كلمة في ذكرى انتفاضة اذار 1991


عادل احمد
2017 / 3 / 12 - 23:08     

تمر هذه الايام الذكرى السنوية لانتفاضة اذار 1991 في العراق. لنعود في هذه الذكرى سنوات الى الوراء، ونلقي نظرة نقدية على الاحداث التي مرت ومقوماتها السياسية والاجتماعية وتداعياتها المأساوية على المجتمع العراقي حتى يومنا هذا. ان احداث تلك الايام تجثم ككابوس على ادمغتنا ولا يمكن ان نتخطاها الا ان نفكر بجدية في ماضينا وان نستخلص الدروس والتجارب من اخطائنا. ان جميع الحركات الاجتماعية تأثرت كثيرا جراء حرب الخليج الثانية او ما سميت بحرب تحرير الكويت. وان احدى اكثر الحركات الاجتماعية التي تضررت هي الحركة العمالية العراقية، والتي تراجعت الى الوراء بأستمرار ولم تستطع الوقوف على اقدامها حتى اليوم. ان النظرة النقدية الى مرحلة تاريخية معينة تطلب دراسة عوامل عديدة، ولكن هنا نستخلص فقط جوهر سياسي معين وهو الوعي السياسي للمجتمع وكيفية الخطوات اللازمة لاتخاذها من اجل تجنب الكوارث الاجتماعية المتعاقبة، كما نراها اليوم والتي طالت كل جوانب الحياة في العراق.
عندما تحركت امريكا في عام 1991 لتحشيد التأييد لضرب العراق وطرده من الكويت، وقفت جميع الحركات الاجتماعية بجانب امريكا لضرب الحكومة العراقية انذاك والتخلص من الدكتاتور صدام حسين وحزب البعث الدموي. ان جميع الحركات البرجوازية واحزابها من القوميين العرب والكرد والاسلاميين بشقيهم "الشيعي والسني"، وقفوا بجانب الصواريخ والطائرات الامريكية والغربية لتدمير العراق وبنيته التحتية وتفكيك نسيجها الاجتماعي. وان جميع هذه الحركات والاحزاب استفادت من امريكا في جميع النواحي، وان سياسة الحصار الاقتصادي والتي ادت الى تجويع الملايين من العراقيين الفقراء وموت الملايين بسبب نقص الدواء وسؤ التغذية وانتشار الامراض الفتاكة، وكذلك سياسة سلب القوة وكسر أرادة الفرد العراقي، قد استفادت منه جميع هذه الحركات البرجوازية واحزابها وهذا ادى الى تربعها على عرش السلطة بسهولة وبدون مقاومة اجتماعية وسياسية من قبل الطبقة العاملة العراقية والاحرار. ان من يقف بجانب سياسة التجويع وامطار القنابل والصواريخ على رؤس الابرياء، لا يمكن الاعتماد عليه مهما تكن حجته وشعاراته البراقة وهذا من ابسط المفاهيم السياسية. ان اي حركة اجتماعية او اي حزب سياسي اذا تسلق الى هرم السلطة السياسية عن طريق سياسة التجويع والقتل والدمار، لابد ا ان تكون سلطته دموية ومناهضة لابسط حقوق الانسانية. ولكن الشعب العراقي وخاصة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة للاسف وقعت في هذا المأزق المميت ونرى نتائجها اليوم بأم أعيننا.
ان ارتباط القوميين الكرد بالسياسات الامريكية من اجل المصلحة الضيقة ومشاركتها في السلطة السياسية والتي حرمت منها عشرات السنيين، ادت الى تدمير كردستان العراق وتفاقم البؤس والمعانات والتي لم يكن موجودة حتى في زمن الحكومات العراقية المستبدة السابقة. ليس هذا وحسب بل وحتى حل القضية الكردية ومسألة انهاء الظلم القومي على الشعب الكردي أصبح في مهب الريح. وان الضحك اليومي على الشعب الكردي سواء من قبل برلمانه المعوق او من قبل قادة الاحزاب الكردية الرئيسية الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك حزب حركة التغير، لقد وصل المجتمع في كردستان الى النفق المظلم. كما وان الاحزاب الدينية الشيعية والسنية والقوميين العرب ايضا لم يكن نصيبهم احسن من القوميين الكرد بتعمق معانات الشعب العراقي، وانخراطهم في القتال الدموي والطائفي والذي لا يحصد غير زرع الحقد الطائفي والقومي في الانسان العراقي. وان المجتمع العراقي تفكك الى الطوائف والديانات والقوميات المتعددة ونشبت الحرب بينهما ومستمرة حتى هذه اللحظة.
ان في كل هذه الاحداث هناك سمة مشتركة تربط جميع القضايا والمشاكل ببعضها البعض واثرت بشكل سلبي على النفوس وعلى مجرى التأريخ، وهو عنصر الوعي. ان فقدان عنصر الوعي هنا لعب الدور الرئيسي لتراكم المشاكل والاحداث المأساوية التي وقعت على العراق وشعبه. ان وجود عنصر الوعي للشعب العراقي في احداث حرب الكويت وسياسات امريكا كانت العامل الحاسم في عدم وقوع العراق في المأزق الذي نراه اليوم. اذا وقفت الطبقة العاملة والجماهير الكادحة حقا بالضد من الحرب والصواريخ الامريكية والسياسات غير الانسانية للغرب، واذا كانت الجماهير الفقيرة وقفت بالضد من سياسات الاحزاب البرجوازية الكردية والعروبية والاسلامية الغير الانسانية وتعاونها مع الغرب وامريكا، لما وصلنا الى هذه المرحلة من المأساة وانعدام الافاق لخلاص العراق من مستنقع الحروب والقتال والعنف الطائفي والكراهية وانعدام الارادة من اجل حياة افضل. وان ما يجري في الموصل من ابادة وقتل وحشي من قبل جميع الاطراف المتحاربة وتدمير البيوت على اصحابها وذبح الاطفال والابرياء انتقاما لمعتقداتهم، هي الصورة اكثر قتما لعدم وجود ادنى حد من الضمير الانساني.
من هنا نرجع الى استخلاص الدروس من تجربتنا في العقود الثلاثة الاخيرة لعدم ادركنا بالوعي الاجتماعي والسياسي لاحداث وسياسات الدول الغربية وامريكا وكذلك الاحزاب البرجوازية بكل تنوعها. ولكن بعد كل هذه التجارب والاحداث المأساوية التي وقعت في العراق علينا التمعن اكثر بمصلحة حركتنا وبمصلحة مجتمعنا من زاوية الفقراء ومعاناتهم، وليس من زاوية مصالح الدول الامبريالية والاغنياء والرأسماليين واصحاب القصور والاراضي وطموحاتهم. ان تجربة ما يقارب ثلاثة عقود مع احزاب طبقة الاغنياء ومصلحة الدول الكبرى امثال امريكا وروسيا وبريطانيا في العراق، أوصلتنا الى هذه الحالة وزادة معاناتنا وضيقت قيود واغلال ارادتنا، وتشرذم صفوف طبقتنا، وفقدت افاقنا من حياة افضل. في ذكرى احداث حرب الخليج الثانية ما علينا الا ان ننهذض من سباتنا وندرك بافعالنا ووعينا، ان لا نقع مرة اخرى في اخطاء قاتلة كما وقعنا بها في الماضي.