كيف نقضي على اللامركزية في الدولة؟!


عادل احمد
2016 / 9 / 11 - 18:53     

من المعتاد وحتى الان ان نفكر بأنه اذا سقطت سلطة الحكومة في المركز فسيسقط كامل كيان الحكومة في كافة مناطق نفوذها، لان رأس الحكومة هو الاصل في توجيه باقي المناطق الى تنفيذ سياساتها. ورأينا طوال التاريخ البشري بأن الحكومات عندما تسقط في مركزها، ستنهار في باقي المناطق الاخرى بسهولة. ان هذا المعادلة صحيحة حتى الان عندما تكون الحكومة كيان موحد وقوي وتحت ادارة الموحدة ومترابطة. لكن في العقد الاخير دخلت مصطلحات ونماذج من السلطة نتيجة الصراعات الدولية والاقليمية ادت الى التفكير بكيفية مواجهة لهذه الوضع وطرق حلوله بعيدا عن الحل التقليدي. فتم بناء نماذج من حكومات وسلطات تحكم في ظل السيناريو الاسود والصراع الاثني والطائفي والقومي ومكوناته، والحال كما في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا. ان الحل التقليدي في مواجهة هذه الاوضاع لا يكمن في اسقاط الحكومة المركزية وأبدلاها بحكومة اخرى تحل محلها. ان هذا النموذج من الاوضاع وهذا النوع الحكومات لا يمكن بحثه في السياق التقليدي للنظرة الماركسية للحكومات والتغييرات، وانما علينا بحثه في ظل المستجدات العالمية للراسمالية المعاصرة وتطورها.
عندما لا تكن هناك دولة مركزية قوية واذا لم تكن هنالك سلطة موحدة قادرة على ادارة الدولة في جميع مناطق نفوذها وحدودها، وتكون السلطة مقسمة على الاطراف المتصارعة كل طرف له سلطته المطلقة في مناطق نفوذه، ويكون على شكل دويلات صغيرة داخل الدولة الضعيفة. وحتى اذا سقط المركز بمفوهمه التقليدي اي سقوط الحكومة المركزية، فأنه لا يحدث أي تغيير في الاوضاع ولاينعكس على تحسين معيشة الجماهير. وربما سقوط الحكومة المركزية يؤدي الى تغيير في ميازين القوى بين الاطراف المتصارعة، ولكن لا تؤثر على الاوضاع بشكل عام ولايحدث اي تغيير في المجتمع. ان هذه الاوضاع هي حقا جديدة بالنسبة للشيوعيين وجديدة على نضال الطبقة العاملة، لان العدو الطبقي لا يمكن تشخيصه في كيان واحد كي يندرج بالبرنامج الشيوعي التقليدي للاطاحة به عن طريق الثورة. ان الرؤية الماركسية لهذه الاوضاع المعقدة تختلف كليا عن الحالات الاعتيادية للمجتمع. وان الحل يتطلب برنامج اخر يتناسب مع حالة المجتمع الغير اعتيادية وكيفية مواجهة كل اطياف البرجوازية وصراعاتها الداخلية واخراج المجتمع من هذا السيناريو الاسود والقاتل، والذي يحرق الأخضر واليابس معا ويجعل المجتمع بلا ارادة وبلا قوة. ان طرح السياسة الشيوعية والعمالية الصحيحة لهذه الاوضاع لا يمكن بحثها الا في سياق الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وكيفية انجازها. ان اي طرح أو طرق الحل الماركسي يجب ان تبدأ بكيفية استرجاع الارادة الانسانية للمجتمع، وامكانية التدخل المباشر في شؤون حياتهم بنفسهم في المقام الاول، ومحاولة التغلب على كل الأوضاع التي تؤدي الى الاخفاق وخنق الارادة الانسانية بشكل عملي وملموس.
ان طرح اي حل سياسي في هذه الاوضاع وخاصة في العراق والذي أقتسمت فيه السلطة بين الاطراف المتصارعة في الحكومة الضعيفة، وكل طرف فيها له قوانينه وسلطته وميليشياته وسياساته في مناطق نفوذه، والكل له حصة في الحكومة المركزية حسب قوته ومناطق نفوذه وقوة تسليحه وقوة ميليشياته. ان مواجهة هذه الأوضاع لا يمكن برفع شعار اسقاط الحكومة المركزية لانه اصلا لا توجد حكومة مركزية بمعنى الكلمة، ولا توجد قوة عسكرية موحدة، ولاقوة امنية وقضائية مركزية كي يتم اسقاطها. بل هنالك سلطات مختلفة ومنقسمة ومناطق نفوذ متعددة. اذن الحل هنا يجب ياخذ بالاعتبار شكل الوضع القائم وتناسب القوى والشكل التنظيمي والسياسي المناسب، للاجابة على كيفية تحريك الارادة والقوة للطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومة. علينا ان نركز ونبحث عن الحلول من هذا المنطلق. يجب ان نبدأ بكيفية تشكيل كيان سياسي يقوم بأسترجاع الثقة اولا، وان يكون مختلف عمليا وسياسيا عن باقي الكيانات السياسية الاخرى، وان تمس الجماهير وارادتها من الاسفل وبين صفوفه وان تقوم بأستخراج الطاقة والقوة البشرية الكامنة للسيطرة على الأوضاع بنفسها.
ان اي شكل تنظيمي بما يتناسب مع هذه الاوضاع من وجهة نظر الطبقة العاملة يجب ان يأخذ الشكل المجالسي في التنظيم، ولكن كيف تكون هذه المجالس في ظل هذه الاوضاع المنقسمة سياسيا، برأي يمكن ان يكون في البداية على شكل الادارة المجالسية الذاتية في كل منطقة. ولكن الهيمنة السياسية لهذه المجالس الذاتية يجب بحثها في الشكل التنظيمي السياسي الاوسع والشامل. وهنا يكون المفتاح الرئيسي للقيام بهذا العمل المجالسي. ان الشكل التنظيم السياسي يجب ان يكون الاجابة عن السيناريو الاسود اي يكون القالب الرئيسي لجميع القوى والمجاميع المتضررة بالدرجة الاولى من السيناريو الاسود الحالي بأفق عمالي. ان الاجابة عن الوضع الحالي تكمن في وجود الدولة المدنية في المقام الاول، لان وجود ومحتوى الدولة على الرغم من نقدنا الماركسي لها، لكن في ظل هذه الاوضاع يكون المطلب الاني والرئيسي للخروج من السيناريو الاسود الحالي. الدولة المدنية المستقرة خير بالف مرة من الدولة الغير مستقرة بالنسبة للنضال السياسي العمالي. ان بناء الدولة المدنية هو ليس مطلب عمالي ولكن في غياب الدولة اي نوع من الدولة يكون وضع الطبقة العاملة في اسوا حالاته. ولهذا السبب طرح الشيوعيين العماليين مسالة الدولة المدنية يكون خطوة الى الامام بالنسبة للدولة الحالية المجزئة سياسيا ومليشيلتيا. ان هذا المطلب يمكن ان يكون المحتوى السياسي للتنظيم الذي نريده في الوقت الحاضر بالية مجالسية على الرغم عدم ارتباطها بالاشتراكية والطرح الاشتراكي للثورة العمالية، ولكن يكون مخرجا للطبقة العاملة والجماهير المحرومة من مستنقع السيناريو الاسود الحالي بأفق عمالي. لنبحث الامور من هذا المنطلق ونبحث عن العمل السياسي بما يتناسب مع هذا المطلب.