سوسيولوجية الجماهير و الحراك الشعبي في الأُردُن


بلال الذنيبات
2018 / 6 / 6 - 14:02     


بلال الذنيبات
يرىّ المُتابع للأحداث التي جرت في الأردن مؤخراً من حراكاتٍ شعبية طالبت بسحبِ مشروع قانون ضريبة الدخل من البُرلمان و رحيّلِ حكومة الدكتور هاني المُلقي ، أنّ الناس في الأردن لا يندفعون للإحتجاج بدافع نتيجة القراءات المُعمقة لمشروع القانون و دون وجود "نُخبة" تملك بدائل إجرائية عن المطروح حكومياً.
و هذه الحالةُ للأسف تتواجد في المنطقة العربية بالعموم و بلا إستثناء ، فالعفوية لا النخبوية تتحكم بحراكات الشارع مما يجعله هشاً أمام ما يُبث من الإعلام السطحي آحيانا و الذي غالباً ما يطرح القضية من دون عُمقها و بشكلٍ غايةً في السطحية.
فمثلاً لو خرجنا إلى الشارع و سألنا آولئك المُحتجين عن أبرز محاور مشروع القانون تجدهم لا يعلمون تلك المحاور في حين يمثل المشروع أهميةً للأردن لضبط التهرب الضريبي و تحسين آليات التحصيل إلا أن رفع الضريبة سيؤدي وفقاً للقاعدة الإقتصادية ( إرتفاع الكلف يُقلص الإيرادات) إلى تراجعٍ في إيرادات الخزينة و هذا ما ينعكس على تهديد وضع العُملة الوطنية و التي تراجعت في السوق المحلي فقيمة الدينار الشرائية في السوق إنخفضت بقيمة النصف بالنسبة لمادة إستهلاكية كالخُبز بعد رفع الدعم الحكومي عنه.
و عودةً على موضوعنا فإنه ما يبعث على المسرة و السعادة أن نرى "إحتواءاً" حكومياً للإحتجاجات قلَّ نظيره عربياً مما يدعم حرية التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية في المجتمع الاردني و ما أجمل أن نرى إبن المؤسسة الأمنية يتناول السحور على "الدوار الرابع" مع المُحتجين.
و لكن الأجمل آلا تكون الحراكات الشعبية كمن قال في مظاهرة ضد وعد بلفور "فليسقط واحد من فوق" ، و ما يدعوا للأسف أنه حتى الإعلام و الصحافة التي من المُفترض أن تقوم بتنوير الناس حول مشروع القانون إلا أن الحاصل هو تناول المشروع بسطحية و بهوىً فذالك الذي يوظف منبره لتسويق نفسه ليكونَ وزيراً و ذالك لكسب خطب الشارع و الإبتعاد عن "وجعة الراس" فالتفكير السطحي لدى الجماهير ينعكس على الإعلام.
و في حين لم تصدر إرادة ملكية بتكليفِ أحدٍ لتشكيل الوزارة المُقبلة بعد حتّى الآن إلا أن الذي جرى أن فضائيات محلية وازنة في الساحة الوطنية وقعت ربما ضحية تسويق لشخص أحد الوزراء السابقين في حكومة الملقي المُنحلة و التي هي ذاتها من كلف بتسيير الأعمال الى حين حكومةٍ جديدة للبلاد ، و ذالك بدون مسوغٍ ظاهر إلا أن الشائعات أثرت حتى على الإعلام الدولي فخرجت بعض الفضائيات العربية لتعلن تكليف ذالك الشخص بتشكيل حكومة و هذه أزمة في المجتمع الإعلامي الأردني و هي عدم تنقية الأخبار و فلترتها قبل نشرها و الوقوع في الخطأ نتيجة الضغط الشعبي المتعطش للمعلومة و ضغط مجريات الآمور.
و في ظل ظروفٍ إقتصادية صعبة يمر فيها الاردن نتيجة وصفات "النقد الدولي" البالغة في إمعانها بقوت المواطن و التي لا تهتم بإستقرار البلدان النامية مقابل تنفيذ وصفاتها التي كانت حُجة حكومتي النسور و الملقي على مدى سنواتٍ خمس سابقة لرفع الاسعار و إضعاف القوى الشرائية و الأمر الذي إنعكس سلباً على حركة السوق و الطلب على المواد الغذائية في شهر رمضان المعروف بحجم الحركة فيه في سنواتٍ خلت.
و عند مطالعتي لأحاديث الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجدت نقداً للأحزاب في صفعةٍ للحياة الحزبية الاردنية و التي لا تملك قاعدةً شعبية وازنة و هذا ما قاله الملك عبدالله الثاني للصحفيين أمس ، فطرح تساؤل "ما الذي تقدمه الأحزاب على الساحة؟" يغلبُ الحوار الشعبي حوّل الأحزاب و التي رغم دعوات الملك لإحيائها إلا أن الثقافة السائدة لدى الشّباب تنثر من الحزبية.
و في ظل غياب النُخب و الأحزاب يبقى الشارع مرهوناً لسطحية العقلية الجماهيرية و التي تحركها بوستات مواقع التواصل الاجتماعي من هنا و هناك.
و الأمر الخطير في إعتقادي كمُختصٍ بعلم الإجتماع هو أن تُعرقل الإجراءات الحكومية لضبط مظاهر سلبية متفشية في المجتمع بقوة السوشال ميديا المبالغ فيها في منطقتنا العربية و الاردن على وجه الخصوص.
و كلنا يذكر تعديلات المناهج التي أطاحت بوزير التربية الأسبق الدكتور محمد الذنيبات بداعي علمانية المناهج بالرغم من أن المناهج الاردنية و منذ عقود هي علمانية بمعني أنها علمية لا تنحصر بالدين فقط.
و اليوم يخلط الناس بين قانون ضريبة الدخل ساري المفعول و المشروع المعدل و الاعلام هو السبب الثاني بعد مواقع التواصل الاجتماعي في ذالك من خلال عدم صياغة خطابة بشكل وازن.