة تمكنها من تمثين تواجدها وتوسيع قاعدتها الانخراطية وتعزيز قوتها الاقتراحية والتفاوضية والنضالية واسترجاع ثقة العمال فيها.
كما يعتبر تكريس الديمقراطية الداخلية بالنسبة للنقابة والعمل على التشاور وعدم الاتفراد باتخاذ القرار وتجنب السقوط في فخ التقسيم النقابي والخطاب الملغوم والداعي إلى التعددية النقابية، والتي تعني في نهاية المطاف تشتيت الصف العمالي وتفتيت قوة الوحدة النقابية لأن الوحدة النقابية، لسبب بسيط، هي الحل الوحيد والسلاح الفعال ضد الاستغلال والاضطهاد. إن تفعيل التعاون والتضامن بين الأطر النقابية من مختلف التنظيمات وتوحيد جهودها سيكون خطوة جدية وجريئة نحو إزالة الحدود الوهمية والمصطنعة بين النقابيين بفعل تعدد الانتماءات والتصدي للأصوات الداعية إلى التعددية المزيفة والسير نحو تحقيق الوحدة النقابية والعمل بالمقولة التالية " طبقة عاملة واحدة، نقابة واحدة".
لن تتمكن ،إذن، الحركة النقابية بالمغرب من تحقيق أهدافها وترجمة خططها وبرامجها على أرض الواقع ما لم تتصّدَ لهذه الانتهاكات وتنتزع الضمانات والحماية للنقابيين. وليكن عيد العمال العالمي هذا العام انطلاقة فعلية وشاملة لتنظيم حملة واسعة للدفاع على الحريات النقابية وفي مقدمتها الحق في الإضراب وكذا تكثيف الجهود من أجل الضغط لإسقاط وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الفصل المشؤوم والمكبل للمارسة النقابية الحقيقية، وتنظيم حملات التضامن مع كل النقابيين المفصولين من أجل إرجاعهم إلى عملهم بكامل حقوقهم والوقوف بجانب النقابيين المتابعين قضائيا من أجل الحصول على براءتهم وضمان استمرارهم في مناصبهم المهنية. كل هذا وغيره لمن شأنه أن يرفع رأس النقابة العمالية عاليا ويجعلها تلك المؤسسة الدستورية التي يحسب لها ألف حساب ويفتخر العامل البسيط للانتماء إليها والانخراط في صفوفها.
كما يعتبر دور الطبقة العاملة مهما وأساسيا في إحداث دينامية جديدة من خلال الانخراط الجماعي والمكثف في النقابة والعمل على ترسيخ الديمقراطية وتجديرها ومحاربة مرتزقي وسماسرة العمل النقابي بالتشبت بالديمقراطية الداخلية واعتماد الحوار والتشاور واتخاذ القرارات بشكل جماعي. إن بناء حركة نقابية قوية وحقيقية رهين بتوحيد جهود كل مناضلات ومناضلي اليسار النقابي من أجل العمل على دمقرطة ومأسسة العمل النقابي وإخراجه من الوضع المتأزم المتسم بالوهن والتشتت والانقسام ليصبح قادرا على مواجهة مختلف التحديات الدولية والمحلية وأن يكون في مستوى انتظارات وطموحات الطبقة العاملة. كم أنا من المهام المطروحة أمام اليسار النقابي صياغة برنامجه النقابي البديل محددا أهدافه الاستراتيجية والمرحلية بعيدا عن الحسابات الحزبوية والسياسوية بتشاور مع جميع الأطراف اليسارية النقابية مع دمج وإقحام المعطلين والشباب والطلبة من أجل تقوية العمل الجبهوي الجماهيري وتجدير العمل النقابي داخل جميع شرائح المجتمع.