انتبهوا يا عمال مصر، القوانين ترجع للخلف


فاطمة رمضان
2016 / 7 / 14 - 09:56     


في العامين الأولين من إزاحة مبارك، قررت السلطة الحاكمة الانحناء لرياح الثورة حتي تمر فلا تكسرها. حيث وعا القائمون على الحكم بألا وقت لفتح ملف القوانين إلا في أضيق الحدود، لأن فتحه والأعين مسلطة عليهم، والشارع لا يزال تحت سيطرة الثوار، سيؤدي ﻷن يكسب الكادحون في مصر أسلحة جديدة تساعدهم عندما تعود الحياة لطبيعتها. وما أن بدأت الثورة المضادة في السيطرة حتي أخذت نافورة القوانين في ضخ قوانين تعيدنا خطوات للخلف علي كل المستويات، متعدية علي حقوق الناس بأكثر مما تحقق مطالبهم، بل أن كثيرًا منها جاء مناقضًا لمطالب الناس قبل الثورة.

وسيركز هذا المقال علي القوانين التي تخص العمال، وإلي أي مدي استجابت لمطالب العمال.

قبل النظر إلي القوانين بحد ذاتها، يتوجب إلقاء نظرة سريعة علي الحركة الاحتجاجية العمالية ومطالبها؛ فقد بدأت الحركة في الصعود بداية من عام 2007، حيث بلغ عدد الاحتجاجات العمالية بها 756 احتجاجًا، بعد أن كان عددها قبل عامين 202 احتجاجًا. وكان في مقدمة المطالب التي رفعها العمال المطالبة بالأجور المتغيرة (مثل الأرباح والحوافز والبدلات المختلفة)، وتلته المطالبة بالحق في العمل (المتمثلة في الاحتجاج علي الفصل التعسفي، أو الإجبار علي الخروج للمعاش المبكر وتصفية الشركات)، ثم الاحتجاجات علي العمل المؤقت (خاصة في الحكومة)، والمطالبة بالتثبيت، وبالالتزام باﻷحكام القضائية وتنفيذ اتفاقيات العمل الجماعية.

كما لم تغب المطالب الخاصة بالحق في التنظيم، والمطالبة بتشكيل نقابة، والاحتجاج علي إيقاف أو فصل نقابي، باﻹضافة للاحتجاجات المطالبة بسحب الثقة من النقابة.

استمر العمال بعد الثورة في رفع نفس المطالب، وفي انتقادهم للتنظيم النقابي القديم الذي لا يعبر عنهم، بالإضافة إلي ارتفاع أصوات المطالبين بعودة الشركات للقطاع العام، كما برزت، ضمن مطالبهم بعد الثورة، المطالبة بإقالة ومحاسبة الفاسدين، باﻹضافة لسعي العمال لإدارة شركاتهم التي أغلقها مالكوها ذاتيًا.

وقد قفزت الاحتجاجات لتصل خلال الستة شهور الأولي من عام 2011، وبحسب جريدة العالم اليوم في عددها الصادر يوم 17/ 7/ 2011، إلي 956 احتجاجًا، اندلع نصفها تقريبًا في الشهرين اﻷولين من العام. واستمر التصاعد في أعداد الحركة الاحتجاجية للعمال بعد إزاحة مبارك، فقد كانت أعداد الاحتجاجات العمالية في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي هي 1400، 1969، 2239، مع الوضع في الاعتبار أن نسبة احتجاجات العمال في النصف الثاني من عام 2013، أي بعد 30 يونيو لم تتجاوز الـ18% من إجمالي الاحتجاجات في هذا العام، ليبدأ بعدها منحني الهبوط، ففي عام 2014 كان عدد الاحتجاجات العمالية 1655 احتجاجًا، بحسب تقرير الاحتجاجات العمالية لعام 2014، والمنشور في موقع "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية". وفي عام 2015، وطبقًا لمؤسسة مؤشر الديمقراطية، بلغ عدد الاحتجاجات للمطالبة بحقوق العمل 1117 احتجاجًا.

ورغم وضوح مطالب العمال وتكررها لسنوات، إلا أن الحكومة لم تعمل علي تنفيذها بعد إزاحة مبارك مباشرة، وإنما اعترفت في البدء بأن العمال أصحاب حق في مطالبهم، ولكن عليهم الصبر وعدم إيقاف عجلة الإنتاج. ثم بدأ النظام الحاكم في اتخاذ الإجراءات التي تقيّد حرية العمال في الاحتجاج، حيث عملت الحكومة، ومعها بعض القوي الليبرالية والإسلامية، علي تشويه احتجاجات العمال، واتهامهم بالتخريب والعمالة، ثم بدأت في إصدار القوانين التي تجرّم حق الإضراب والاعتصام السلمي، بداية من القانون34 لسنة 2011 وصولًا لقانون تجريم التظاهر السلمي في عام 2014.

فيما يلي سنطرح نماذج لالتفاف النظام الحاكم علي مطالب العمال، سواء بالامتناع عن إصدار القوانين والقرارات التي تمكنهم من ممارسة حقوقهم، أو بإصدار قوانين تعتدي على حقوقهم:

1- ربما كان المطلب الوحيد الذي جرى الالتفات إليه في عام 2011 كان الحق في التنظيم، ولكن لا نعرف في الحقيقة إن كان هذا بسبب كونه مطلبًا للعمال، أم بسبب وضع مصر في القائمة السوداء لدي منظمة العمل الدولية لاعتدائها علي حرية التنظيم ومخالفتها للاتفاقيات التي وقعت عليها، خصوصًا وأن أول وزير عمل بعد إزاحة مبارك كان أحمد حسن البرعي، وهو أحد مستشاري منظمة العمل الدولية، وأحد دعاة الحرية النقابية قبل الثورة. فقد سُمح بإيداع النقابات المستقلة لأوراقها في وزارة القوي العاملة والهجرة، بناء علي قرار سُمي بـ"قرار الحريات النقابية" صدر في مارس 2011. ومع هذا، فلم يصاحب هذا السماح اعتراف حقيقي بالنقابات المستقلة، حيث بقيت منظومة القوانين كما هي، لا تعترف بالحق في التنظيم أو بحق النقابات المستقلة في تمثيل أعضائها في مجالس إدارة الشركات، أو في مجالس إدارة الصناديق مثل صندوق الطوارئ، أو المجلس الأعلى للعمل.

أما فيما يخص تمثيل العمال في مجلس إدارة صندوق التأمينات فقد مُثلوا لعدة أشهر في بداية عام 2014، كما حضر ممثلون للاتحادات المستقلة بشكل ودي في المجلس القومي للأجور، بدون تغيير قرارات التشكيل. حتي قانون الحريات النقابية، الذي نوقش لأول مرة في حوارات مجتمعية حقيقية، امتنع المجلس العسكري عن إصداره من وقتها.

ظلت النقابات المستقلة موجودة بحكم اعتراف العمال بها، خاصة أثناء فترة عنفوان الحركة الاحتجاجية وقدرتها على انتزاع الحقوق، وعندما بدأ منحني الحركة في الهبوط بدأت رحلة سحب صلاحيات النقابات المستقلة. وصولًا لهذه اللحظة، التي يجاهر فيها النظام الحاكم بعدم اعترافه سوي بالاتحاد الحكومي كممثل للعمال، وهو الاتحاد الذي كان شريكًا أساسيًا في حلف الدولة للسيطرة علي مجلس النواب.

وفيما يخص القانون، فبالنظر لآخر نسخة من مسودة "قانون النقابات العمالية"، الذي أعدته وزارة القوى العاملة في ديسمبر 2015، أشارت حملة "نحو قانون عادل للعمل" إلى ستة انتقادات للمسودة، منها حرمان العمالة غير المنتظمة وأصحاب المعاشات من تأسيس نقابات، واشتراط القانون لتأسيس نقابة عمالية ألا يقل عدد مؤسسيها عن 30% من عدد عمال المنشأة، و بحد أدنى 300 عامل، ما وصفته الحملة بـ"الشرط التعجيزي"، حيث أن نسب الانضمام للنقابات في العالم كله أقل بكثير من هذه النسبة. كما أن القانون أسّسَ لعودة هيمنة وزارة القوى العاملة على النقابات. وفي الوقت الذي تساهل فيه القانون مع أصحاب الأعمال في حال اعتدائهم على النقابيين و على الحق في التنظيم، تشدد في معاقبة النقابيين، فلم ترد عقوبة الحبس سوى مرة واحدة، في المادة 32، ويحدث ذلك في حال تبين أن المنظمة النقابية تمارس نشاطها دون اكتمال أوراقها.

2- في مواجهة مطالبة العمال بأن تعود للقطاع العام الشركات التي خُصخصت من خلال الفساد، وبعد أن حصل عمال ست شركات علي أحكام نهائية بعودة شركاتهم للقطاع العام، وأثناء النظر في قضايا مماثلة لعمال 16 شركة أخرى في المحاكم، أصدر عدلي منصور القانون 32 لسنة 2014، والذي يمنع أي طرف خارج طرفي التعاقد من الطعن على عقود البيع والاستثمار التي تبرمها الدولة مع أي جهة أو مستثمر، وبالتالي إهدار حق العمال وكافة أفراد الشعب في كشف شبهات الفساد بتلك العقود. ولم يقف القانون عند هذا الحد بل أقرَّ بوقف كل الطعون المنظورة حاليًا أمام محكمة القضاء الإداري.

3- في مواجهة معاناة العمال من الفصل التعسفي، ومطالبتهم بالعمل علي إيقافه، وبتنفيذ اتفاقيات العمل الجماعية، وبأجور تكفيهم وأسرهم للحياة الكريمة، تركت مسودة قانون العمل، التي أعدتها وزارة القوي العاملة وقدمتها للبرلمان، مشاكل القانون 12 لسنة 2003، الذي أتت لتحل محله، كما هي؛ من حيث الإبقاء علي سلطة صاحب العمل في فصل العامل تعسفيًا، وعدم وضع ضمانات لعودة العامل لعمله في حالة حصوله علي حكم بالعودة، كما لم تعاقب من لا يلتزمون بتنفيذ اتفاقيات العمل الجماعية، وزادت عليها اﻹقرار بوكالات الاستخدام التي ستزيد من العمالة الغير رسمية، وتؤدي إلى الانتقاص من الأجور..

4- صدر قانون الخدمة المدنية 18 لسنة 2015 عشية المؤتمر الاقتصادي بدون التشاور مع أي ممن ينطبق عليهم القانون، واحتوي القانون علي الكثير من المشاكل لعل أهمها؛ التمييز بين العاملين لدي الحكومة، وتسهيل الفصل التعسفي، و انتقاص أجور الموظفين، بالإضافة للتعدي علي الحق في التنظيم وعلي حقوق العامل المريض، وهي المشاكل التي ظلت موجودة في المسودة المقدمة حاليًا للبرلمان بعد رفض إقرار قانون الخدمة المدنية، بالإضافة إلي وضع أسس تساعد علي التخلص من الموظفين الموجودين حاليًا بالخدمة، وسد طرق الترقي أمامهم، والخفض الوظيفي لمن سبق ترقيتهم في ظل القانون السابق.