التجربة والدروس في ذكرى احتلال العراق!


عادل احمد
2016 / 4 / 11 - 00:22     

تمر هذه الايام الذكرى 13 لاحتلال العراق من قبل امريكا وبريطانيا. وان الرجوع الى كل هذه السنوات من بعد الاحتلال، نرى بأن تغيرا جوهريا كبيرا قد حصل في العراق والمنطقة وامتد حتى هذا اليوم. ومن واجب الطبقة العاملة استنتاج دروس من تجربة هذا التغير وهذا النوع من السياسة في يومنا هذا. وكذلك الدروس والتجارب من زاوية المنافع الطبقية والعمالية ومن زاوية حقانية الماركسية والصراع الطبقي في المجتمع.
ان الرجوع الى الايام الاولى قبل الحرب والتي طبلت فيها امريكا وبريطانيا بضرورة زوال الانظمة الديكتاتورية في المنطقة وخاصة حزب البعث وصدام حسين من الحكم. وبشروا بأقامة ونشر الانظمة الديمقراطية في المنطقة بعد رحيل البعث ونظامه الدموي، ووعدوا بأعادة الحرية والسعادة والرفاه الى العراق والمنطقة والتي حرم منها الناس طوال كل تاريخ هذه الانظمة الديكتاتورية. الدعاية الامريكية لنشر الديمقراطية في المنطقة لم يجد وقتها اذان صاغية في الغرب وحتى من قبل اصدقاء امريكا في العالم، لكن جميع القوى والاحزاب البرجوازية المعراضة لنظام البعث انذاك من الاسلاميين الشيعة والسنة والقوميين المعتدلين والمعارضة الكردية جميعها أصطفت مع الدعاية الامريكية، وانتهزوا الفرصة لاقامة الصداقة مع امريكا كزعيم منقذ لهم وتجمعوا في مؤتمر لندن في نوفمبر من عام 2002 لتوزيع الادوار. وفي نفس الوقت كانت الطبقة العاملة والقوى التحررية والانسانية في العالم تحضر وتهيء قواتها لمواجهة السياسة الامريكية ونوياه الشرسة والدموية في المنطقة وشكلوا منظمات وهيئات المناهضة لهذا الحرب.
وعلى الرغم من التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية المليونية في شوارع لندن وواشنطن ونيويورك وباريس واكثرية عواصم بلدان العالم ضد الحرب والاحتلال، فقد اندلع القتال والحرب الغير متجانسة بين العراق وجيشه الجائع مع اكبر قوة عسكرية في العالم من امريكا وبريطانيا. وقد سقط نظام البعث في غضون اسابيع وهربت كل القيادات البعثية وتم ألقاء القبض على أكثريتهم فيما بعد وتم تصفيتهم لاحقا. امريكا عينت جاي غارنر كرئيس مؤقت للدولة المحتلة ومن بعده بول بريمر كرئيس تنفيذي للقوة المحتلة من اجل تحويل سلطتها الى الاحزاب والميليشيات الاسلامية والقومية والطائفية. ولم تمر سنة حتى بدأ الاقتتال الداخلي بين الطوائف المصطنعة العراقية "الشيعية والسنية"، والعربية والكردية والتركمانية في المناطق المتنازع عليها فيما بينهم. وظهرت من خلال هذه الوضعية القومية والطائفية تيارات اسلامية متشددة امثال القاعدة وداعش وجيش المهدي وعصائب اهل الحق ولا يمر يوم الا بسفك دماء العشرات بيد هذه العصابات الحاكمة والغير الحاكمة.
بعد كل هذه السنوات لم يرى العراق استقرارا حتى وليوم واحد ولم يشهد العراق تحسن غير القتال والحرب والجوع وانعدام الامان، ولم يمر يوما بغير الهجوم على المرأة وحياتها وجعلها اسيرة البيت وفقدان كل صفاتها الانسانية وتعرضها للاغتصاب والضرب والاهانة بيد الجماعات الاسلامية.. ولم يمر يوما لن تبكي فيه الامهات لفقدان فلذات اكبادهن واحبائهن، ولم يمر يوما لن يبكي الاطفال جراء فقدان ابائهم وفقرهم المدقع وفقدان ابتساماتهم من جراء الحرب والاقتتال.. ولم يمر يوما على اي انسان عراقي من الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومة ان نامت نوما مريحا ولن يفكر بالف مشكلة ومشكلة، لم يمر يوم دون أن يفكروا بصرف رواتبهم ومستحقاتهم ومشاكل البطالة واعالة عوائلهم.. ولن يمر يوما لا نسمع فيه اصوات القنابل والصواريخ والعبوات المفخخة بدل الموسيقى والاغاني الفرح.. ولن نسمع يوما الا البكاء ولن نشاهد في وجوه الناس الا اليأس والحزن وانعدام الافاق.. ان هذه الصورة هي الصورة الحقيقية للمجتمع العراقي بعد الاحتلال، والتي وعد بها جورج بوش قبل 72 ساعة من بدء حربه على العراق بأقامة الجنة وطليعة الديمقراطية في العراق. ان ليس العراق وحده حرق ودمر من وراء السياسات الامريكية بل وامتد الدمار وعدم الأستقرار السياسي والأقتصادي الى المنطقة برمتها..
وان لهذه الوضعية في المنطقة لها اثر كبير على الحركة العمالية والنضال الطبقي. فقد تراجعت الحركة العمالية وتأثيراتها على المجتمع وتضائلت الافاق العمالية والانسانية لحلولها من جراء الوحشية والبربرية الموجودة في المنطقة. وفقدت الطبقة العاملة والجماهير المحرومة كل ارادتها وسلمت نفسها لسياسات البرجوازية الرجعية وخدعت بأفاق البرجوازية وحركاتها الاجتماعية. ورأت الطبقة العاملة نفسها في مأزق من جراء الخداع البرجوازية لهم بوعود تبديل الديكتاتورية بنظام ديمقراطي بشرط السكين الامريكي. كذلك تخدع يوميا بأصلاحات الطبقات الحاكمة وبوعود المالكيين والعباديين وتخدع بتضاهرات الصدريين والتي ليس فيها شيئا الا تشديد القيود والاغلال على رقاب الطبقة العاملة والجماهير المحرومة. وينزلق المجتمع يوما بعد يوم نحو المستنقع الطائفي والقومي في العراق والمنطقة برمتها.
ان اول درس علينا ان نتعلمه من هذه التجربة المريرة هو يجب ان نقف بجانب حركة الطبقة العاملة العالمية، وان ننظر الى الامور من زاوية الطبقية العالمية وليس من منظور محلي وقومي لجميع الامور وخاصة ما يتعلق بسياسات الدول الكبرى وسياسات الدول الاقليمية والتي لها ابعاد عالمية ايضا. ان التخلص من الديكتاتورية في العراق هو شأن الطبقة العاملة العراقية وليس حكومات الدول الاخرى. وهذا ما يتطلب الدعم والتضامن الاممي للطبقة العاملة العالمية وليس الحكومات البرجوازية للامم الاخرى. ومن ثم هناك بديهية بأن كل طبقة تركض وراء مصالحها الطبقية، فأن البرجوازية المحلية في العراق ركضت سريعا نحو النداء الامريكي وربطت مصالحها مع مصالح صواريخ كروز والدبابات والطائرات الامريكية، وكان من المفروض ان تربط الطبقة العاملة العراقية مصالحها مع الاحتجاجات والتظاهرات العمالية في العواصم العالمية وان لا تنخدع بسياسات الامبريالية الامريكية وشركائها. وهناك درس اخر علينا ان نعمق النظر فيه وهو الاعتماد على ارادتنا الطبقية في اي تغير في المجتمع. يجب ان نقف بوجه اية سياسة تؤدي الى تحطيم ارادتنا ايا كان مصدرها، سواء من اليسار اللاعمالي او من الطبقة البرجوازية نفسها. يجب ان ننظر الى جميع الامور في كل الاوقات من منظور قوة ارادة طبقتنا ومن مصالح طبقتنا فقط، ومن منظور الصراع الطبقي الموجود في المجتمع. ان من ينظر الى قوة خارجة عن طبقته من اجل الخلاص، يقوم بتشديد الاغلال والقيود على اعناقه بيده. وان الخلاص من الماسي والويلات والعبودية هي من صنع الطبقة العاملة نفسها لا غيرها، وهذا ما تعلمناه من الاحتلال العراق.