في الاول من ايار في احتفال حزبي*


كاظم الموسوي
2017 / 4 / 28 - 16:18     


في الاول من ايار دخلت السجن الرسمي
وسجلني الضباط الملكيون شيوعيا،
حوكمت – كما يلزم في تلك الايام - وكان
قميصي اسود، ذا ربطة عنق صفراء،
خرجت من القاعة تتبعني صفعات
الحراس، وسخرية الحاكم، لي امراة
اعشقها وكتاب من ورق النخل، قرات
به الاسماء الاولى، شاهدت مراكز توقيف
يملؤها القمل، واخرى يملؤها الرمل
واخرى فارغة الا من وجهي.

" يوم انتهينا الى السجن الذي ما انتهى
وصيت نفسي وقلت المشتهى ما انتهى
يا واصل الاهل خبرهم وقل ما انتهى
الليل بتنا هنا والصبح في بغداد"
. . .
سعدي يوسف
............................
مللت من الروتين اليومي والحياة الرتيبة في المقر، هناك مفارز كثيرة تمر على فصيلنا، وتتحرك باتجاه الداخل والمقرات الاخرى، رغبت فعلا بالنزول معها وزيارة الفصائل واللقاء مع الانصار مباشرة ومعرفة ظروفهم واحوالهم وجها لوجه. اخبرت الرفاق بذلك، وكالعادة لا يقرر احد منهم الا بعد ان تهزه كنخلة في الجبال، حضرت نفسي مع قافلة كبيرة، فيها معدات واسلحة ومواد تموينية وبريد حزبي، فاغتنمت الفرصة وانطلقت معها. الدليل فيها رفيق عربي اعرفه جيدا وكذلك بعض الانصار من حمايتها ايضا. وحين نمر ببعض المقرات، نستقبل بحفاوة ونتبادل كما هو معتاد بالضيافة اللازمة وهموم المكان واوجاع الانتظار او المكوث الطويل. ادرت في بعضها جلسات حوار مفتوح ونقاشا حرا، وسمعت اراءا وملاحظات كثيرة عن طبيعة العمل الانصاري وعن العلاقات الحزبية والانصارية والجبهوية، وتساؤلات غير قليلة عن مستقبل العمل والكفاح في اعالي الجبال وعلى الشريط الحدودي دون توجهات واضحة لما بعد. بعض بيانات المكتب العسكري تتحدث عن عمليات انصارية وقتالية وقتل جنود وغنم اسلحة ومعدات، ولكن بعد تجربة انتفاضة عام 1982 في مدن كردستان القريبة من الحدود وتحررها من اجهزة الدولة تقريبا وسيطرة سكانها وقوات البيشمركة والانصار على ممتلكات المؤسسات الحكومية لم يدم ذلك طويلا، ولم يسعد السكان بما انجزوه، فميزان القوى ليس بصالحهم في كل الاحوال. سجلت معظم ما سمعت وما انتهى اليه السجال وحين عدت بعد اسابيع قدمت رسالة الى المكتب السياسي لخصت فيها "مشاهداتي الصحفية". شكرني عليها ولكن يبدو ان اغلب اعضائه لا يعرف عن مثل ما قمت به، وقد لا يرتاح له، أو يحسبه في افضل الحالات امرا غير مرض او تصرفا فرديا غير حزبي، فهم لا يقراون ما يجري الا عبر محاضر الهيئات الحزبية والرد عليها حزبيا بضرورة التريث والمعالجة المؤقتة وانتظار الفرج. انتهى شهر اذار في تلك الجولة " السياحية لي"، ونسيت ذكر مشاركاتي في احتفالاتنا بعيد الحزب نهاية اذار، حيث كانت اغلب الفصائل تهيء ما يناسب من كلمات وفعاليات، وهيئة التحرير اتمت عددا خاصا من الجريدة وتوزعت بزيارات بين الفصائل والاحزاب والقرى، مناسبة وطنية ولابد من ابرازها بما يليق بها، وانجزناها بكل نجاح وقدرة معروفة عند الشيوعيين في هذه الحالات. وجاءنا نيسان، ومنذ اوله فكرنا بعيد العمال، وضرورة التحضير له مبكرا، والاهتمام به بما يميزنا ويربطنا به والطبقة العاملة والقوى السياسية المجاورة لنا والقريبة منا، وقد يكون وسيلة مشتركة ايضا.
صباح هذا اليوم كان المفروض ان اكون خفرا، ولكني لم اكن مستعدا نفسيا، لذلك، لم احضر الحطب اليابس ولم التق بالاداري لمعرفة العدد والكميات المطلوبة وكيفية تجهيزها، ورغم ذلك وجدت نفسي مسرعا لاداء الواجب، والصراع مع الزمن، فاكثر اعضاء الفصيل لا يقدر كثيرا التباطؤ والتكاسل في اعداد وجبات الطعام، وبشكل كامل دون نواقص في الكميات والاعداد ونظافة المكان والصحون وغيرا من المستلزمات الروتينية العادية لمثل هذا الواجب الدوري لكل الرفاق الموجودين في الفصيل، طبعا القادرين منهم، وغير المصابين بداء النقرس!!.
مساءا شعرت بتعب وخاصة في عيني التي شبعت من الدخان الذي لم يرحمهما ولم يساعدني في سرعة الطهي والانجاز، ولكن مساعدات بعض الرفاق والرفيقات في استكمال الاعمال اليومية للخفر سهل بعض الشيء ووفر الامور بشكل اعتيادي، كما هو كل يوم يمر، وكل خفارة لكل رفيق منا.
في الغرفة كالعادة تدور النقاشات حول الاعمال والبرامج والنشاطات الحزبية والاعلامية وحتى بعض الاخبار عن العمليات العسكرية وما يجري هناك. من بين ما اتفقنا عليه تشكيل لجنة مثل اللجنة التي اعدت لاحتفال عيد الحزب لاحتفالات عيد العمال ومشاركة كل الاطراف السياسية الاخرى المتواجدة بالقرب من مقراتنا ووضع خطوات لتعميمها لكل المواقع والمقرات لابراز الاحتفال بعيد الطبقة الحاملة، كما يلفظها بعض الاخوة من اكراد اربيل، حيث يغيرون الغين الى حاء، دون قصد طبعا.
بعد افطار اليوم التالي اجتمعت اللجنة، وانا عضو فيها، ووضعت مقترحاتها ووضع برنامج حافل، متنوع ومنوع، يشمل احتفالا سياسيا، خطبا سياسية، واحتفالا ثقافيا مصاحبا، قراءات شعرية ومشاهد مسرحية وفرقا فنية غنائية، وباللغتين العربية والكردية، وتحضير موقع الاحتفال وكيفية تزيينه بالشعارات واللافتات المناسبة، ومشاركة الفنانين التشكيليين في معرض لهم مع صور فوتغرافية لشهداء الطبقة العاملة العراقية. واخذت الامور تجري بسرعة بين الفصائل والتشكيلات المتنوعة، ووضع حسابات الاعداد وتكاليفها وتوفير المستلزمات لها ماديا ومعنويا، والعمل بكل الجهود لها من كل الرفاق والفصائل المشتركة في المقر وما جاوره، وهكذا التحركات تتسابق مع الزمن في مثل هذه المهمات.
(قال صاحبي: الاول من ايار في عواصم البلدان الاشتراكية خصوصا عيد اممي ووطني، ومهرجانات كبيرة وضخمة بكل المعاني، والتظاهرات والمسيرات تعمها اضافة الى صور الفرح والابتهاج التي تغطي الوجوه، والشوارع والساحات والمطاعم والبارات وحتى الحدائق والاسواق الكبيرة. فاليوم اضافة الى انه عطلة رسمية لكنه محفز لاعمال اكبر او اخرى لا تختلف عن غيرها بالنسبة للافراد والجماعات، وفي الساحات المركزية للاحتفالات تلتقي بوجوه قيادات الاحزاب والنقابات العمالية وتسمع اناشيدا واغان بروليتارية وامورا كثيرة تتناسب مع اليوم والعيد والاحتفال والعاصمة او المدينة التي تقوم بذلك. في احداها قرات قصيدة الشاعر سعدي يوسف في تلك الايام، عن الاول من ايار في احتفال حزبي وكانت القصيدة اهم ما فيه معنى واهتماما من الحضور بعد حلوى العيد)
* فصل من كتابي "بشت آشان، فصيل الاعلام"، الصادر عن دار خطوات، دمشق، 2007.