هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمينية، ولا يسارية؟.....9


محمد الحنفي
2017 / 10 / 6 - 21:55     

النقابة إطار لجعل المستهدفين بها يمتلكون وعيهم:

إن دور النقابة المناضلة، ليس هو تنظيم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتصنيف المطالب، وقيادة النضال، أو التفاوض من أجل تلك المطالب، التي قد تقتصر فقط على البعد الاقتصادي، دون بقية الأبعاد الأخرى؛ بل إن واجب النقابة، أن تعتبر جميع الأبعاد في عملية التصنيف تلك، سعيا إلى تحقيق مفهوم الشمولية، في طرح المطالب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من منطلق أن الرؤيا الشمولية في طرح المطالب، هي التي يتحقق فيها الربط الجدلي، بين النضال النقابي، والنضال السياسي، بالإضافة إلى اعتبار المطالب في شموليتها، منطلقا لجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يهتمون بواقعهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق الوعي به، ليصير، كذلك، منطلقا للوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا من العروض، والندوات، حول مضامين المطالب، في شموليتها، وحول أوضاع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وحول الأوضاع العامة، في مجملها، وحول علاقة تلك الأوضاع، بمعاناة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وحول الاستغلال الممارس في المجتمع، والجهات الممارسة له، وعلاقة تلك الجهات بالرأسمال المحلي، والوطني، والعالمي، وحول الأدوات التي يعتمدها المستغلون، لتعميق الاستغلال، إلى درجة الهمجية، في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مضاعفة أرباح المستغلين، وقهر، وتجويع الكادحين، الذين يحرمون من كافة الحقوق الشغلية، والإنسانية.

وإذا كان، لا بد من قيام النقابة بالأداء لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن عليها أن تعمل، وبكل الوسائل الممكنة، والمتوفرة لديها، على جعل مستوى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في ارتفاع مستمر، ومتواصل، تجاه الأوضاع العامة، والخاصة، في أفق الوعي بالذات، الذي يعتبر شرطا لإعلان العمال، وحلفائهم، الانخراط، ليس في النضال المطلبي فقط، بل في النضال السياسي العام، من خلال الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي يعتبر وحده مدخلا لانتقال الوعي، بالواقع العام، إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. هذا الوعي الذي يتحدد بموجب معرفة من يستغل، ومن يمارس عليه الاستغلال، في أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تحديد موقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في عملية الاستغلال الممارس عليهم، وماذا يحقق المستغلون من أرباح، بسبب استفرادهم بفائض القيمة، في عملية الإنتاج، وما يناله العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من وراء عملية الإنتاج، وكيف يزداد المستغلون ثراء، ويبقى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين فقراء، في أفق الوعي بالذات، وبالدور النضالي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عندما يتم إنضاج شروطه، التي من ضمنها وعي العمال، وحلفائهم، بدورهم، وبتفاحش أمر الاستغلال الرأسمالي، وتعبئة الشعب ضد الاستغلال، المتعاظم، وضد الرأسمال المعولم، والمتوحش، في أفق فرض اعتماد التوزيع العادل للثروة، على أساس العدالة بين جميع أفراد الشعب، مع ضمان الحرية للجميع، وفي إطار نظام سياسي منبثق عن إرادة الشعب، وبمساهمة قواه الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية.

وإذا كانت النقابة، والعمل النقابي، لا يؤديان إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون الوعي بواقعهم، وبالواقع العام، وبذاتهم، فإنها لا تكون نقابة مبدئية، ولا محترمة للمبادئ. وهو ما يقتضي من الأوفياء المخلصين من الشعب، التصدي لكل الانحرافات النقابية، سواء كانت بيروقراطية، أو تابعة لحزب معين، أو تابعة للدولة، أو حزبية، أو مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتنظيمية. وهذا الفضح يجب أن يستهدف فرض التخفيف من حدة الاستغلال، من جهة، والعمل من أجل وضع حد له على المدى البعيد، في إطار رفع حدة الصراع ضد النقابات التحريفية، التي لا تخدم إلا مصالح نخبها، في أفق النضال من أجل نقابة ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، مستقلة، ووحدوية، لا وجود فيها لأي شكل من أشكال الممارسة البيروقراطية، أو اليمينية، أو النخبوية، أو التبعية لحزب معين، أو للدولة، أو الحزبية، أو الإطار للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

فالنقابة المبدئية، التي تحترم فيها المبادئ النقابية، التي يقودها مناضلون أوفياء، بإرادة قواعد تلك النقابة، التي تخلص في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ورفع مستوى وعيهم.

والنقابة عندما تخلص في خدمة مستهدفيها، وعندما تنتج عملا نقابيا جادا، ومسؤولا، وهادفا، وعندما تحترم مبادئها، وعندما تسعى إلى تحرير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الوعي المقلوب، أو الوعي السلبي، فإنها، بذلك، تفسح المجال أمامهم، من أجل الحفاظ على هوية النقابة، وعلى هوية الأهداف النقابية، وعلى هوية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في التمسك بالنقابة، وبالعمل النقابي، وامتلاك الوعي النقابي، المؤدي، بالضرورة، إلى الوعي بالذات، في أفق امتلاك الوعي الطبقي، الذي يعتبر ضروريا، بالنسبة للمستهدفين بالنقابة، وبالعمل النقابي.

ومعلوم، أن امتلاك الوعي النقابي، يعتبر شرطا للوعي بالأوضاع العامة، والخاصة، فإنه، كذلك، يعتبر شرطا للوعي بالذات، كطبقة من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تعتبر نفسها نقيضا لكل المستغلين، أنى كان لونهم، ما داموا يمارسون الاستغلال الهمجي، انطلاقا من موقعهم في الإنتاج، والتحكم في حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أي أن من واجب النقابة المناضلة، أن تعد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن يدركوا انهم يمارسون الصراع، في مستواه النقابي، في افق ممارسة الصراع، في مستواه السياسي، حتى يدرك المستهدفون، أن من مصلحتهم الحرص على مقاومة كافة أشكال التحريف، المعتمدة في كل النقابات التحريفية، اللا مبدئية، التي تدوس المبادئ النقابية، ولا تكون إلا في خدمة مصالح النخبة النقابية، التي تضع نفسها في خدمة أرباب العمل، وكل مسؤولي الأجهزة الإدارية للدولة، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، مع الظهور أمام الرأي العام، على خلاف ما عليه الواقع.

ونحن عندما نطرح اعتبار النقابة المبدئية، والمبادئية، مصدرا لوعي العمال، في مستوياته المختلفة، بالنسبة للمستهدفين، على خلاف النقابة، اللا مبدئية، واللا مبادئية، التي تمارس على مستهدفيها ،كافة أشكال التضليل، خدمة لمصالح النخبة، التي ليس من مصلحتها أن يمتلك العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين وعيهم، في مستوياته المختلفة، وخدمة لمصالح المستغلين، ومن يدور في فلكهم، وخدمة لمصالح المسؤولين عن أجهزة الدولة، في مستوياتهم المختلفة.

ولذلك، فالتمييز بين النقابة اللا مبدئية، والنقابة المبدئية، والمبادئية، صار ضروريا في وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لتجنب هدر الوقت، فيما لا يفيد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وللحرص على استغلال الوقت في الانتماء إلى النقابة، وممارسة العمل النقابي، حتى يمتلك المستهدفون وعيهم، في الاتجاهات المختلفة، وسعيا إلى الارتقاء بالمستهدفين، إلى مستوى القدرة على قيادة النقابة، وعلى تفعيل العمل النقابي، وإلى مستوى خوض الصراع الطبقي، في مستوياته الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية.

والمستهدفون، عندما يدركون أهمية امتلاك وعيهم بأوضاعهم الخاصة، وبالأوضاع العامة، في افق امتلاك الوعي الطبقي، يتحولون إلى طاقة خلاقة، قادرة على الإبداع في الفعل النقابي، وفي المجال السياسي، ومتمكنة من القدرة على إحداث تحول عميق، في الممارسة النقابية، وقادرة على دحض النخبة النقابية المسترزقة من النقابة، ومن العمل النقابي، والهادفة إلى تحرير النقابة من سيطرة النخبة، وصولا إلى جعل النقابة، والعمل النقابي، في مستوى طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. أما عندما لا يدركون أهمية امتلاك الوعي، في مستوياته المختلفة، فإن الباع الطويل للنخبة النقابية، سيزداد تمددا، وإحكام السيطرة على النقابة، سيزداد شراسة، وممارسة التضليل على المستهدفين، سيزداد عمقا. وهو ما يؤخر النهوض بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ويعطل إمكانية قيام صراع طبقي حقيقي.

ولا شك أن إدراك العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ووعيهم، بأنهم هم الأساس في العملية الإنتاجية، لا بد أن يؤهلهم للقيام بدور تاريخي معين، لصالح الشعب، ولصالح الإنسانية، وهذا الدور يكمن في خوض الصراع النقابي، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق فرض تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية من جهة، وفي أفق قيادة عملية التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لصالح الشعب، ولصالح كادحيه بصفة خاصة، من جهة أخرى.

والوعي بالذات، هو جوهر وجود العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يحركون العملية الإنتاجية برمتها، من بدايتها، إلى نهايتها. وهو ما يترتب عنه هذا التقدم، والتطور الذي يعرفه المجتمع، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. إلا أن هذا التحول في وعي العمال، وحلفائهم، لا يمكن أن يوتي أكله، إلا بإنضاج شروط عملية، بالانتقال إلى تحرير الإنسان، والأرض، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بنفس المضامين، وصولا إلى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، باعتبارها دولة للحق، والقانون، ومدبرة لعملية تحقيق الاشتراكية، في المجتمع الذي يصير متحررا، وديمقراطيا، وعادلا.

ومعلوم، أن العمال وحلفاءهم، عندما يتمكن منهم الوعي، الذي يكون في جميع مستوياته، وبالعمق المطلوب، يدركون أهمية الدور التاريخي الموكول إليهم، لقلب ميزان القوى لصالح الشعب بصفة عامة، ولصالح الكادحين بصفة خاصة، والقيام بعملية التغيير المنشودة، كما تناضل من أجلها الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، وكما يطمح إلى ذلك الشعب المغربي، التواق إلى التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، والكرامة الإنسانية.

وفي هذا الإطار، يحضر الدور الطليعي للطبقة العاملة، وحلفائها، كما تحضر أهمية إشاعة الفكر الاشتراكي العلمي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتباره البوصلة الموجهة للعمل، في اتجاه إحداث التغيير المنشود، لصلح الكادحين؛ لأنه بدون تلك البوصلة، لا يدرك العمال، وحلفاؤهم ،أهمية الوعي الطبقي، في إذكاء عملية الصراع، التي تقوم بدور كبير، في عملية التغيير، التي يجب الحرص على أن تكون ديمقراطية، إلا إذا اقتضى الأمر شيئا آخر، في شروط معينة. ونشر عملية الوعي في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من مهمة المثقفين الديمقراطيين، والتقدميين واليساريين، والعماليين، والعلمانيين، الذين على الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، أن تعمل على إعدادهم، وتوجيههم، حتى يقوموا بدورهم، في جعل العمال وحلفائهم يمتلكون وعيهم الطبقي، باعتباره وعيا ديمقراطيا، وتقدميا، ويساريا، وعماليا، وعلمانيا؛ لأنه بدون وجود المثقفين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، الموكول إليهم توعية العمال، وحلفائهم، يبقى العمال فاقدين لوعيهم، ليستمروا ضحايا الاستغلال الرأسمالي، والرأسمالي / الإقطاعي، والإقطاعي، بدون معرفة طبيعة الاستغلال الممارس عليهم، في مواقع الإنتاج، والخدمات المختلفة. وهذا النوع من المثقفين، هم الذين سماهم لينين، بالمثقفين الثوريين، وسماهم غرامشي بالمثقفين العضويين.