الترودونيونية (الحياد النقابي)


محمد علي الماوي
2016 / 7 / 6 - 23:14     

الترودونيونية
(الحياد النقابي)

لقد ظهرت البروليتاريا اول ما ظهرت في بريطانيا وهي اقدم البلدان الراسمالية وصاحب ظهورها بروز اولى المنظمات العمالية.ورغم ان الحكومة البريطانية قد منعت بقانون 1799 و1800 هذه المنظمات واولى اضراباتها فان عمال النسيج والمناجم انشؤوا سلسلة من المنظمات الجديدة منها ما هو غير قانوني ومنها ما هو شبه قانوني.مما جعل البرلمان البريطاني يجد نفسه مجبرا على المصادقة على قوانين تمنح للطبقة العاملة حق الانتظام في نقابات وذلك بسبب ما سلطه العمال من ضغط قوى وصل احيانا حد التمرد....
ثم ظهرت في انجلترا الترودونيونات:اولى المنظمات النقابية اثر الغاء القوانين التي تحجر تكوين منظمات عمالية.وبعد ان كانت هذه المنظمات تضم العمال ذوي الكفاءات بحسب مهنهم واحيانا بحسب اختصاصاتهم سنة 1868 على المستوى القومي,تأسست منظمة مركزية واحدة هي:مؤتمر الترودونيونات(توك) الذي تنص تراتيبه على "ان يلتئم اجتماعه مرة كل سنة طيلة اربعة ايام بداية من اول يوم اثنين من شهر سبتمبر"(5)
لقد تطورت الحركة العمالية والنقابية في بريطانيا العظمى في ظروف خاصة في الوقت الذي تعاظمت فيه تعاظما مهولا قوة البرجوازية اقتصاديا نتيجة استغلال البروليتاريا الانجليزية استغلالا فاحشا ونتيجة ماخضعت له عديد البلدان المستعمرة من نهب شرس وتمكنت البرجوازية الانجليزية بفضل ما لديها من ارباح هائلة من ان تبادر الى ارشاء قادة الطبقة العاملة فتكونت منهم ومن العمال ذوي اعلى الكفاءات وزعماء النقابات والهيآت العمالية الفئة الواسعة لارستقراطية الطبقة العاملة التي اصبحت تشارك في اجهزة البلاد السياسية والبرلمان واجهزة السلطة المحلية وغير ذلك.
ولوحظ في هذه الظروف تطور تيار في بريطانيا عرف باسم الترودونيونية تركز نشاطه-كما هو الحال في ايامنا هذه- على قاعدة الوفاق الطبقي وعلى مناعة كل من النظام البرجوازي والملكية الخاصة من كل انتهاكات وعلى الدفاع عن مصالح المجموعات العمالية الاكثر امتيازا.وهكذا فان الترودونيونات لاتناضل من اجل القضاء على النظام الراسمالي وكل مايتبعه وانما تناضل من اجل تحسينه وهي لاتنتهج في نضالها من الاشكال الا ما تراه البرجوازية مقبولا من ذلك المفاوضات والاتفاقات مع الاعراف او مشاركتها في مختلف الاجهزة الاقتصادية الدولية منها والخاصة او ما كان يعتقد بين "الترودونيونات والاعراف"من تحكيم كان لممثلي الدولة البرجوازية الدور الحاسم فيه...والى غير ذلك من الاشكال الاخرى.
ترتكز الايديولوجية الترودونية على نظرية العفوية .وهذه النظرية من حيث كونها نظرية انتهازية تعتمد على عفوية تطور الحركة العمالية وقد قال لينين:"ان الحركة العمالية العفوية هي الترودونيونية وبعبارة اخرى فالترودونيونية هي بالضبط استعباد البرجوازية للعمال"(6) واذا تعلن الترودونيونات البريطانية تمسكها بالمبدأ الذي "يحجر ممارسة كل شكل سياسي داخل اتحاداتها فانها تواصل بذلك حصر نشاطها في اطار ضيق وحيد هو اطار المطالب الاقتصادية في حين يتولى حزب العمال معالجة المسائل ذات الطابع "السياسي" هذا الحزب الذي لم يكن في اصله الا نتاجا للحركة النقابية المتبرجزة والناطق الرسمي باسمها في البرلمان.
لقد كانت الترودونيونات البريطانية في البداية تمثل مرحلة من مراحل تطور الطبقة العاملة التي لم تكن لها فيها الا تجربة ضعيفة ولم تكن فيها الا في خطواتها الاولى.واذا كان ظهور الترودونيونات في تلك الفترة ظاهرة تقدمية في تاريخ الحركة العمالية فان الترودونيونية انقلبت الى تيار انتهازي داخل الحركة النقابية يلعب دورا سلبيا."
(من كتاب : خطان متقابلان صلب الحركة النقابية العالمية- فيليب كوتا )

الترودوينية في تونس او الحياد النقابي

خاض الشيوعييون صراعا لاهوادة فيه ضد "الحياد النقابي-النقابوية" منذ بداية السبعينات من القرن الماضي وقدموا تجربة لايستهان بها في فضح طبيعة هذا الانحراف الاقتصادوي وكيفية التصدي له ويشهد التراث الماركسي اللينيني الماوي على ذلك وهو تراث تمكن حتى من التواجد في جريدة الشعب لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل لما كان يحمله من دروس حول مفهوم العمل النقابي وعلاقته بالتحرر الوطني فقد وقع نشر تاريخ الحركة النقابية من وجهة نظر ماركسية على غرار تجربة محمد علي الحامي والقناوي وحشاد والنصوص حول الاضراب كسلاح لابد من احكام استعماله والنصوص حول المفاوضات والعقد الاجتماعي والمواثيق الوطنية واستقلالية النشاط النقابي عن الحزب الحاكم وديمقراطية العلاقات صلب الهياكل مع نقد البيروقراطية النقابية وقضية الوحدة النقابية وكذلك حول الحياد النقابي...
فمن يمثل الحياد النقابي؟
البيروقراطية اولا وثانيا كل العناصر النقابوية المنتمية الى كل الاطراف المسماة وطنية ديمقراطية من جهة والاطراف الاصلاحية (المتواجدة حاليا صلب الجبهة "الشعبية")
وعرف هذا التيار الاقتصادوي عدة تمظهرات- لاتختلف في جوهرها عن الترودونية الاصلية- نذكر اهمها :
-التظاهر بفصل النقابي عن السياسي: نقول "التظاهر" لان الحياد النقابي يربط-في الحقيقة- نشاطه اساسا بما تسمح به القوانين السائدة وينخرط بالتالي-وإن بطرق ملتوية-في سياسة النظام اللاوطنية ثم يبرر مواقفه بعشرات الحجج الواهية نذكر منها:
- ضرورة احترام النظام الداخلي للمنظمة وعدم معاداة المكتب التنفيذي خوفا من لجنة النظام ومن فقدان موقعه النقابي.
- احترام قانون المؤسسة التي يشتغل بها وقانون البلاد عامة والتصرف كطرف اجتماعي مسؤول قادر على التفاوض مع مدير المؤسسة او العرف عند الضرورة.
-التنسيق المباشر مع البيروقراطية واعتماد المزايدة الثورية مع القواعد والالتزام في النهاية بموقف المكتب التنفيذي.
-مراعاة محدودية تجربة القواعد وعدم القفز على وعيها وخاصة عدم تسييسها لانها تخاف من السياسة وتنفر من السياسيين لذلك وجب الالتزام بالمطالب الانية وبتحسين وضعها في المؤسسة لاغير. وبذلك يمرر النقابوي نظرية الحياد المغشوشة ويطبق حرفيا دعاية النظام السائد التي تروج شعار "لادخل للنقابة في العمل السياسي"
- محتوى النشاط النقابي
-الاكتفاء بتسجيل المشاكل المهنية في المؤسسة والامتناع عن ربط المشاكل الجزئية بالسياسة العامة اللاشعبية المتبعة.
- تجميد العمل النقابي اليومي وعدم السعي الى افتكاك حق الاجتماع وحق الاعلام المسموح به وحتى حق التعليق في الركن النقابي المخصص للغرض والتحرك اساسا في المناسبات التي تفرضه البيروقراطية مثل بعض الاضرابات او انتخابات النقابات الاساسية...بحيث يتحول الحيادي الى عفريت لضمان فوز قائمته المزكاة من قبل البيروقراطية فيسهر الليالي ليتصل بكل المنخرطين دون استثناء ويعتمد كل الاساليب لتجميع الاصوات: قارورة خمر لهذا ارشاء الاخر ووعد بتقديم الخدمات للبعض(نقلة مهنية- منحة جامعية للابناء...) او الضعط على المعارضين بشتى الوسائل كذلك لاجبارهم على الحياد على الاقل حتى يضمن اغلبية الاصوات.
- الكذب والنفاق خاصة ازاء العناصر الشيوعية والتظاهر بمساندة اطروحاتها ثم الوشاية بها لدى البيروقراطية والتشهير بها لدى القواعد.
- اعتماد التثقيف النقابي خدمة للبيروقراطية وتطبيقا للقانون الجاري به العمل والتصدي للبيانات الشيوعية وإن كانت صادرة عن المعارضة النقابية الثورية ومتعلقة بالنشاط النقابي المناضل.
- التمعش من العمل النقابي بحيث يستغل المسؤول النقابي موقعه لفعل مايشاء :يغيب عن العمل, يرابط بمقهى المؤسسة ويتحوّل الى جهاز استعلامات لجمع المعلومات حول المعارضين ومدها لمدير المؤسسة او للبيروقراطية وإن تمتع بالتفرغ النقابي فيعقد الصفقات تحت الطاولة وينخرط في صراع الكتل في المؤسسة او الحقل النقابي وهو صراع يعكس صراع الاطراف السياسية الماسكة بالسلطة.
ودون اطالة نقول ان النقابوية داء عضال خرّب الحركة النقابية وساهم مباشرة في الوشاية بالعناصر الشيوعية وتلفيق التهم ضدها من اجل عزلها او حتى محاكمتها وهو الممثل المقنع للسلطة في الحركة النقابية وجب محاربته وكشفه لدى اوسع القواعد العمالية.
لنكشف حقيقة النقابة المساهمة ولنجسد مفهوم النقابة المناضلة
محمد علي الماوي
تونس 6 جويلية 2016