الشاهد : من قائد فريق حكومي الى قائد أركان حرب


محمد نجيب وهيبي
2017 / 2 / 27 - 12:50     

الشاهد :من قائد فريق حكومي الى قائد أركان حرب أو إقالة البريكي تمهيد للإقلاع
طيب عبيد البريكي يساري إشتراكي ضال ونقابي بيروقراطي ممتاز من نوع "عسكر الحريقة " على حد قوله، وهو فوق هذا وزير وفاقي، مهادن ومفاوض فوق الرتبة، ولئن تنصلت قيادة الاتحاد الحالية من تمثيله لها بشكل مباشر في حكومة "الوحدة" الوطنية، إثر إقالته المهينة (على لسانه ) والمؤلمة للاتحاد (وفق بيانه ) تلقى صفعة سيئة من قبل الشاهد وفريقه رنت طرقعتها على الخد وجال صداها كل الفضاء السياسي والانساني التونسي خاصة بعد ظهورهم الجماهيري التظامني في حوار خاص على قناة الحوار الخاصة مرفوقين بأغنية "فيراج الحكومة " الشهير "ناقفوا لتونس" ومسلحين بكل أنواع الفساد المالي والاداري، فإنه -أي وزيرنا المقال - خال نفسه وهو يهدد بالاستقالة أن القائمين على شؤون الحكم في هذا البلد يتعاطون السياسة من جانب إدراك كل المتغيرات ليناوروا ثم يناوروا ثم يتفاوضون ومن ثمة يصلون الى حلول وسط على قياس الصراعات النقابية البيروقراطية التي تحكمها الاتفاقات وموازين القوى... الخ، إعتقد أن بحوزته ورقات ثلاث يلعبها مع الشاهد و"أعرافه" أولها ورقة قرطاج البالي وما تخفيه ورائها من إتفاقات حكومية بعد حالة الوهن التي أصابتها بإنسحاب مرزوق والرياحي وأما الثانية فدوره التعديلي في الحكومة الذي لعب فيه بإمتياز على قدرته التفاوضية وحنكته وعلاقاته النقابية والسياسية الواسعة ليتلقى عنها أغلب الصدمات الاجتماعية والسياسية، وأما الثالثة وهي الاهم كونه جزء من الموازنة السياسية-الحكومية وطرف فيها ليس بوصفه وزيرا بل لكونه ممثل الطرف الاجتماعي الاكبر وشريك الحكم الاساسي منذ 2011 أي الاتحاد العام التونسي للشغل، لكل هذا إعتقد البريكي أنه يمكنه استغلال ارصدته تلك للتهديد بالاستقالة لينتزع من الشاهد صلاحيات أكبر ويوسع مجال تحركه داخل الحكومة وخارجها، ويهيئ لشركائه مجالا أرحب من المناورة وقدرة أوفر من الضغط على الأغلبية الحاكمة في الازمات الاجتماعية المقبلة والتي تنذر بصدام حاد.
ولكن الشاهد و"أعرافه" قلبوا الطاولة على الجميع وأعادوا توزيع كل أوراق اللعب دفعة واحدة، بالاقالة المهينة، لاحد أهم أعضاد عبد السلام جراد سابقا، ورافع لواء المنظمة الشغيلة في الحكومة الثامنة بعد الثورة، فأغرقوا وثيقة قرطاج -المختنقة أصلا - بحبرها الذي لم يجف بعد، وشكروا السيد الوزير المقال بأن أخرجوه من الباب الخلفي لا أوراق في جعبته ليلعب بها، ثم جيشوا بشكل صريح ومباشر أرباب العمل وسادته وخدمه الاوفياء -في شكل وزراء "فيراج "ليحشروا قيادة الاتحاد الجديدة في الركن، إستباقا لأزمة إجتماعية وسياسية خانقة (أولها قضية الاجور وآخرها التفويت في كل مقومات الاقتصاد الوطني ) فإما الصراع المباشر والفج حتى النهاية وإما الاستكانة الواضحة والتسليم بمخرجات الحوار الوطني وإستحقاقات "نوبل"... الخ، ولهذا كان تغيير وزيرنا النقابي بوزيرهم الرأسمالي!!.
يقول رفيقي نور الدين الهمامي متألما لحالنا لو أقالوا جلول لرقصنا فرحا!! نعم يا صاحبي -لا مشكلة لي مع جلول - لو أقال جلول كان يجب أن نطلق قهقهات الفرح فذلك يعني إحتدام الصراع داخل منظومة الماسكين الحقيقيين بالحكم وتصدع وفاقهم السياسي إيذانا بتصدع حكمهم حاظرا ومستقبلا، لو حصل ذلك لأنتفخت أوداجنا زهوا بإنتصار شعبي مواطني -ولو ظرفي - تمثله نقابة الثانوي في معركة نضالية على من يسطر شكل الحكومة وبرنامجها في الغرف واللقاءات المظلمة التي يقودها رأس المال وخدمه وسماسرته، وهو ما كان ليعيد الامل في القدرة على التغيير من تحت وفرض إمكانية تفتيت وحدة صلابة الحكم من خارج منظومة الاحزاب المهترئة ومهادنة المركزية النقابية، ولكن أن يتم في المقابل إقالة البريكي وإعادة بضاعتنا الفاسدة الينا بهذا الشكل وذلك الاخراج فهو كسر لشوكة الاحتجاج النقابي حتى في أشكاله الاكثر بيروقراطية والاكثر مهادنة -كي لا نقول إنتهازية -.
إن الشاهد وصحبه وأعرافه، أنهوا مرحلة التحظير واللهو السياسي وأعلنوا صراحة انطلاق المعركة الى مرحلة أعلى، مرحلة ستتوقف معها البرجوازية عن التنازل السياسي والاقتصادي لتتحول الى الهجوم المباشر والسريع لاسترجاع ما أنتزع منها طيلة الست سنوات الماضية، وهي مهمة الشاهد الاساسية التي أنتدب من أجلها بعد أن تسلح ايديولوجيا وضمن وحدة صف رجالات المال ولوبياته الجديدة، و إشترى خوف وصمت رجالاته القديمة، إنهم يحرقون المراكب تباعا ويقطعون خطوط العودة حتى تكون المعركة حاسمة وضارية إن استعر رحاها أو يحققون فوزا بانسحاب الخصم لينفردوا بالشعب المكلوم في ثورته ومقدراته وثروته الوطنية يسلمونها على طبق من ذهب للمتربصين بها في الداخل والخارج.
حضور باهت وتضامن مذل ذلك الذي ظهر عليه الفريق الحكومي في قناة الحوار حول خطاب مرتبك وشعبوي لأقصى حد من رئيس الحكومة، يريد من خلاله أن يشتري صمت الشعب الكريم، ويدعوه لخيانة الاتحاد في معركته المقبلة مقابل وعود تشغيل هشة عبر عقد الكرامة!! والترفيع في الاجر الادنى المضمون!! بكم بنقطة بعشر نقاط!! عبر مضاعفته!!! هل سيمكن ذلك من اللحاق بالارتفاع المجنون للاسعار!!؟؟ هل سيضمن عدم ارتفاعها مجددا وبشكل أكبر!! هل سيقبل وزيره الرأسمالي أن تقل أرباحه وأصدقائه أكثر ثمنا لوزارة الوظيفة العمومية !! إنه يعدنا بالضغط على كتلة الاجور وتقليص عدد الانتدابات وتسريح آلاف الأجراء....الخ والعمل على التفويت في مناب الدولة في البنوك العمومية.... الخ ثم يبشرنا فجأة أن الاوضاع ستتحسن فتنخفض الاسعار ومعها البطالة كما سينقذ الصناديق الاجتماعية، لأن إقتصادنا بعد إقالة عبيد سيحقق نموا خياليا ب2. 5 نقطة!! ولكن كيف سيتحقق ذلك في ظل هذه الحزمة من الاجراءات الانكماشية وهذا الركود الاستثماري في القطاع الخاص مع إرتفاع تكلفة الانتاج نتيجة السياسات الاجتماعية الخاطئة طيلة الست سنوات الماضية!! إنه بكل بساطة نمو وهمي وكاذب سيكون إنعكاسا مباشرا للتفويت المكثف في المؤسسات العمومية أي نتيجة مباشرة وظرفية لحركة خصخصة واسعة، ستخلق تغيرا في نوع العاطلين عبر خلق ما عبر عنه (مشاريع صغرى إنطلاقية ) ومعها أشكال شغل هشة لا تلزم رأس المال على المدى الطويل بالالتزامات التقاعدية والتغطية الاجتماعية... الخ وهو ما يخفف العبأ على الدولة والصناديق مستقبلا بعد عملية التحيل الاولى التي سيتم بموجبها إحالة آلاف الاجراء من أرباب العائلات على التقاعد وتقليص مداخيلهم أمام ارتفاع الاسعار وتعويضهم بعدد أقل من أبنائهم ذوي طاقة إنتاجية أعلى وتكلفة إجتماعية أخف وطأة نظرا ل"ارتفاع أمل الحياة "، إن السيد الشاهد و"أعرافه" أخرجوا كل ما في جعبتهم أخيرا وأعلنوا إطلاق اليد الطولى لرأسالمال ولوبياته لتفعل فعلها في البلاد والعباد بشكل مباشر وعلني على نقيض سياسة الوفاق الملغوم والهدنة والشراكة الاجتماعية الكاذبة، أو هكذا يجب أن تفهم إقالة البريكي يوم السبت وذلك الظهور الاصطفافي الانضباطي لفريقه الحكومي في مسرحية "الحوار الخاص" على قناة "الحوار الخاصة "، فلنستعد اذا لحرب طاحنة ولنرص الصفوف ونوحدها ما أمكننا ذلك لكي لا نترك للمركزية النقابية أي فرصة للنكوص وترك ساحة المعركة حتى نفوت الفرصة على قادة الجانب الآخر من المعركة اللعب على ورقة "فرق تسد " فتسقط كل حساباتهم ونجبرهم على إعادة توزيع الاوراق على قاعدة خفي عنكم أن الشعب لم يعد بوسعه الفرجة أكثر ويعلنها (نلعب والا إنحرم ) فنرد بذلك الصاع صاعين ونسرع في رحيل الشاهد.