السياسة الاقتصادية النيوليبرالية في العراق والموقف العمالي 3/3


فلاح علوان
2017 / 12 / 16 - 21:02     

خامساً: النضال ضد السياسة النيوليبرالية
تقوم الحكومة باجراء سياسة العديل الهيكلي وكأنها اجراءات اقتصادية عامة لا تستهدف طبقة اجتماعية او فئات بعينها، ولكن النظر عن كثب وتحليل المسألة من منظور الاقتصاد السياسي، يتضح ان التعديل الهيكلي وتطبيق حزمة شروط ووصفات صندوق النقد، هي لتكريس الثروة في قطب وتحويل الجموع الاوسع من المجتمع الى مفقرين.
ان النتائج الاجتماعية المباشرة، كما لا حظنا، تضرب أسس حياة الطبقة الكادحة اي الشغيلة، والذين يعيشون من بيع قوة عملهم، اي لا يعيشون من ثروة موجودة أو عقار أو مصانع أو مصارف وأي مصادر تؤمن الربح. وهنا لا يمكن ان تكون المواجهة مع سياسة التعديل الهيكلي سوى مواجهة جموع الشغيلة المتضررة من السياسة الحكومية، وحين نقول الشغيلة، فان هذا يشمل نضال المدن، أي النساء الذين يقع عليهن عبء العمل الاضافي والمشقات، والطلاب الذين يحرمون من فرص التعليم، والمفقرين الذين يجري حرمانهم من نظم الخدمات العامة والصحة والتعليم والسكن اللائق. اي انها سياسة الهجمة على حياة الكادحين، من تقليل للانفاق الحكومي وتوجيه الثروة العامة الى المستثمرين، اي انها سياسة ممثلي رأس المال.
اذن نحن أزاء نفس الصراع الطبقي وبشكله الكلاسي الصارم والواضح، طبقة تسعى لتكريس الثروة في قطب والتحكم بالدولة والسلطة مقابل أو عن طريق افقارالملايين، الذين يكدحون ولا يؤمنون معيشة يومهم.
ان النضال التقليدي للنقابات هو أساسا الدفاع عن الأجر وتنظيم العمال ضد التنافس الذي يقوي موقع صاحب العمل بوجه العامل، هذا هو الشكل الكلاسي لنضال العمال النقابي في المصانع. ولكن السياسة النيوليبرالية تضرب أسس الحياة في كل مكان وتتسبب في بطالة الملايين، وتفرض العمل المنزلي الجائر على المرأة في العائلات المعدمة والفقيرة.
ان العاطل عن العمل لا يستطيع النضال في المصنع لانه لم يلتحق بأي صناعة أو عمل بعد، وربة البيت لا تستطيع مواجهة الرأسمالي في المصنع أو المعمل، والمعدمين المحرومين من التعليم والصحة والخدمات، لا يمكنهم النضال عن طريق النقابية التقليدية.
نحن امام جمهور مليوني بحاجة الى وسائل نضالية بوجه السياسة النيوليبرالية.

النضال في المدن
المعطلون عن العمل، المرأة المضطهدة المفقرة، الفلاحة التي تعيش ظروف عمل تشبه عمل السخرة أو عمل العبيد، أو عبودية العمل، فقراء المدن، العمالة الهشة أو غير النظامية. كل هذه الفئات لديها مطالبها وحاجاتها، سواء المعبر عنها بالاحتجاج أو المسكوت عنها قهرا بسبب غياب وسائل التعبير.
تشهد بعض المدن اليوم تظاهرات تعلن صراحة رفض الخصخصة في قطاع الكهرباء، اي ان شعار مناهضة الخصخصة قد تم رفعه في المدن بعد ان رفعه العمال في المصانع والشركات المهددة بالهيكلة والتصفية. ويواصل المحتجون ضد الفساد ونقص الخدمات تجمعاتهم هنا وهناك، وينشط المناهضون للتشريعات المطابقة للسياسة الأقتصادية الجديدة بلا توقف في العديد من الاوساط، وتواصل النساء رفض التشريعات التي تمس مكانتها وكرامتها.
لسنا هنا بصدد تقييم فاعلية وقوة هذه الاحتجاجات، ولكن بصدد معرفة السبل التي يمكن من خلالها جمع أو توحيد كل هذه الحركة المطلبية التي تنبع من محرك واحد، هو الوقوف بوجه السياسة الحكومية والتوجه الحكومي الذي يسعى لتكريس السياسة النيوليبرالية وافقار الملايين. وتستهدف حركة الجمهور تأمين معيشتها، أي الوقوف بوجه النهب، كخطوة اولى قبل طرح البدائل الاجتماعية للاجابة على معضلات المجتمع.
ان النضال بوجه السياسات النيوليبرالية لم يتوقف منذ عقود، وفي العديد من مدن العالم، منذ انطلاق احتجاجات سياتل عام 2000 اثر انعقاد قمة السبعة الكبار، ثم اتساع موجة الاحتجاجات في اوربا بوجه سياسة التقشف وتقليص الوظائف ونظم الحماية، وخاصة في اليونان وأسبانيا، والاحتجاجات العمالية المليونية في فرنسا ضد رفع سن التقاعد.
وبأختصار، فان النضال بوجه النيوليبرالية هو نضال عالمي متواصل، ونضال العمال في العراق هو جزء من هذه الحركة.


الخلاصة
ان مشروع الاصلاح الاقتصادي المطروح لا يلبي اي شكل من أشكال التنمية ولا يؤمن تطوير البنى الصناعية والبنى الاساسية للتطور، وان المشروع هو ترجمة لشروط صندوق النقد، وهو لا يعتمد اي معيار يمكن قياس النمو او التطور على اساسه.
ان السياسة الاقتصادية المطروحة من قبل الحكومة وعلى لسان الاقتصاديين الحكوميين هي ترديد حرفي لتجارب فاشلة ومأساوية، جرت في العديد من البلدان التي يوجه اقتصاداتها صندوق النقد والبنك الدولي.
ان الاثار الاجتماعية والكلف الاجتماعية للسياسة المزعومة، لن تكون مختلفة عن المآسي والكوارث الاجتماعية التي تسبب بها التعديل الهيكلي وسياسة الخصخصة في عشرات الدول، وفي حالة العراق، ستضاف مآسي الى مآسي الحروب والخراب التي الم بالبلاد خلال عقد ونصف.
ان نضال المجتمع بوجه السياسة الاقتصادية يتجلى في العديد من التجمعات والتظاهرات ضد قطع الرواتب، ضد هيكلة الشركات، ضد نقص الخدمات، ضد الفساد واخيرا ضد خصخصة الكهرباء وهو ما يجري في العديد من مدن الجنوب.
ورغم ان النضال الاجتماعي بوجه السياسة الاقتصادية الجديدة يجري كمواجهة للاجراءات الحكومية التي تقر السياسات الجديدة، الا ان الحركة العمالية خاصة مطالبة بشرح ابعاد السياسة الاقتصادية كفلسفة للنظام السياسي وليس مجرد مجموعة اجراءات ادارية.
ان النضال الشعبي بوجه السياسة الاقتصادية الحكومية، رغم شموله للعديد من المدن وشموله جموع واسعة نسبيا من الجمهور، الا انه ما زال غير متماسك ولم يبن بعد جبهة موحدة لها برنامجها العمالي بوجه البرنامج البرجوازي للحكومية، ولكن تطور المواقف العمالية واتساع التبليغ بمخاطر السياسة النيوليبرالية هو مؤشر على ان هناك اتجاهاً عماليا راديكاليا بسبيل التطور.
ان الفئات المتضررة من السياسة الجديدة هم جموع الشغيلة، في حين ان المستفيدين هم الرأسماليين، مما يعني انها سياسة طبقية بالاساس تستهدف التراكم الرأسمالي وتكريس الثروة بيد قلة متحكمة مرتبطة بحركة الرأسمال العالمي. ان هذا الواقع لا يقبل حلولا تساومية او تصالحية، ان أساس الحل هو في النضال الطبقي المباشر، وفي كل وجوهه، اي في فضح وكشف المحتوى الطبقي الرأسمالي للسياسة الجديدة، فضح وتعرية التيارات السياسية الموالية والمؤيدة لهذا التوجه، تسليح الشغيلة باطار نظري علمي لمواجهة اوهام الاقتصاديين البرجوازين وخداعهم، وبناء برنامج عمالي للاجابة على معضلة المجتمع الاقتصادية والسياسية، وبكلمة نضال نظري ونضال اقتصادي ونضال سياسي.
............
ان الاحتكارات الرأسمالية هي التي تسير جهاز الدولة والسياسة الحكومية في الدول القائدة للسوق العالمية، مثل أميركا وأوربا الغربية واليابان، في حين ان الامر يختلف في الاقتصاديات المتخلفة عن مستوى تطور السوق العالمية حيث ان السياسة الحكومية الخاضعة للرأسمال العالمي هي من يسير الاقتصاد ويتحكم به. وهنا تخضع الحياة الاقتصادية في البلدان التابعة او الخاضعة الى الحكومة الخاضعة والمشاركة في مصالح الرأسمال العالمي. وهنا تكون متطلبات الحياة رهنا باليات التراكم الرأسمالي العالمي، ويجري فرض اقسى وأشد اشكال التقشف والحرمان بعد نهب ثروات المجتمع، لغرض تأمين رؤوس اموال لمستثمرين مرتبطين بالسوق العالمية، كما جاء في تقرير البنك الدولي للحكومة العراقية وهو يستحثها على التعجيل بالتعديل الهيكل.
ان السوق الداخلية بالمعنى القديم التاريخي، لم تتشكل في الدول التابعة ومنها العراق، لذا قامت الدولة بدور ربط القطاعات وتجميع الفروع الصناعية المبعثرة ومركزة السوق الداخلية.
ان آليات السوق في البلدان التابعة لم تستطع ان تخلق السوق الداخلية، لان المدخلات من مواد خام ومواد زراعية تتوجه الى الاسواق العالمية، في حين تستقبل اسواق الدول التابعة منتجات مصنعة. ومع تطور الاحتكارات العالمية وبلوغها مستويات تتحكم معها بالسوق العالمية بقوة، ستصبح آليات السوق في البلدان التابعة غير فعالة قطعا امام جبروت الاحتكارات العالمية التي تعمل عبر سلاسل التوريد. وسيكون التنظير لجدوى اقتصاد السوق في بلد مثل العراق وفي وضعه التكنولوجي والصناعي الحالي هو ليس مجرد مغالطة وسوء فهم، بل سياسة مغلوطة وكارثية كذلك.
لا يمكن تحقيق صناعة او نمو صناعي دون التعامل مع السوق العالمية المتطورة وحيث ما بلغت من مستوى، وعليه لا يمكن القيام بالانتاج والتداول خارج مستوى الاقتصاد العالمي، وهنا لا يمكن القيام بالتنافس في السوق العالمية الا عبر وسيلتين، اما تكنولوجيا متقدمة جدا، واحتكار اسواق عالمية او فتح منافذ جديدة بالتنافس مع الاحتكارات العالمية، او التنافس عن طريق العمل الرخيص، اي عن طريق كثافة العمل مقابل رأس المال وهو ما يحصل في دول جنوب شرق اسيا وخاصة بنكلاديش والفلبين والنيبال، اي الاقتصار على تأمين العمل الرخيص للشركات العالمية القابضة والماركات التي تحتكر السوق. في الحالين ليس ثمة اي مؤشر على نمط اقتصادي يجيب على متطلبات المجتمع في العراق.
وحيث ان الاقتصاديين اصحاب المقترحات والمشاريع ليس لديهم اي دراسة علمية واي دليل على نموذج قابل للحياة، فأن حقيقة الامر اننا امام مخطط خطير سيودي بالمجتمع ويؤمن نقل الثروة الى المصارف العالمية ودك كل اسس النمو الفعلي في العراق.
ان السياسة الاقتصادية الجديدة في العراق هي سياسة الازمة، وحيث انها لا تقدم اي حل، فانها ستفاقم الازمة المتفاقمة اصلا، وستزيد معدلات الفقر والامية والجريمة والتلوث والتراجع الزراعي والبنية التحتية، ولن يكون امام المجتمع سوى النضال بوجه هذه السياسة.
ان نقد هذه السياسة هو جزء من النضال العمالي الطبقي، وهو ليس دفاعا عن مصالح العمال والموظفين فقط، انه دفاع عن المجتمع بكاملة بوجه هذه الهجمة.
ان الخطوة الاولى هي تعرية ونقد السياسة الاقتصادية الجديدة، رغم ان المجتمع الذي يمر بأزمة فعلية، لن يكتفي بنقد السياسة المفروضة، بل يطالب بالبديل عن هذه السياسة. ان مسألة البديل هي مطلب، ولكن الشروع بها يتطلب اولا احباط السياسة الحالية وفضح محتواها الطبقي والاجتماعي. وحيث ان هذا النقد يأتي عن طريق ممثلي الطبقة العاملة، فأنه في الحقيقة مشاركة الطبقة العاملة في رسم السياسة وفي تقرير مصيرها ومصير المجتمع. ان هذه المشاركة في السياسة يجب ان تعطي العمال الثقة بممثليهم والانخراط في الحركة كجموع تبحث عن حل لمعضلة المجتمع وعن مستقبل يشارك العمال في رسم سياسته وافاقه.



المصادر
1- الدولة والتراكم الرأسمالي في العراق 1968- 1978 د. عصام الخفاجي. دار المستقل العربي. القاهرة. الطبقة الاولى. 1983.
2- التبعية الاقتصادية. مأزق الاستدانة في العالم الثالث في المنظار التاريخي. جورج قرم .دار الطليعة. بيروت. الطبعة الثانية 1982.
3- نماذج القطاع العام في الاقتصاديات المتخلفة. موازنة بين النموذج الهندي والياباني. اجناسى ساكس. ترجمة سمير عفيفي. مراجعة د.رفعت المحجوب. الهيأة المصرية العامة للتأليف والنشر. القاهرة 1970.
4- التراكم على الصعيد العالمي. نقد نظرية التخلف. سمير امين. ترجمة حسن قبيسي. دار ابن خلدون. بيروت. لبنان.
5- الليرالية المتوحشة. الدكتور رمزي زكي. الهيأة المصرية العامة للكتاب. 2007.
6- تقرير الخبراء حول مشاورات المادة الرابعة لعام 2013. صندوق النقد الدولي. ابريل 2013.
7- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. آثار سياسات التكيف الهيكلي على التمتع الكامل بحقوق الإنسان. تقرير مقدم من الخبير المستقل السيد فانتو شيرو وفقاً لمقرري اللجنة 1998/102 و1997/103. المجلس الاقتصادي والاجتماعي . الامم المتحدة.
8- منار محمد الرشواني. الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لسياسة التعديل الهيكلي الدولية. http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-86-1840.htm
9- * نادر فرجاني " آثار إعادة الهيكلة الرأسمالية على البشر في البلدان العربية". مجلة التنمية و السياسات الإقتصادية – إصدار م.ع.ت. المجلد 1- العدد 1- ديسمبر 19987 –
10- د. يوسف محمد الصواني. إفريقيا و العولمة : الآثار ، التحديات والاستجابة * ورقة قدمت إلى المؤتمر السنوي الأول لبرنامج الدراسات المصرية الإفريقية حول " إفريقيا والعولمة " كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة 12-14 فبراير 2002 .
11- بنغلادش كنموذج للنيوليبرالية تأليف: آنو محمد ترجمة: فؤاد ريان الحوار المتمدن-العدد: 5320 - 2016 / 10 / 21 - 09:44

1- Economic Consequences of Conflict: The Rise of Iraq s InformalEconomy
Journal of Economic Issues Dec 2006 40, 4 ABI/INFORMGlobal
2- Iraq: Letter of Intent, Memorandum of Economic and Financial
Policies, and Technical Memorandum of Understanding. December 15, 2016