كيف يجب ان نحتفل بالعيد العالمي للعمّال


محمد نجيب وهيبي
2017 / 5 / 2 - 00:16     

كيف يجب ان نحتفل
بالعيد العالمي للعمّال

منذ ما يقارب المائتي سنة ، وفي مختلف أصقاع المعمورة تمّ إقرار يوم للعمّال يكون عيدهم الخاص يحتفلون به ، وان اختلفت تواريخ الاحتفالات من دولة لأخرى ومن شعب لآخر ، فان رمزيّته الموّحدّة تظلّ ساطعة وهي الاعتراف التاريخي بالوحدة الطبقيّة ووحدة المصالح والهموم لعموم العمّال والكادحين في كلّ مكان .
لقد ارتبط عيد العمّال في تاريخيته باحداث كبرى قدّمت فيها الطبقة العاملة تضحيات جسام في سبيل تحقيق مطامحها وسعيا منها لارساء العدالة الاجتماعية وتحرير نفسها ومن خلفها كلّ المجتمع من نير الاستغلال والاضطهاد والحيف الاجتماعي ، وكان من ابرز عناوينه النضالية تحديد يوم العمل بثماني ساعات وما رافقه من نضال مرير ضدّ سلطة رأس المال وأجهزته القمعية ، التي جابهت نضالات وإضرابات العمال بقمع دموي راح ضحيته العديد من الشهداء من أبناء الطبقة العاملة والطبقات المضطهدة .
ولئن درجت العادة على تشويه رمزيّة اليوم العالمي للعمّال وتحويله الى يوم احتفال سنوي ، تقام فيه المهرجانات الرسميّة ، فنيّة وخطابية ، أو ان تحتكره البيروقراطيّة النقابيّة في تظاهرات محدودة تحشد فيها قواها انتصارا لسياساتها النقابيّة ، وخاصّة في ما يتعلّق بالديكتاتوريات العربيّة التي تعادي ايديولوجيا وسياسيا كلّ الحقوق والحريات العامّة والفرديّة وعلى رأسها حقوق العمّال والأجراء . فان العمّال والأجراء والكادحين من مختلف الشرائح الاجتماعية وممثليهم الطبقيين من احزاب يساريّة واشتراكيّة ديمقراطية ونقابات عمّالية مطالبون اليوم وفي كل مكان باستحضار الرمزيّة التاريخيّة لليوم العالمي للعمّال من اجل توحيد جهودهم وحركتهم وتعبئة صفوفهم للنضال من اجل استكمال المهام التاريخيّة الملقاة على عاتقهم وهي تحقيق العدالة الاجتماعية اينما وكيفما امكنهم ذلك ، وتجميع قواهم من أجل اسقاط سلطة الاستغلال ،الاستبداد والقمع السياسي والاجتماعي والطبقي اينما وكيفما قامت .
ان الرأسمالية في عصر العولمة لم تتغيّر من قوانينها الجوهريّة الشيء الكثير ولم تغيّر من طبيعتها الاستغلالية القائمة على امتصاص عرق العمّال والأجراء و الكادحين لملا خزائن كبار الاراسماليين والاحتكاريين على مستوى العالم ، فلم يطرأ على مؤسساتها وعلى بنيتها غير ظهور البطش والجشع والمتاجرة بهموم الشعوب والطبقات الشعبيّة والدفع نحو تفقيرهم اكثر فاكثر ، بشكل أكثر بشاعة يراوح بين اعداد الانقلابات السياسيّة ، والتدخّل العسكري واثارة الحروب والنعرات الثنيّة والدينّية بين الأمم المختلفة ، وبين التدخّل العسكري الامبريالي السافر كلّما دعت الحاحة لذلك ، ان الرأسماليّة العاولميّة وكلّما اشتدّت ازمتها واستفحلت امراضها ، كلّما توجّهت راسا لتدمير جزء من الطبقة العاملة وشٌق وحدة صفوفها ، وهي كلّ مرّة تحمّل المفقرين الفاتورة غالية جداّ .
ان الرأسمال وحّد جهوده وإمكانياته ، ومؤسساته العابرة للقارات والقوميات والأوطان في مواجهة أزمته يصدرها أينما يريد ويجد الحلول على حساب الطبقات المنتجة للثروة وفي اجزائها الأضعف والأكثر هشاشة ، وهي تلك التي تمتاز بوجود أنظمة حكم ديكتاتوريّة أو ديمقراطيات صوريّة قائمة في جوهرها على التخلّف السياسي والتعصّب الديني والقومي الذي يجعلها طيّعة وقابلة للتوجيه في كل الاتجاهات لإثارة الفتن والنعرات بين الدول ، وهو لهذا يثّبت وجودها ويسندها بكل الإمكانيات يغيّر وجوهها وشخوصها ويديم خصائصها ومنها السعي الحثيث من قبل قوى الامبريالية وعلى رأسها امريكا ووكلائها الخليجيين ، لإجهاض المسار الثوري الذي سارت فيه شعوب المنطقة العربيّة من اجل ارساء ديمقراطياتها الخاصة التي تضمن الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، بهدف تركيز أنظمة حكم عميلة ، قائمة على ديمقراطيّة شكلية – تقف عند صندوق الاقتراع وتزوير الارادة الشعبيّة- تتغلّف بخطاب ديني أو قومي شعبوي ، وترتكز على جهاز امني ثابت وقوي ، تضمن في آن واحد إعادة شعوبها الثائرة والطبقات المظطهدة الى حضيرة الخنوع والاجماع ،وتسحب البساط من تحت الارهاب السياسي الديني الذي اقضى مضجع قوى الرأسمال العالمي بعد انقضاء شهر عسله معها في حربهم المشتركة ضد الاتحاد السوفياتي سابقا – والمعسكر الاشتراكي عموما- .
ان على المنتجين الحقيقيين للثروة وعلى ممثليهم الطليعيين ان يحيوا اليوم العالمي للعمّال عبر إذكاء جذوة النضال الأكثر انضباطا ووحدة وسفورا ضدّ كلّ أشكال الاستغلال والقهر والظلم ، ان تتوحّد نضالاتهم وان تصهر كلّ مجهوداتهم في خط نضالي أممي ضدّ سارقي ثرواتهم وسارقي عرقهم وأحلامهم ،لا من أجل تحسين شروط الاستغلال فحسب بل من أجل اسقاط كل منظومة الاستغلال وتحرير العمال والفلاحين والأجراء والكادحين وسائر بني الانسان من عبودية رأسالمال والملكيّة الخاصة لوسائل الانتاج ، ان على قوى الاشتراكية وعلى قوى اليسار اليوم ان تتعلّم من الشعوب الثائرة ومن الطبقات الشغيلة كيف تراكم التجربة وكيف تثمّن الانتصارات الصغيرة والمحدودة وكيف تربطها ببعضها البعض وتغزلها ببطأ وتؤدة كي تجدل منها حبلا متينا يخرج الإنسانية الى بر الأمان
، إلى شاطئ المجتمع العادل ، لان النضال في سبيل الحريّة والعدالة الاجتماعية طريقه شاقة جدّا وطويلة جدّا .
علينا اليوم ان نعمل وبكلّ جد ووضوح لزرع بذور الثورة ، بذور الاشتراكيّة في كل مكان في كلّ شعب وفي كلّ دولة في كلّ حيّ وفي كلّ قرية ، وبين أضلع كلّ الشباب المؤمن بتحري الانسان ، على الطبقة العاملة أن تجمع حولها عموم الفلاّحين والكادحين والأجراء وان توّحد نضالهم من أجل الحريّة ، من اجل الديمقراطية ، من أجل العدالة الاجتماعية وفي سبيل مشركة وسائل الانتاج لتخليص الانسان من استعبادها له ومن استغلالها له ، علينا اليوم ان نحّول الأوّل من شهر ماي ، عيد العمّال من مهرجان احتفالي الى محطّة نضالية ترفع العمّال الى مرتبة النضال الأولى وتنير لهم الطريق في سبيل نير حريّتهم ، علينا ان نربط النضال العمالي بالنضال السياسي من اجل دفع الديمقراطيّة البرجوازية الى أقصى حدودها الممكنة التي تتجاوز حريّة التعبير ، والتجمّع والتظاهر ...الخ الى اقرار حقّ الاضراب ، وحقّ تعطيل ماكينة الانتاج وصولا الى المطالبة بدسترة حقوق العمّال في توزيع عادل للثروة التي ينتجون .
ان الأوّل من ماي في تونس بالذّات هو همزة الوصل بين حقوق كلّ المظلومين وكلّ المسحوقين في دفاعهم عن الحريّة والديمقراطية على الطبقة العاملة ان تحّوله من مهرجان سياسي برجوازي وبرجوازي صغير الى ملحمة تاريخية عالميّة تلتحق ذكراها بملحمة عمّال واشنطن وكندا وكومونة باريس ...الخ وبملحمة النضال الطبقي التي تخوضها جماهير العمّال والفلاحين عبر التاريخ ،الطويل لمنظومة الاستغلال الرأسماليّة .
،هكذا يجب أن تحتفل الطبقة العاملة ، وهكذا يجي ان يحتفل كلّ المسحوقين ، عبر وحدتهم ونضاليتهم وعبر اقامة جبهة ديمقراطية موسّعة تدفع الديمقراطية البرجوازية الى اقصى حدودها الممكنة التي تمّكن منتجي الثروة المسحوقين من النضال الأكثر سفورا وحريّة ضد اسباب استعبادهم ، وهكذا يجب ان تدعوا اطرهم النقابيّة والسياسيّة للنزول الى شارع الحبيب بورقيبة بتونس ليسللاحتفال فقط ، ولكن لشحذ الهمم دفاعا عن الجمهوريّة الديمقراطيّة ذات الطابع الاجتماعي في نزالها الرمزي ضد الرجعيّة والديكتاتوريّة في شكلها الأكثر تجليا على مرّ العصور ، شكلها المتغلّف بالدين ،ولنوّسع أكثر ما يمكن تحالفاتنا ، قاعدة الأصدقاء التاريخيين ، وهي مهمّة عسيرة بحقّ لانها تضع الثوريين عل خطّ التماس مع من كانو يوما اعداءا للشعوب ، مع اصدقاء راس المال ، مع حرّاس الربح ، ولكن ممن يمكن لهم أن يمّهدوا لنا طريق الديمقراطيّة ، وهؤلاء علينا وفي كل مكان ان نمرّ عبرهم وان نتحالف مع جزء منهم ، علينا ان نعمل معا كما في المصنع ، كما في الحقل ، كما في السوق من اجل ضما تطوّر علاقات الانتاج الاجتماعيّة " علينا ان نتمرّغ في الوحل احيانا في سبيل العبور الى الشواطئ المشرقة"

-----
يا شعوب العالم المظطهدة ويا عمّاله اتّحدوا

---
محّمد نجيب وهيبي