الماركسية وطابع المرحلة


عادل احمد
2016 / 7 / 4 - 00:09     

ان تأريخ نضال الحركة العمالية خلال القرنين المنصرمين، مليء بالتجارب والدروس والاثباتات والتي تبين بوضوح الاوقات التي تكون فيها الطبقة العاملة تتسم بالقوة ولا تقهر، وكذلك الضعف الشديد والتي لايمكن لها فيها حتى رفع رأسها. على الرغم من وجود الاحتجاجات العمالية باستمرار منذ وجود العمال وحتى اليوم، ولكن الحركة العمالية مرت بأنعطافات وتقلبات عديدة ومتنوعة حسب الظروف السياسية ودرجات النمو في علاقات الانتاج الاجتماعية. ففي زمن الثورات البرجوازية في القرن التاسع عشر وأنهاء النظام الاقطاعي في القارة الاوروبية، اتسمت الحركة العمالية بقوة نتيجة نشوء الحركة الشيوعية في داخلها وخاصة في فرنسا والمانيا. اكتسبت الطبقة العاملة القوة نتيجة قيادة الشيوعية وتأثيراتها على المجتمع برمته حتى قبل ظهور الماركسية. على الرغم من عدم اكتمال هذه الشيوعية من الناحية النظرية والتي ظهرت نتيجة نشوء عمال المدن بأستمرار وتطور سريع في علاقات ووسائل الانتاج الرأسمالي، ولكن كان لها القدرة على التأثير على الطبقة العاملة ونضالها اليومي. ولكن مع ظهور الماركسية والنقد العلمي للنظام البرجوازي والتي ظهرت كنظرية علمية ومنسجمة من الناحية السياسية والفلسفية والاقتصادية، من قبل اكبر مفكري عصرنا كارل ماركس وفريدريك انجلس، والذين انتقدوا ما هو كائن على الارض وفي السماء وانتقدوا كل ما هو كان مقدس، حتى ذلك اليوم من علاقات الانتاج وصلتها الاجتماعية وروابط الانسان مع مع بعضهم البعض والعواطف والقوانين والحكم والعائلة والاديان والملوك والامراء و..الخ. ان هذا النقد الماركسي ظهر كقوة بحيث لم يكن بأستطاعت الديمقراطيات البرجوازية تحمله، ولم يكن أمام البورجوازية غير منع العمل الشيوعي علنا، وحاولو منع التظاهرات العمالية واغلقت الصحف والجرائد العمالية والشيوعية ومنعوا انتشارها، وطردوا القادة الشيوعيين في بلدانهم او سجنوا نتيجة نشاطاتهم حتى كارل ماركس تم نفيه الى بلجيكا ومن ثم الى فرنسا واستقرت اخيرا في انكلترا.
ان الماركسية لم تتوقف فقط بتوسيع وانتشار نقدها ونظريتها المنسجمة وانما تحولت الى الميدان العملي والنشاط السياسي، ان تأسيس عصبة الشيوعيين والاممية الاولى كان نقطة شروع الماركسية لتغير العالم من قبل الطبقة الطليعية الوحيدة القادرة على حمل هذه الرسالة اي الطبقة العاملة. ان رفع الطبقة العاملة راية الماركسية اعطت لهذه الطبقة القوة، ليس فقط من اجل الاصلاحات وتحسين الحياة وانما محاولة من اجل القضاء على كل اشكال الاضطهاد والمعانات، التي سببتها الانظمة الطبقية السابقة والحالية للبرجوازية. اصبحت الماركسية الراية والافق السياسي والنظري للحركة العمالية في جميع أنحاء العالم، واندلعت الثورات مستلهمة من هذه الراية جزئيا كما في كمونة باريس في الربع الاخير من القرن التاسع عشر وكليا في الثورتين الروسية والالمانية في بداية القرن العشرين. ومنذ أن حملت الطبقة العاملة الماركسية كراية في نضالها استمدت القوة منها في مواجهة التحديات والانعطافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ان التحزب الشيوعي والراية الماركسية كانت دوما من اهم نقاط قوة نضال الطبقة العاملة في كل تاريخها، والعكس صحيح ايضا ان عدم التحزب وضعف الشيوعية والماركسية هي من اهم نقاط ضعف نضال الطبقة العاملة في كل تاريخها.
ان الحركة العمالية مهما كانت قوية، بدون الشيوعية والماركسية ليس بأمكانها الخروج من نمط النظال الاصلاحي، وليس بمقدورها أن تحول المجتمع تحولا ثوريا في كل الانعطافات السياسية. انظروا الى الحركة العمالية في اوروبا وامريكا الشمالية وانظروا الى الاتحادات العملاقة للعمال في هذه الدول، وانظروا الى احتجاجاتهم وتظاهراتهم المليونية وانظروا الى امكاناتهم المالية والقدرة التنظيمية بحيث تؤثر احيانا على مجمل الانتخابات الديمقراطية في هذه الدول، ولكنها تفتقر الى قيادة الطبقة العاملة نحو السلطة السياسية حتى وان لم تكن شيوعية!. ان الماركسية هي الرؤية لعالم اخر مختلف عن هذا العالم البرجوازي، حيث الاضطهاد والفقر والحروب وعدم المساواة وعالم الفوضى وانعدام الامان هي من ملامحه الاساسية. الماركسية هي الرؤية التي تنظر الى العالم بوجود الانسان وارادته ومن اجل مصلحة الانسان من منافع المنتجين الاصليين في المجتمع والتي تخلق كل الثروة اي الطبقة العاملة. ان الراسمالية تقود العالم نحو الربح والربح ومن ثم الربح اي كل شيء من اجل الربح والرأسمال. وان تقسيم العمل في الرأسمالية هي بين من يخلق الثروة والرأسمال وبين صاحب هذا الرأسمال المخلوق وهي في تناقض مستمر. وتخلق الحروب والمنافسات السياسية فيما بينهم وتسوق الملايين يوميا الى معسكرات الاشغال الشاقة والحرمان من اجل أدامة الرأسمال فقط. بينما ترى الماركسية العكس من هذا العالم المقلوب وانما يرى الانسان بكل قيافته وكل استعداداته لخلق الثروة للانسان نفسه ومن مصلحة الانسان ومكانته. الماركسية ترى العالم بمنظار اخر بعيد عن الربح والانانية، تراه عالم المساواة والعدالة الاجتماعية.
ان قوة الطبقة العاملة في تنظيمها. ولكن تنظيم الطبقة العاملة وقوتها في التغير نفسه وتغير العالم مرهون بتنظيم وتحزب العمال ورفع الراية الماركسية لحركتهم. الحركة العمالية بدون الماركسية تعني عدم رؤية الجانب الاخر والمضيء من العالم المخالف للعالم الرأسمالي بصورة واضحة وصحيحة، تعني عدم رؤية العالم من منظورالمنتجين الاصليين وامالهم واهدافهم الانسانية. ان احدى اهم خصائص المرحلة الحالية للحركة العمالية في العالم هي ضعف الشيوعية وعدم رفع الماركسية كراية للنضال الطبقي. هذا لا يعني أن ليس هنالك حركة شيوعية داخل الطبقة العاملة، او ليس هناك اعتبار للماركسية كتيار مضاد للرأسمالية؟ وانما يعني الشيوعية ليس هي من تقود الحركة العمالية العالمية وليس هنالك قيادة ماركسية تواجه مفكري ومتخصصي الفكر البرجوازي المعاصر في جميع الميادين، كما كان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. نحن نفتقر الى هذه القيادة الماركسية على الرغم من احياء الماركسية ونقدها في عصرنا من قبل منصور حكمت ونظرياته، ولكن لم يكن بمستوى القيادة العمالية العالمية او لم تبلغ تأثيراته بهذا المستوى، على الرغم من أن منصور حمكت قفز بالشيوعية في المنطقة الى مستوى اسلافه، ولكن في زمن مغاير تماما اي بعد انهيار الاشتراكية البرجوازية والهجوم العالمي للبرجوازية على الماركسية وافاقها الانسانية. ان تأمين القيادة الماركسية لحركتنا وترجمتها الى الواقع العملي سيمكن الطبقة العاملة العبور الى مرحلة اخرى من النضال الطبقي.