ملاحظة حول تجدد الاحتجاجات المطالبة بالعمل في تونس


احمد عبد الستار
2016 / 1 / 24 - 22:00     

لا شيء تغير في حياة التونسيين منذ انطلاق الاحتجاجات الاولى عام 2010 وحتى الان، الاوضاع المعيشية الصعبة لا زالت نفسها والبطالة منتشرة بنسبة اكبر مما سبق، ولازالت نفس المطالب يرددها الشباب العاطل عن العمل، مطالبين بالعمل وتحسين الاوضاع المعيشية، وتكاد تتطابق أوجه الشبه للاحتجاجات الحالية مع الاحتجاجات لما عرف بالثورة التونسية عام 2010، سواء اكانت بالأسباب او بالطريقة، مثل اقدام الشاب محمد بوعزيزي بإضرام النار بنفسه احتجاجا لما لاقاه من قساوة واهانة، ادت هذه الحادثة فيما بعد بإشعال فتيل الغليان العارم في كل ارجاء تونس واسقاط حكومة بن علي وهروبه للسعودية، كذلك هو الحال بمصرع شاب اخر بمدينة القصرين بنفس طريقة بوعزيزي واشتعال الغليان مجددا وانتشاره بسرعة في مدن عديدة وصولا حتى للعاصمة قبل ايام معدودة.
الاوضاع المعيشية المتردية في تونس والبطالة بين الشباب باقية في نفس مستوياتها، بل اسوء مما كانت عليه زمن حكومة بن علي، بسبب الحمل الاضافي لتداعيات الازمة الاقتصادية العالمية وانعكاسها على الاقتصاد التونسي الضعيف، رغم تغير نظام الحكم الى الديمقراطية ورغم الاشادة العالمية لسلمية وسلاسة انتقال السلطة وتوجهها الديمقراطي ومنح جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار الوطني التي رعت الحوار الوطني الديمقراطي وتفادي نشوب ازمة سلطة في تونس، لم يتحقق شيء من حلم الشباب الذين واجهوا الاستبداد والقمع المميت، بمستقبل افضل لطالما كانت انظارهم ترنو اليه، ولم يستجب احد لشعاراتهم التي رفعوها شغل حرية كرامة وطنية او المطالبة بالعمل كحق طبيعي على السلطات تلبيته، واي حق طبيعي والسلطة بيد البرجوازية تتداول بين احزابها ديمقراطيا، والطبيعي للأقوى كما برهن على ذلك بجلاء عالم الطبيعيات الكبير "دارون".
الملاحظ بقمع الاحتجاجات التي ما فتأت تتواصل في تونس منذ خمس سنوات، إنها كانت قمعية اكثر واشد عنفا، لا لسبب إلا لكون الحكومات المتتالية بعد بن علي تدعي انها ديمقراطية وتحظى بدعم ورضى الامبريالية العالمية، وعليه تكون صاحبة الحق الطبيعي بفرض سلطتها على العمال والعاطلين عن العمل وغالبية الجماهير الفقيرة، المطالبة ايضا بحقها الطبيعي بالعمل وتحسين اوضاعها المعيشية، فرض سلطتها بالاستبداد المطلق وفرض الامر الواقع من خلال القوة، ربما تزعج مطالبات العمال والعاطلين واحتجاجاتهم المتواصلة، الحكومة التونسية واوربا وامريكا، ومن المحتمل ان الاخيرين سوف يقومون بعقوبة الجماهير التونسية المحتجة على اوضاعها المعيشية وافساد برامجها وخططها، بإدخال داعش اليهم من ليبيا القريبة واحراق تونس الخضراء بيابسها اذا ما سنحت الفرصة لذلك.
تجدد الاحتجاجات في تونس هي رسالة للعالم، بأن الطبقة العاملة موجودة ولا تتردد بالمطالبة بحقوقها ولا شيء يردعها عن ذلك، رسالة موجهة للإمبريالية والحكومات البرجوازية، بأنها ليس بمنأى من الغضب الجماهيري وان الاخيرة قادرة على هزيمة وجرف كل يعترض طريقها، كما حصل مع حكومة بن علي، ويحصل اليوم، فالأخبار تفيد بأن محتجين غاضبين يحاولون اقتحام مراكز الامن ومؤسسات الحكومة وغيرها من امثلة للبسالة في مواجهة القمع البوليسي، ورسالة بالأخص للشيوعيين الذين تهدف نظريتهم الثورية الى تغيير العالم، يجب علينا كشيوعيين ان نزود هذا النضال وهذه الاحتجاجات المتواصلة في تونس او في اي مكان بالعالم، بالشعار الحقيقي للنضال العمالي بالقضاء النهائي على كل استغلال طبقي وكل ظلم، فالهدف من كل نضال عمالي هو بشكل عام ضد رأس المال والاستثمار الرأسمالي للعمال، يجب على الحركة العمالية ان تدرك ذلك بوعي تام، لكي لا تخسر في كل مرة صراعها مع الرأسمالية وتتراجع.
كما اوضح ماركس في رسالته لصديقه "روغه" عام 1843.. "نحن لا نقول للعالم (كف عن النضال، فكل نضالك باطل) انما نعطيه الشعار الحقيقي للنضال. انما نبين له فقط في سبيل أي غرض يناضل، والحال، ان الوعي لأمر يجب ان يكسبه العالم شاء ام ابى"...
يشير ماركس برسالته هذه بشكل لا لبس فيه الى اهمية دور الوعي، بالصراعات الاجتماعية التي يخوضها العمال لتحقيق مطالبهم وحاجاتهم، الوعي الذي يقصده ماركس ولا شك، هو وعي بالتاريخ والواقع الاجتماعي، يجب ان يكون علما يتميز به النضال العمالي، وإلا ما الجدوى من النضال والاحتجاجات المتواصلة دون الوعي بالضرورة التاريخية، لسيرورة المجتمع الانساني المعاصر، القائم على الصراع الطبقي، والسلطة البرجوازية التي لا يمكن ان تحقق وجودها الكافي إلا بخلق عالم مقلوب رأسا على عقب بمنظومة فوقية كاملة من الخرافات والاكاذيب، ولهدم سلطة البرجوازية اينما كانت، هو ان يعي العمال حياتهم الواقعية المقلوبة تحت ظل سلطة البرجوازية، وان يمنحوا نضالهم الشعار الحقيقي الهادف للتحقيق العملي بإعادة وجودهم الاجتماعي على قدميه.
النضالات والاحتجاجات الرائعة التي تتجدد دائما بوجه الخصوص في تونس الان، تعترينا الخشية من دخولها في دوامة جديدة من المسكنات والاصلاحات الشكلية لمطالب الشباب بالعمل وتحسين مستوى المعيشة العام، كان هذا الامر واضحا من جواب رئيس الوزراء التونسي، بأن الحكومة التونسية لا تملك عصى سحرية لإصلاح الاوضاع الاقتصادية في القصرين، ردا على المحتجين هناك، يشكل هذا الكلام تهربا واضحا من المسؤولية تجاه المطالب المتكررة لجماهير العمال والشباب العاطلين عن العمل، يقصد من ورائها طلب هدنة لإعادة ترتيب الاوضاع الى نصابها السابق، وبنفس الوقت هي اللا مبالاة التي يتصف بها البرجوازي غير المسؤول،سوى لوجوده كبرجوازي يدفع لتهميش الاخرين، ليكسب سلطته بداهة ابدية.
لكن هذا الابدية لسلطة البرجوازي لا تنفع الطبقة العاملة في تونس، بالجهة المقابلة في المجتمع، فالأخيرة ترتقي عبر نضالها اليومي وخبرات تجاربها لتكتسب يوما ما بشكل محتم، الوعي للتحقيق العملي الناجز لحاجاتها، عبر كل اشكال النضال الذي بدأته منذ اعوام.