تالسينت تنتفض من أجل حقها في الماء


محمد بلغيت
2018 / 10 / 20 - 04:01     

تالسينت هي إحدى مدن الجنوب الشرقي التي تقع بأفقر أقاليم المغرب ، اقليم فكيك ، حسب دراسة أعدتها المندوبية السامية للتخطيط مطلع أكتوبر من السنة الماضية ، وهي دراسة مستلهمة ككل الدراسات غير البريئة من المقاربة المعتمدة من طرف إحدى المؤسسات المالية الدولية ، والتي ركزت في منهجية إعدادها واليات تحليلها على أبعاد متعددة مرتبطة أساسا بظروف المعيشة والصحة والتعليم ، إذ بالرغم من عدم قدرتها على الملامسة الدقيقة لواقع الحال ، إلا أنها تبقى على الأقل اعترافا رسميا بمدى كارثية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي ترزح تحت نيرها ساكنة هذا الاقليم .
هكذا صار الفعل الاحتجاجي بتالسينت فعلا موضوعيا له ما يبرره على أرض الواقع بالنظر لحجم الإرث الثقيل من التهميش والاستبعاد الاجتماعي الذي راكمته ولازم المطقة منذ عقود.

تالسينت : إرث وزخم احتجاجي متواصل ، واستعداد نضالي متقد .
بالعودة لتاريخ البلدة النضالي يمكن الوقوف بداية عند ما يعرف لدى ساكنة المنطقة بانتفاضة أكتوبر لسنة 2005، والتي عرفت أنذاك احتجاجات شعبية عارمة لأجل المطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير الشغل ، وهي المسيرات التي جوبهت بإنزال أمني رهيب وتدخل قمعي غير مسبوق ووعود مقدمة خلال جلسات حوار لم ترق لتطلعات وطموحات الساكنة ، ليبقى الوضع على حاله .
ومع موجة ما يعرف باحتجاجات " الربيع العربي " التي لا يمكن فهم مجرياتها بدون تأمل لما يسمى عمليات الفوضى المنظمة من طرف الامبرياليات الكبرى بهدف تفكيك المنطقة من أجل مزيد من الاستغلال ونهب الثروات ، خاصة في ظل وضع أمني واقتصادي جد متدهور تعيشه كل شعوب المنطقة بنسب متفاوتة ، عرفت تالسينت كباقي المناطق احتجاجات شعبية لأجل ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية .
إلا أن الاحتجاج أخد منحى تصاعديا مع مطلع سنة 2014، إذ شهدت المدينة تحركات احتجاجية ومسيرات شعبية حاشدة ، وذلك للمطالبة بمعالجة مختلف الاختلالات التي عرفتها أنذاك مخططات التهيئة والتعجيل بإنجاز كافة المشاريع المبرمجة خاصة مشروع المستشفى متعدد التخصصات الذي لم تنته أشغاله لحدود الساعة ، نظرا لما تعرفه الشبكة الاستشفائية بالمنطقة من خصاص مهول على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات والموارد الطبية ، حيث تتوفر على مركز صحي وحيد بمعدات طبية وتجهيزات جد هزيلة / مرتبطة أساسا بخدمات الطب العام ، وهو ما ينعكس سلبا على صحة المواطنين ، ويعمق من معاناتهم وإقصائهم ... خاصة مع شساعة المنطقة التي تضم 3 جماعات ( 11000 كلم مربع) ، وارتفاع عدد ساكنتها( 37644 نسمة حسب احصائيات 2014 ) وظروفها الجغرافية الصعبة ، بالإضافة لحالة الفقر المدقع المخيمة على أسرها .

عودة الاحتجاجات من أجل الحق في الماء
اليوم تعود ساكنة المنطقة لخيار الإحتجاج لأجل حق كوني يخجل إنسان القرن 21 من المطالبة به ، إذ منذ أشهر وهي تعيش أزمة حادة في التزود بالماء الشروب ، حيث عرفت طيلة هذه الفترة ولا زالت انقطاعات متكررة للماء بأحياء ، وغياب شبه تام له بأحياء أخرى ما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة ، الأمر الذي خلف استياء وتذمرا شديدين لدى الساكنة ، قابله مسؤولو ومنتخبو المنطقة بصمت رهيب غير مفهوم وغياب أي توضيح للرأي العام المحلي .
ساكنة تالسينت قبل لجوئها إلى خيار الإحتجاج لأجل مطلبها العادل والمشروع الذي هو في الأصل حق كوني ، قامت بكل التدابير الممكنة ، إذ أحاطت علما كل الجهات المعنية بحجم المشكل ودقت ناقوس الخطر وطالبت بضرورة التدخل العاجل ، دون أن يفضي ذلك إلى بذلهم الحد الأدنى من الإهتمام الواجب لتلبية الحق في الماء .
لاحقا وبعد استنفاذ كل سبل التظلم على المستوى المحلي ، اضطرت الساكنة للخروج في وقفات احتجاجية إنذارية مصحوبة بمسيرات شعبية لفرض الإستجابة لمطالبها العادلة والمشروعة ، وهي الأشكال الاحتجاجية التي جوبهت في بداية الأمر بلغة الترهيب والتخويف لغة الاستدعاءات والمتابعات لمجموعة من النشطاء ، غير أنه وأمام إلحاح الساكنة على المضي قدما في معاركها النضالية إلى غاية فرض الإستجابة لمطلبها المشروع ، اضطر المسؤولون في إطار جلسة حوار بحضور كل المعنيين ، إلى تقديم وعود بإجراءات ملموسة لحل المشكل في غضون شهر ونصف ، وهي الخلاصات التي تفاعلت معها الساكنة ونشطاؤها بالدعوة إلى مقاطعة أداء فواتير الماء إلى حين تنزيل الوعود المقدمة .

الإحتجاجات الشعبية بتالسينت جرس إنذار أخر
إن معركة ساكنة تالسينت من أجل الحق في الماء هي معركة شعبية أخرى تنضاف إلى باقي الإحتجاجات الشعبية عبر ربوع الوطن لتؤكد على مدى الاحتقان والغضب الشعبي المتزايد من السياسات الحكومية اللاشعبية في ظل عدم توفير الحاجات والبنيات الأساسية للمواطنين ، لتنضاف أزمة الماء والحق في الماء الصالح للشرب إلى باقي الأزمات التي تعيشها الجماهير الشعبية وإلى باقي الانتهاكات التي تتعرض لها الحقوق الانسانية الكونية المكفولة للمواطنين .
إنها صرخة أخرى من الصرخات الاجتماعية التي تستدعي تدخلا حكوميا عاجلا للتجاوب الايجابي مع المطالب الشعبية بالمنطقة ورفع كل أشكال التهميش والاقصاء التي تعيشها ، وضمان حق المواطنين بها في العيشبكرامة .
إنه جرس إنذار أخر لضرورة إعادة النظر في كل السياسات اللاجتماعية التي عمقت الخصاصات الاجتماعية على كافة المستويات وحرمت المواطنين من أبسط الحقوق .