كلمات على شفاه الزمن، أوحتها نواقيس الأول من آيار


كامل كاظم علي العضاض
2016 / 4 / 30 - 02:05     

كلمات على شفاه الزمن
أوحتها نواقيس الأول من آيار
د. كامل العضاض
الزمن يمضي وما من قوة في الأرض توقفه، حتى ولو لومضة واحدة. الزمن يزحف، بل يندلق، كسيل لا سبيل لإبطائه ولا لحساب مسافاته، إذ في الوقت الذي تنتهي من حساب ساعاته أو ايامه أو شهوره او سنواته، يكون قد قطع مسافة زمنية إضافية ! فمن غرائبه أنه يبدو متكاسلا ومقيما راكدا لبعضنا السادر، وخاطفا بسرعة البرق لبعضنا النادر ! وفي كل الأحوال، فهو يمضي، وما عداه يتقادم ويضعف ويتهاوى، واخيرا يتلاشى. وثمة من يولد لينمو من جديد، ولكن ليهرم ثم يتلاشى أيضا، وهكذا بمتواليات أزلية، كما تبدو !
وحين تسمع أجراس نواقيس الأول من آيار من كل عام، تتسائل، كيف السبيل لإنجاز سيرورة الحياة، بلا أحزان ولا ظلم ولا جوع ولا حرمان ولا إستلاب ولا إمتهان لكل شغيلة وكادح، بل ولكل إنسان نائح، في بشرية تزداد رخاءا، كما تزداد بؤسا وفقرا وحرمانا وكراهيات ؟! ولكن الزمن سيظل يواصل مضييه، هادرا عابرا، لا يوقفه حزن ولا ألم ولا كوارث ولا عذاب، انه ماض، ونحن زائلون، لا محالة.
في حساب العلم، حتى الزمن نسبي، فالعلاقة بين السرعة ومساحة المكان تختزل الزمن حسب زخم السرعة وثبات المسافة، ولكنها لا تطيل الحياة؛ ذلك لأن الزمن مقياس يتأسس على أساس العلاقة ما بين المكان والمكان عبر فضاء لا حدود له. أما حياة المرء والناس جميعا، فهي مرهونة بمقدار دوامها بعوامل بيولوجية، وحالما تتعطل هذه العوامل أو بعضها عن العمل، تنطفأ الحياة، بغض النظر عن مقياس الزمن. أي أن عمر الحياة مرهون بشروطها البايولوجية وليس الزمنية. وتتاثر الفسحة الزمنية لصحة العوامل البايولوجية، بمقدار الحرمان والعوز والإستلاب الذي يسببه المتنفذ والمستغل والمستحوذ على المال والسلطة، فبقدر ما يكون العدل مفقودا، بقدر ما يُستلب الفقراء حتى في وجودهم البايولوجي ! أي ان عمر الحياة مرهون بشروطها البايولوجية، (وهذه الأخيرة تشمل العوامل النفسية)، وليس الزمنية فقط، ولكن تعطل هذه الشروط يستغرق لذاته زمنا يطول أو يقصر !
فلا سبيل إذا، لوقف الزمن، اي لوقف الموت الآتي ! وتقول لنا الأجراس بأن السبيل هو أن نوظّف كل لحظة نعيشها من أجل إزالة الأحزان، ولرفع الظلم، ولتوفير القوت للجياع، ولإيقاف الإستلاب والإمتهان لكرامة الإنسان، وبذلك نعيد للحياة ملك الحياة ومعناها ! عند ذاك سوف لا نخشى الزمن الآتي، فليأت، فنحن، حينذاك، سنكون جاهزين، لأن اطفالنا كبروا وعاشوا بكرامة، ونحن سنغمض العيون سعداء بلقاء رب الكون بضمير مستريح.

د. كامل العضاض
مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة.
30/4/2016