علوي شبر


فهد المضحكي
2018 / 2 / 3 - 10:39     

علوي شبر العبار، أحد مناضلي جبهة التحرير الذين عشقوا هذه الأرض الطيبة وأبوا ان يراهنوا على الوطن انتصارًا للوطن لا للطائفية والمذهبية!

كان مكافحًا واعيًا امميًا، وما اروع التضحيات من أجل تحقيق الانسان انسانيته، ومن اجل إلغاء الاستغلال وأشكال القهر كافة.

في زمن الاصفاد وقتل الاماني كان يتفجر حماسًا وطنيًا ماركسيًا.. كان اكثر ارتباطًا وانشغالاً بقضايا الكادحين والتقدم والعدالة الاجتماعية.

يقول المفكر محمود امين العالم: «الانسان في جوهره موقف» ويقول: «الذين يحتفظون بشموخ القامة الانسانية في وجه العواصف والمحن، وينسجون الدفء والطمأنينة والاستمرار المضيء في تاريخ الانسان، بتواضعهم وتفانيهم ونزيفهم الصامت، هؤلاء هم صناع الحياة بحق.. بهم يتحرك التاريخ إلى العدالة والسعادة والمحبة والحرية والسلام».

نعم، في زمن الأصفاد والزنازين الضاجة بعشاق الحرية ومساواة المرأة ومصالح العمال، كان اكثر ما يتمناه شبر وغيره من الوطنيين ان ينتصر الاستقلال الحقيقي للوطن وتنتصر الديمقراطية والمطالب العمالية والنقابية.

في حينها كانت المطالب العمالية وما رافقها من تحركات 1972-1974 تهدف إلى تحسين ظروف العمل والسماح بتشكيل نقابات عمالية، وبحرنة الوظائف وزيادة الاجور وإطلاق سراح المعتقلين من أعضاء اللجنة التأسيسية.

وفي ذلك الوقت كانت التحركات العمالية في تصاعد مستمر، لاسيما بعد الانفتاح السياسي النسبي الذي حققته الحركة الوطنية في أول انتخابات برلمانية، وفي تلك الاجواء الساخنة بالنشاط العمالي والسياسي تشكلت اربع نقابات لم تحظ باعتراف رسمي، بل حظيت بتأييد واسع من العمال والموظفين والمستخدمين. والنقابات الاربع هي نقابة ألبا، والكهرباء، والبناء والمهن الانشائية، والصحة.

في حينها رفعت العرائض إلى البرلمان من أجل الاعتراف بالنقابات وإطلاق حرية التنظيم النقابي.

كان شبر أحد مؤسسي نقابة العاملين في وزارة الصحة التي أعلن تأسيسها في 30 مارس 1974، إذ كانت الهيئة التأسيسية للنقابة مكونة من 21 شخصًا يمثلون مختلف الاقسام، وعند انتخابات هيئة إدارية لها تم انتخاب شبر امينًا للسر.

كانت الرسالة التي وجهتها النقابة إلى العاملين في الوزارة المذكورة تشير إلى الدفاع عن الحقوق المشروعة، وتحقيق ظروف عمل أفضل، وشروط سلامة أفضل، وتحسين الأجور، وتخفيض ساعات العمل.

لقد كان للراحل شبر وحسن العود دور كبير في تأسيس قسم للتفتيش للسلامة والصحة المهنية في وزارة العمل التي انتقل إليها في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وما تلاها من سنوات اسسا فيها جمعية الصحة والسلامة المهنية.

ومن المعروف ان هذا القسم الذي أكد عليه قانون العمل العام 1976 كان من أولى اهتماماته وأهدافه حماية العاملين من الحوادث والاصابات من خلال توفير وتنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية كافة، ونشر الوعي بأهمية الالتزام بقواعد السلامة والصحة المهنية من خلال محاضرات تثقيفية وورش عمل تقام من قبل شبر والعود لطرفي الانتاج، وهو ما أسهم وقتذاك في استقرار بيئة العمل. ثمة جوانب أخرى مضيئة في شخصية الفقيد لسنا في وارد ذكرها، لكن كل ما نعرفه حق معرفة أنه كان يعمل في صمت وحيوية ونشاط. كان يؤمن إيمانًا قويًا بأن العمل النقابي السليم والدؤوب يعزز دور الطبقة العاملة ويعاظم دورها ونضوجها السياسي، ويؤمن ايضًا ان العمل السياسي كلما ابتعد عن الفوضى السياسية والعنف وحرق المراحل كلما امتاز بالعقلانية والنضوج من اجل تحولات جذرية في جميع ميادين الحياة.

حقًا كما عرفناه لم يكن من «أبطال العبارات الطنانة»، ولم يكن مزدوجًا مزايدًا يغلب عليه الغرور كما تفعل نخب سياسية مصابة بداء التضخم والعظمة، بل كان شفافًا واضحًا يعتبر ان التناقض ليس مع الدولة التسلطية فقط، بل مع الدولة الدينية التي تفرض وصايتها على الدولة والمجتمع!

هكذا كان شبر.. وهكذا كانت رؤيته، معتبرًا ان فصل الدين عن السياسة ضرورة للدين والدولة، وان الحوار هو المدخل لكل الاشكاليات، لا الخطب المتطرفة ولا سياسة الترهيب والعصا الغليظة التي تفضي إلى طرق مغلقة!

العزاء لأسرته ورفاق الدرب ومحبيه.