هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمينية، ولا يسارية؟.....2


محمد الحنفي
2017 / 9 / 10 - 14:31     

وضعية النقابة والعمل النقابي في المغرب:.....1

وانطلاقا من هذا السيل من الأسئلة التي طرحناها، فإننا نجد أننا عندما نتتبع ما يجري في النقابة، أي نقابة، والعمل النقابي، أي عمل نقابي، نقف على أنه تشوبه جملة من الأمراض، منها ما هو ذاتي، يمكن أن نرصده في أي نقابة، ومنها ما هو موضوعي، يمكن الوقوف عليه في الواقع الذي تتحرك فيه النقابة الفاعلة، في المستهدفين بالعمل النقابي.

فالأمراض التي لها علاقة بالذات النقابية، أي ذات نقابية، هي الأمراض التي تتفاعل مع واقع النقابة، في أفق تحجيمها، وتعطيل آليات تطورها، والحيلولة دون جعلها في خدمة المستهدفين بها.

ومن هذه الأمراض نجد:

أولا: تسلط العناصر ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، على القيادات الوطنية، والجهوية، والإقليمية، والمحلية، من أجل تسخير التنظيم، بكافة مفاصله، لتحقيق التطلعات الطبقية، للقيادات البورجوازية الصغرى، التي لا تهتم بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا تسعى لتسخير العمل النقابي للنضال، من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتعمل على توعيتهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، حتى لا يرتقي الوعي بالأوضاع المختلفة، إلى الوعي بالذات، الذي يقود إلى الانتباه إلى ما تمارسه القيادات، ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى بالنقابة، وبالعمل النقابي، وتعمل على إزاحتها من القيادات النقابية، حتى لا تستمر في تسخير النقابة، والعمل النقابي، فيما يؤدي إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية.

ثانيا: استغلال الاشتغال على المشاكل النقابية، في أي قطاع، من أجل ممارسة الارتشاء، بشكل مستمر، مما يؤدي إلى خدمة المصالح الطبقية، للقياديين النقابيين، المرتشين من الأفراد، الذين يعانون من المشاكل الخاصة، التي تشغل بال أصحابها، كما يؤدي بالضرورة، إلى إفساد النقابة، والعمل النقابي. وهو ما يترتب عنه اعتبار تحمل المسؤولية النقابية، بمثابة امتياز ريعي، يتمسك به المعني بالتواجد على رأس المسؤولية، حتى لا تفوته فرصة الاشتغال على المشاكل الخاصة، التي تساعد على تحقيق التطلعات الطبقية.

ثالثا: استغلال الموارد النقابية، من أجل المصلحة الخاصة، كما هو الشأن بالنسبة للبطاقات، والاشتراكات، التي لا تعرف الأجهزة المسؤولة مصيرها، مما يؤدي إلى عدم الاهتمام بتسلم البطاقات، وعدم دفع الاشتراك، وغير ذلك. وهو ما يؤثر على الممارسة النقابية اليومية، كنتيجة حتمية للممارسة النقابية، التي تقوم فيها القيادة بالتلاعب بالموارد المالية للنقابة، والتهرب من المحاسبة الفردية، والجماعية، ورفض النقد، والنقد الذاتي، وتضليل النقابيين العاملين في النقابة، وممارسة التضليل على الجماهير الشعبية الكادحة، حتى تظهر القيادة النقابية، وكأنها قيادة مثالية، في الوقت الذي تنتج فيه ممارسات، تتناقض تناقضا مطلقا، مع الصورة التي تقدمها عن نفسها إلى الرأي العام.

رابعا: استغلال المسؤوليات النقابية، لنسج علاقات مشبوهة مع المسؤولين في مختلف القطاعات، من أجل التوسط لديهم، أو من أجل الاستفادة منهم، أو من أجل ممارسة الابتزاز عليهم: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، سعيا إلى جعلهم في خدمة تحقيق التطلعات الطبقية للقيادة النقابية، على حساب إهمال مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومهما كانت الشروط الموضوعية، التي يعيشونها، ما دامت القيادة النقابية الناسجة للعلاقات المشبوهة، لا ترى إلا نفسها، ولا تحرص إلا على خدمة مصلحتها الخاصة، والعامة.

خامسا: تقديس ممارستها البيروقراطية، حتى ولو أدى الأمر إلى نفور جميع النقابيين من تلك الممارسة، لتبقى القيادة وحدها في النقابة، ولتشرع مباشرة في إيجاد محيط من العملاء، الذين يتقاسمون معها الكعكة، التي تصير جاهزة للأكل الجماعي مع العملاء، الذين تعمل القيادة على خلقهم، من أصحاب المشاكل الخاصة، الذين لا يلتحقون بالنقابة، كنتيجة للاقتناع بمبادئها، التي ترفع شان النقابة، وكل من ينتمي إليها؛ بل لأن العلاقة التي ربطتهم بالقائد النقابي، تجعلهم يرضخون لإرادته، ويلتزمون بالتبطيق إرضاء له، حتى يكون رهن إشارتهم، وحتى يعمل على حل مشاكلهم المستعصية، في العلاقة مع الإدارة المعنية.

سادسا: عدم الالتزام بالقوانين، والضوابط التنظيمية النقابية، سواء تعلق المر بالأنظمة الأساسية، أو بالأنظمة الداخلية، التي تدبر العلاقات فيما بين الأجهزة النقابية المختلفة، وفي ما بين أعضاء الجهاز التنفيذي الواحد، وفيما بين الجهاز التنفيذي، والجهاز التقريري، وفيما بين النقابة، والمنخرطين، وفيما بين الأجهزة النقابية، واللجن التي يتم تشكيلها، لإنجاز عمل معين؛ لأن القيادات النقابية الممارسة لعملية الانفلات من القوانين، والضوابط التنظيمية، إنما تفعل ذلك، لإعطاء الفرصة لنفسها، من أجل التلاعب بالنقابة، والعمل النقابي، ومن أجل أن تدعي القيام بما لم تقم به، بعيدا عن المحاسبة الفردية، والجماعية، وبعيدا عن ممارسة النقد، والنقد الذاتي، حتى يصير القائد هو النقابة، وتصير النقابة هي القائد. وذلك هو التجسيد الفردي للنقابة، وتلك هي البيروقراطية المتمكنة من النقابة.

سابعا: رهن العمل النقابي المحلي، بتقرير ما هو وطني، فكأن الجهاز المحلي النقابي، لا يتمتع بالاستقلالية النسبية، ولا يلم بالمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعاني منها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وكأن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ليسوا في حاجة إلى قيام النقابة، بإنجاز محطات، وأشكال نضالية معينة، من أجل مماسة الضغط على الجهات، التي تمارس الحيف في حقهم. وهو ما يعني، في عمق الأشياء، أن الأجهزة المحلية، تنتج علاقات مشبوهة مع الجهات التي تمارس الحيف في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مما يجعلها تتعامى عن العمل على إنجاز محطات نضالية معينة، لها علاقة بما هو محلي، ولكن نفس القيادة المحلية، تقيم الدنيا، ولا تقعدها، عندما يتعلق الأمر بإنجاز قرار نضالي، ذي بعد وطني.

ثامنا: تكريس أولوية علاقة القيادة المحلية بالقيادة الوطنية، على نمو علاقة القيادة النقابية المحلية، بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والنضال من أجل تنظيمهم، وتصنيف نضالهم، وتكوين ملفاتهم المطلبية، والدفع بهم، وقيادتهم في اتجاه طرح تلك الملفات المطلبية، على مسؤولي القطاعات المختلفة، والضغط في اتجاه فرض خضوعها للمفاوضات، من أجل الاستجابة إلى المطالب المطروحة، وإنجاز محطات نضالية محلية، في أفق ذلك؛ ولكن القيادات المحلية، التي تتتبع عن كثب، كل ما يجري وطنيا، وكل ما تقوم به النقابة على المستوى الوطني، وتنسج علاقات مشبوهة مع المسؤولين على المستوى المحلي، وتحرر نفسها من العلاقة مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا تتذكرهم، إلا عندما يتعلق الأمر بإنجاز محطة نضالية ذات بعد وطني، وتقدم إلى القيادة الوطنية، تقارير مغلوطة، حتى تنال رضا القيادة الوطنية، فيكون ذلك وسيلة إلى التسلق إلى المسؤوليات الأعلى.

وبذلك، نجد أن تسلط العناصر ذات الطبيعة الانتهازية على القيادة النقابية، في مستوياتها المختلفة، واستغلال الاشتغال على المشاكل النقابية الفردية، لممارسة الارتشاء على المعنيين بها، واستغلال الموارد النقابية، لاستغلال المشاكل الخاصة، واستغلال المسؤوليات النقابية، في مستوياتها المختلفة، لنسج علاقات مشبوهة مع المسؤولين، في مختلف القطاعات، وتقديس الممارسة البيروقراطية للمسؤولين النقابيين، وعدم الالتزام بالقوانين، والضوابط التنظيمية النقابية، ورهن العمل النقابي المحلي، بتقرير ما هو وطني، على حساب ما هو محلي. فتكريس أولوية علاقة القيادة المحلية، بالقيادة الوطنية، على حساب الحرص على العلاقة مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هو ما يطبع الأمراض الشائعة في النقابة، والتي لها علاقة بما هو ذاتي. الأمر الذي يترتب عنه ضرورة قيام النقابة، بمعالجة هذه الأمراض التي تعرقل سيرها العادي، وتحول دون قيامها بنسج علاقات سليمة، مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.