التحديات التي تواجه الحركة العمالية في ظل الثورة المضادة

دينا عمر
2017 / 5 / 13 - 10:13     


منذ مايو 2016 وحتى أبريل الماضي، نظم العمال بمصر 744 احتجاجًا بتركيز أكبر في محافظة القاهرة التي سجلت 20% من إجمالي الاحتجاجات وفقًا لمؤشر الديمقراطية، فيما تم القبض على ومحاكمة 186 عاملًا، وفصل وإيقاف 2691 بسبب الاحتجاج، وهو ما أدى إلى انخفاض عدد الاحتجاجات بنسبة 44% عن العام الماضي.

في المقابل، ومع زيادة نسبة التضخم والارتفاع المذهل للتكاليف المعيشية، فقد أتى مطلب رفع الأجور والمستحقات المالية على رأس المطالب الاحتجاجية، واحتلت احتجاجات العمال العاملين بالمصانع والشركات والفنادق المرتبة الأولى، بينما احتل العاملون بالقطاع الصحي المرتبة الثانية.
لكنه، ومع اتخاذ السلطة إجراءات قمعية وتشدد واضح ضد حق العمال في التعبير عن مطالبهم، إما بالتعرض للفصل الفوري أو الاعتقال التعسفي وتلفيق الاتهامات أو المحاكمات العسكرية، فإن الحركة العمالية، وبعد أن تصدرت بتنظيماتها المستقلة الحركة الاحتجاجية في الأعوام الماضية، تواجه اليوم تحديات كبيرة في ظل قمع عام تمارسه السلطة الحاكمة ضد الحريات السياسية والعامة.

في هذا الإطار، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة، يوم الجمعة 5 مايو، لمناقشة التحديات المطروحة وكيفية مواجهتها، بحضور القيادي العمالي بشركة طنطا للكتان جمال عثمان، وعضو النقابة المستقلة لعمال النقل العام أحمد سوكس، والنقابية والباحثة العمالية فاطمة رمضان.

الاتحاد الرسمي والسلطة.. مصالح وتآمرات
يرى جمال عثمان أن “عيد العمال الحالي من أسوأ أعياد العمال التي مرت علينا في السنين الأخيرة، ففي الوقت الذي يتم فيه محاكمة العمال عسكريًا ومنع احتجاجاتهم المطالبة بزيادة المرتبات عقب زيادة الأسعار، يقوم اتحاد العمال بتأجير قاعة للاحتفال بمبلغ 270 ألف جنيهًا، وعمل درع رمزي هدية للسيسي بتكلفة 28 ألف جنيهًا، في ظل حضور لتمثيل عمالي غير حقيقي ولا يعبر عنهم. في المقابل، شًدد الأمن على أي احتفاليات أخرى أقامها العمال داخل مقرات نقابية مختلفة وتم منعها تمامًا. تأتي تلك الإجراءات وسط سلسلة متصلة من محاربة الحكومة والاتحاد للنقابات المستقلة أو أي تنظيم ذاتي للعمال، رغم صدور عدة أحكام قضائية تأيد حق العمال في تشكيل تنظيماتهم وكياناتهم المستقلة ضمن اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر دون الالتزام بها. وللأسف، تآمرت المصالح الشخصية للقائمين على تلك النقابات مع الاتحاد الرسمي ضد العمال”.

ووفقًا لعثمان فإنه “على إثر ذلك تم تأجيل الانتخابات النقابية لما بعد الانتخابات الرئاسية في دلالة واضحة على ترابط مصالح رؤساء النقابات مع السلطة والاحتفاظ بهم دون أدنى تغيير قد يفتح للعمال مجالًا للتعبير. قانون تنظيم النقابات المهنية المعيب والتابع للاتحاد لم يلق أي رد من مجلس الدولة أو منظمة العمل الدولية، كما قدًم مجلس الدولة 63 ملاحظة حول قانون العمل لعدم دستوريتها. ولا نتعجب أن مَن سعى لتقديم هذا القانون هو محمد سعفان وزير القوى العاملة الذي سعى يومًا ما أن ينشأ نقابة مستقلة بعيدًا عن الاتحاد الرسمي، لكن تغليب مصالحه الشخصية طغى بالمنصب والشهرة.

الواقع يشي بتحول القيادات العمالية إلى مخبرين لدى لواءات تدير النقابات من أبوابها الخلفية، مثلما أكد سوكس، فهذه القيادات الفاسدة احتفلت بعيد العمال داخل مقرات إدارة الاتحاد وليس داخل نقاباتهم وسط العمال، وأصبحوا مسيسين وسكرتارية لمصالح سياسات تحجيم الحركة العمالية. فعمال النقل العام لا يخضعون لقانون الخدمة المدنية، لكنه وعلى الرغم من ذلك، تم الاتفاق بين النقابة المستقلة لعمال النقل العام والقيادة الفاسدة على عدم إعطاء العمال منحة 10%. الاتحاد الفاسد بقياداته التي ارتكبت جرائم في حق متظاهري “موقعة الجمل” مثل الجبالي، يعودون بقوة في تصدر المشهد والاستيلاء على النقابات المستقلة. ومثلما تُدار النقابات العمالية باستمرار الفساد، فمؤسسات الدولة كذلك أيضًا، ليستمر الشعب المصري في معاناته وتحدياته ضد الفساد وغلاء الأسعار.

هل هُزمت الحركة العمالية؟
بحسب فاطمة رمضان، فإن الحركة الاحتجاجية في مصر تشهد الآن لحظة ضعف تاريخية أعجزتها عن مجرد الضغط لوقف تمرير التشريعات الحكومية المناهضة لأهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. لكنه، ومع النظر إلى ما بعد 1952 حيث إعدام العاملان خميس والبقري، لم يكن ذلك الحدث الأكثر سوادًا، فبعده أضرب عمال أحد المصانع بمنطقة إمبابة وقاموا بكهربة الأبواب لمنع أفراد الأمن من الدخول، فاقتحمت الدبابات المصنع وأوقعت قتلى عدة ومصابين في كارثة أكبر من واقعة الإعدام. وأثناء مظاهرات الديمقراطية عام 1954 تلاعبت السلطة بابتزاز النقابيين المعتقلين لاستيعاب الحركة مقابل إطلاق سراحهم وفشلت. فيما عمدت السلطة إلى تأسيس اتحاد العمال في الفترة من 1958 – 1964، وهي فترة الاعتقالات الكثيفة التي طالت كل اليساريين، في حين كل نقابيي الاتحاد كانوا فقط من أعضاء الاتحاد الاشتراكي.

وأكدت فاطمة أن “الأحداث الدموية التي أصابت الحركة العمالية في الحقبة الناصرية تجعلنا ننظر أيضًا بالإيجاب لصعودها مجددًا. فرغم القمع والاعتقال، مارس العمال حقهم في العمل ولو بشكل سري في دعم مرشحين معارضين غير معروفين لدى الأمن لخوض الانتخابات النقابية، واستطاع عمال حلوان التظاهر ضد أحكام الطيران الهزيلة عقب نكسة 1967، حتى تطورت الحركة العمالية بعد 10 سنوات قمع، لتشارك في احتجاجات الشارع من بداية السبعينيات إلى انتفاضة 1977.

وأكدت فاطمة أن الدرس المستفاد تاريخيًا عبر الحراك العمالي، هو البحث عن كل فرصة لاستغلالها في البناء بدلًا من الاستسلام للإحباط. والآن، ومع الاعتقال والفصل التعسفي، فإن التضامن مع الحركة العمالية وخلق جبهات أوسع للتضامن ومنصات بديلة لمنظمات المجتمع المدني ودورها في الدفاع القانوني عن العمال ووسائل إعلامية عمالية مستقلة، هو أمر ضروري لا جدال فيه. فيما رأى عثمان أن سعي العمال لإعادة تنظيم صفوفهم في تحركات جماعية ستخلق ضغطًا على النظام الحاكم كما حدث مع موجة الاحتجاجات العمالية التي انطلقت وأفرزت تنظيمات نقابية مستقلة. ويرى الاشتراكي الثوري هشام فؤاد أن هناك مصالح مباشرة للحركة العمالية للتضامن مع الحركة الاحتجاجية في كسرهما للاستبداد، وهو ما يطرح مهام قائمة في كيفية ربط النضال السياسي والنضال الاجتماعي وسط تحديات مواجهة الانتخابات الرئاسية العام القادم والتي تم على إثرها فرض قانون الطوارئ لإسكات أي صوت معارض في الشارع وداخل المصانع. فتتويج نضال العمال يتم بخلق تنظيمات مستقلة لتغيير سياسي ينحاز لمصالحهم المباشرة.