مأزق نقابات التعليم في تونس: الارتباط بسياسة الحاكم والارتهان بموقف المكتب البيروقراطي المركزي


بشير الحامدي
2016 / 11 / 13 - 18:39     

مأزق نقابات التعليم في تونس: الارتباط بسياسة الحاكم والارتهان بموقف المكتب البيروقراطي المركزي

منذ تسعينات القرن الماضي والبدء في تنفيذ نظام تعليم الكفايات والمدرسة العمومية التونسية تعيش أزمة حادة على كل المستويات تعمقت بعد 2010 وانتهت خصوصا مع وزارة ناجي جلول المستمرة منذ حكومة الحبيب الصيد [6 فيفير 2015] التي وقع إقالتها لتأخذ مكانها ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية إلى انهيار شبه كلي لهذه المؤسسة مس كل مجالات نشاطها وكذلك بنيتها الأساسية والإدارية كما أدى إلى انهيار أوضاع القائمين بالعملية التعليمية من معلمين وأساتذة. وبرغم الدعاية الوزارية الكبيرة و الأموال الطائلة التي رصدت لما يسمى بمشروع إصلاح المنظومة التربوية والذي انطلقت في تنفيذه الوزارة على مراحل بدء بهذه السنة الدراسية فإن أزمة المنظومة التعليمية ستزداد تعمقا نظرا لأن مشروع الإصلاح المعلن والذي شاركت فيه نقابتا التعليم الابتدائي والثانوي والمعهد العربي لحقوق الإنسان لم يأت بجديد ولم ينفذ لمعالجة أسباب الأزمة في كل أبعادها بل كان مجرد وصفة فوقية شكلية مسقطة بعيدة عن أن تكون بحق معالجة جدية وعلمية لمأزق المدرسة والتعليم العمومي المجاني في تونس.
ليست المنظومة التعليمية وحدها هي التي تمر بأزمة بل إن العمل النقابي لقطاعي في التعليم الابتدائي والثانوي هو أيضا يمر بأزمة حادة تهدد بانحصاره وعدم قدرته على حماية حقوق منتسبي القطاعين.
لن نتعمق في تحليل مظاهر أزمة المؤسسة التعليمية ولا في نقد مشروع الإصلاح بل سنعود لهما في مقالات أخرى مخصوصة و إنما سنركز على وضع الأزمة التي عليها نقابتا التعليم الابتدائي والثانوي الآن وفي مثل هكذا أوضاع تمر بها المدرسة العمومية .
للأسف لم تكن مشاريع السلطة وخصوصا مشروع نظام تعليم الكفايات الذي انتهى بالمدرسة العمومية إلى ما هي عليه اليوم لتُلْفِت أنظار نقابتي التعليم الابتدائي والثانوي إلا جزئيا وهو ما ساعد السلطة في أواخر تسعينات القرن العشرين على التمادي في تنفيذه. وفي الحقيقة فموقف النقابات هذا كان موقفا منسجما مع مواقف بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل من السياسات القائمة سواء في عهد الديكتاتور بن على أو سياسات حكومات "الانقلاب الديمقراطي" منذ 2011 فالبيروقراطية النقابية ـ وكذلك بيروقراطية القطاعين ـ لم تكن ترى نفسها خارج ائتلاف الحكم ولكن من الخارج وقد كان هذا دأبها على مرّ العقود حيث لم تكن تطمح لغير منزلة الشريك المعترف به ـ الشريك حارس للسلم الاجتماعي ـ أو راعي الحوار الوطني ومهندس التوافقات الحزبية فيما بعد .
هذه الرؤية لوظيفة النقابات ولدور العمل النقابي والتي كانت خلفية كل النشاط النقابي الذي مارسه القطاعان [الثانوي والإبتدائي] منذ تسعينات القرن الماضي والذي تواصل بعد 17 ديسمبر 2010 انتهى اليوم إلى مأزق و أزمة لم يعد من الممكن إخفاؤها خصوصا في ظل تعمق أزمة العصابة المنقلبة على 17 ديسمبر وعجزها حتى عن الوفاء بالاتفاقيات التي أبرمتها مع بعض القطاعات وعلى رأسها قطاعات الوظيفة العمومية ناهيك عن تقديم حلول للمشاكل التي تتخبط فيها الأغلبية وعلى رأسها مسألة التشغيل.
نقابات التعليم اليوم في مأزق حقيقي وفي عجز تام عن مجابهة التحديات التي فرضتها الطبقة الحاكمة لقد صارت أعجز عن فرض بعض الحقوق المادية لمنتسبيها فما بالك بفرض حقوق أشمل.
وضع الأزمة هذا والذي عليه نقابتا التعليم وضع أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين و الأساتذة على كل المستويات و إلى انهيار التعليم وانهيار المؤسسة التعليمية وهو ما ساعد الوزير الذي استغل مأزق النقابات هذا ليقوم بشتى الإسقاطات والتجاوزات ويتصرف وكأنه خارج القانون يعزل المسؤولين كما يشاء يصدر مناشير ويسحبها وقت ما يشاء يتراجع عن الاتفاقيات المبرمة مع النقابات يهرسل المعلمين و الأساتذة في وسائل الإعلام ويؤلب الرأي العام عليهم يسبب بتصريحاته وزياراته للمدارس والمعاهد في رفع وتيرة العنف على الإطار التربوي ... إلخ.
قلت وضع الأزمة التي عليها نقابتا التعليم وكما أدى إلى تدهور أوضاع منتسبي النقابتين أدى أيضا إلى فقدان الثقة من قبل نسبة كبيرة من هؤلاء في النقابتين و إلى نقد عميق لممارساتهما النقابية التي تحولت أمام عدم القدرة على تحقيق نضالات قطاعية تفرض احترام الطرف النقابي وتؤدي إلى الحصول على مكاسب إلى ممارسات استعراضية تحشيدية لا يمكن أن تحقق شيئا ملموسا مثلما الوقفة الاحتجاجية التي دعي لها القطاعان يوم 30 نوفمبر الجاري للمطالبة بصرف بعض المنح وتنفيذ بعض الاتفاقات التي أجلت تنفيذها الوزارة .
وضع العمل النقابي في القطاعين صار وضعا مأزقيا خصوصا بغياب أي توجه أو محاولة حقيقية ملموسة من داخل النقابتين لتجاوز أزمتيهما فالقرار القطاعي مازال يخضع لموقف المكتب البيروقراطي المركزي وللحسابات السياسية للأطراف الأقوى في تركيبتي النقابتين والهيئتان الإداريتان مصدر القرار في القطاعين مازالتا مكبلتين بالحسابات الذاتية لأعضائهما وتوافقات البيروقراطيات الجهوية والولاءات لأعضاء المكتب التنفيذي القطاعي والمركزي.
إن الوضع الحالي الذي عليه النقابتان يؤكد مرة أخرى ما قلناه سابقا وما كتبناه وما شرعنا في تنفيذه بتأسيس المرصد التونسي للمعلم والتعليم وهو أن دائرة الدفاع عن الحقوق اليوم صار يتطلب هيئات مجال اهتمامها وقدرتها و حركتها أوسع من مجال الحق النقابي و أن القطاعات الكبرى ذات النسبة المرتفعة من المنتسبين صارت تتطلب إضافة للنقابات هيئات مناضلة أخرى هيئات مقاومة جذرية تعمل إلى جانب النقابات لصد الغول الرأسمالي عن التهام الأخضر واليابس على مستوى الحقوق القطاعية أو الحقوق المتصلة بالحركة الجماهيرية عموما. وفي انتظار ذلك وارتباطا بالوضع الذي عليه نقابتا التعليم اليوم يمكن القول أنه لم يبق أمامهما إلا حل واحد للخروج من هذه الأزمة وهو فك ارتباطهما بسياسات الحاكم من جهة ورفض الارتهان بقرارات المكتب التنفيذي المركزي من جهة أخرى وتنبني إستراتيجية مقاومة تتأسس حاليا في الوضع القائم على الأقل على أربعة محاور هي:
ـ فك الارتباط بالوزارة وإعلان معارضة الإصلاح التربوي المسقط ونقد ذاتي لمشاركتهم فيه.
ـ التمسك باستقلالية القرار القطاعي وعدم الارتهان فيه للمكتب البيروقراطي المركزي.
ـ التمسك بعدم مراجعة قانون التقاعد بالنسبة لقطاعي التعليم .
ـ التمسك بتنفيذ الحكومة للاتفاقيات الزيادة في الأجور المبرمة وعدم تأجيلها مطلقا.
هذه نقاط يمكن أن تمثل اتجاها عاما لإستراتيجية فعل نقابي قطاعي مناضل في انتظار ظروف ملائمة تمكن من فرض القطاعين هيكلا نقابيا مستقلا موحدا.
ـــــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
13 نوفمبر 2016