قضية عمالية أم وطنية!


جهاد علاونه
2016 / 8 / 6 - 03:43     

جيراني شباب 2, واحد منهم فاتح lمحل سوبر ماركت والثاني أجير عنده, اختلفوا مع بعض ووصلت الخلافات للمحكمة, هذا وقف محامي للدفاع عنه وطالبه بدل طرد تعسفي من العمل وطالبه أيضا بأجرة أيام الأعياد الرسمية وبساعات العمل الإضافية التي على حسب قوله لم يكن يأخذ عليها من رب العمل أجرا , والثاني أنكر كل ما ادعاه الطرف المشتكي وأوقف محاميان عدد 2,
وحين اشتد ما بينهما الخلاف طلبوني للشهادة بالمحكمة بناء على رغبة القاضي حيث طلب منهم شاهدا صادقا, والاثنين اتفقوا عليّ على أساس إنه أنا أصدق رجل في الحاره وسيقبلوا جميعهم بشهادتي أمام المحكمة.
دخلت المحكمة وكانت هذه ثاني مرة في حياتي أدخل فيها محكمة ومثلت أمام القاضي, أخذ مني الكاتب بطاقتي الشخصية وبدأ يعبأ معلومات البطاقة على الحاسوب, أسمي وسني وعنواني ومكان عملي حيث لا يوجد لي مكان عمل , وبينما كان الكاتب أو الكاتبة تنهي تعبئة المعلومات , نظر القاضي لي وبدأ يسألني عن درجة قرابتي بكلٍ من المشتكي والمُشتكى عليه , وأنا أجيب بكل ما أوتيت من مقدرة على الاختصار في الوقت: ثم أخذ القاضي يقح ثلاثُ قحاتٍ متواليات وبعدها أخذ نفسا عميقا وقال: كان الطرف الأول المشتكي يشتغل عند الطرف الثاني؟ قلت: نعم, ثم أسندَ ظهره إلى الكرسي وسأل: كان يشتغل في يوم عيد الفطر؟ وعيد الأضحى؟ يعني أيام الأعياد فقلت: نعم, كنت أشوفه يشتغل, قال: طيب: كان يشتغل في عيد الاستقلال؟ .
فصمتت ولم أجب..
ثم قال: طيب: في عيد تعريب الجيش؟
أيضا صمتت ولم أجب ثم توجهتُ بنظري إلى الشارع من خلال النافذة التي تقع على يمين القاضي.
ثم نظر لي القاضي نظرة كلها دهشة وقال: طيب في عيد الثورة العربية الكبرى؟ أيضا صمتت صمتا مطبقا...

ثم بدأ يعدد لي أيام الأعياد الوطنية والدينية وبقيت صامتا, وكان في القاعة عدة محامين لهم قضايا مختلفة وبعض المراجعين ثم قال: يا رجل إنت أخرس؟ قلت: لا, فقال: طيب ليش ما تحكي؟ قبل قليل كنت تجيب على كل الأسئلة!!!
قلت: ما هو أنا صدقني ما بعرفش متى وقت وموعد هذه الأعياد!!, فقال بعد أن أعاد ظهره الذي كان قد أسنده خلف الكرسي ووضع يديه الاثنتين على الطاولة وحملق بي ثم مسح بيده اليمنى شاربه الخفيف وقال: معقول: ما بتعرفش أي يوم مثلا عيد ميلاد...الخ؟
قلتله: إذا عيد ميلاد زوجتي كل سنه بنساه وبنتهاوش عليه, يعني زوجتي اللي بتطبخلي كل يوم بنسى عيد ميلادها فكيف بدي أتذكر عيد ميلاد رجل لم يطبخ لي ولا في أي يوم من الأيام, جلالة سيدنا والوطن وزعماء الوطن وشهداء الوطن وكافة مكونات الدولة الاردنية بما فيهم أنت وهؤلاء على عيني وراسي بس صدقني ما بعرفش متى عيد ميلادهم وأنا بصراحه منذ أكثر من 16 ستطعشر سنة لم أشاهد التلفزيون الأردني..يعني أنا شبه معزول عن الوطن.

فقال:طيب: متى عيد ألسنه الهجرية؟ ثم صمتُ أو عدتُ إلى الصمت ثم بدأت أفرفك بأصابع يدي مثل طفل خجول لا يعرف ما يريد أن يقول, وقلت: امممم صدقني ما بعرفش, إذا عيد ميلاد أولادي لا أتذكر أيَ واحدٍ منهم وكل سنه بعمل مع كل واحد منهم طوشه وبعاتبوني.
ثم تدخل أحد المحامين وقال: سيدي القاضي هذا شيوعي قديم وبعثي وملحد مسيحي شيعي, فقلت في نفسي: يخرب بيته كيف جمعهن كلهن مع بعضهن! شو جاب هذا لهاذا وهاظ على هاظ..ثم اضاف المتخاصمان جملة افادوا فيها أنني لا اصلي ولم يرونني يوما على مسرح المسجد راكعا أو ساجدا , فقال القاضي بغضب: اممم أي قلي إنك عميل للكفار... وأنا كمان بدي أنسى الخلاف والقضيه العُمالية اللي بين جيرانك وأحبسك على شان ما بتعرفش الأعياد الوطنية والسنة الهجرية, قلتله: سا محني وصدقني كمان عيد ميلاد أمي اللي أرضعتني كمان ما بعرفهوش فكيف بدي أتذكر أعياد ميلاد أناس لم أرضع منهم نقطة حليب واحده!.
صمت القاضي لعدة ثواني ثم ضغط على الجرس فجاء المراسل وقال له: إندهلي الشرطي, جاء الشرطي مسرعا فقال له بصيغة أمر: يا عسكري خذه على الحجز, قلتله: يعني شو دخل الأعياد الوطنية بذاكرتي, أنا وطني جدا وأحب بلدي بس صدقني ما بعرفش التواريخ اللي حكيت عنها, قال: يا رجل لما ابنك بعطل وما بروحش على المدرسة ما بتسألهوش ليش مثلا اليوم عطل؟ قلت: بلى..بس بنسى التاريخ, قال: هذي المره سماح, بس دير بالك تيجيني يوم من الأيام على المحكمه والله العظيم غير أحبسك.