الحركه العماليه الفلسطينية :بين الواقع والدور المنتظر (3-3)


محمود خليفه
2016 / 1 / 21 - 21:35     

ومع نهاية سنوات الانتفاضه الوطنية الكبرى ،بدايات التسعينيات ،وبدء مفاوضات مدريد العربيه الاسرائيليه برعاية وشروط بيكر الامريكيه ،وبدء مرحلة اوسلو وقيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المنقوص .وفي ظل حالة الضعف والانهاك الذي وقع على الحركه العمالية الفلسطينية داخل الوطن في الضفة وغزه ،نتيجة القمع وسياسة القبضه الحديدية الاسرائيلية ،ومن جراء الانقسام والشرذمة وغياب البرامج النقابية وضعف التكوين البنيوي .دخلت الحركه العمالية الفلسطينية مرحلتها الجديده ،مرحلة اوسلووقيام السلطة الفلسطينية وما رافق هذه المرحلة من مستجدات وتبعات مختلفة عما كان الحال عليه في فترات اخرى سابقه .المرحلة الجديدة نقلت الحركه العمالية من طور كانت فيه اداة نضال وعمل وطني واجتماعي ومجابه لتدابير واجراءات الاحتلال ،سواء كان هذا داخل الوطن ومواجهة الاحتلال مباشرة ،او خارج الوطن والمشاركة في الدفاع عن الشعب والثورة وحماية منظمة التحرير من مؤامرات ومخططات التصفية المتعددة الاشكال والوجوه والمستويات .
نقلت مرحلة اوسلو الحركه العماليه الفلسطينية الى مستوى جديد من المشكلات والتحديات لم تكن تعهدها من قبل .فاندفع الكثير من القادة النقابيين والمناضلين العماليين الى الوظائف الرسمية المدنية وغير المدنية العليا في السلطة وفي اجهزتها المختلفه .وتحولت اهتماماتهم من النضال النقابي والوطني الى صراع على امتيازات السلطة ومكاسبها والى الغرق في الشؤون الاادارية للوظائف التي جمعوها مع مسؤولياتهم النقابية والعمالية ،وما ادى عمليا الى تجميد العمل العمالي وحل الهياكل النقابية العمالية التي كانت قائمه في حينها وتحولت الهياكل القيادية الى واجهات ادارية يختفي خلفها عدد من الاشخاص وتتراسل مع نظيراتها العربية والدولية ،وتعلن لمرجعياتها السياسية والوطنية انها موجودة وبحاجة الى الموازنات والاستحقاقات والحصص .
وترتب على الوضع الجديد حالة مستجدة ومفتعلة من الصراع والتعارض الداخلي في صفوف الحركة العمالية ،بين ما يمكن ان يطلق عليه صراع بين جناحي الحركة العمالية من داخل الوطن ومن خارجه .وبدات بذور الانقسام والشرذمة العمالية في التعمق والتوسع ،وترتب على هذا محاذير ومخاطر مست الوحدة المقدسة للحركة الوطنية والعمالية كجزء مكون لها .وبدا الحديث علنا عن التخلي عن الاطر والتنظيمات النقابية والعمالية في الخارج ،واعتماد دائرة تنظيمية ملحقة باحد اقسام الاتحاد داخل الوطن لقيادة وادارة شؤون عمال الخارج ،مقابل نزعة متطرفة وخاطئة اخرى مقابله مفادها الحاق ما كان في الوطن من اطر عمالية في الاتحاد الام وبشكل الحاقي وبيروقراطي ودون مراعاة للاهمية ولمركز الثقل العمالي وللادوار الوطنية والنقابية التي يجب ان يلعبها العمال في الظرف والمرحلة الجديده
وقد تعمق وتوسع التعارض في اوساط االعمال مدفوعا بشكل رئيسي من القيادة النقابية المتنفذة ومحكوما بالمصالح والنزعات الزعاماتية الفردية ومصالح التفرد والاستحواذ وتبع ذلك الكثير من اشكال التعبئة والتحريض المتبادل وبما وصل الى تمزيق الاتحادين العماليين القائمين الى خمسة اتحادات منقسمه على نفسها ومتصارعه على المصالح الفئوية والذاتية ومن خلف ظهور العمال دون العودة لهيئة او هيئات او مؤتمر او مجلس عمالي لحسم الخلافات او ايجاد حلول ممكنة لها .....
تعمق الشرخ العمالي الفلسطيني بعد اوسلو ،بصراع من نوع جديد باطنه صراع على المصالح والمنافع الذاتية والفردية ومراكز القوى والنفوذ ،وظاهره وغطائه سياسي على العلاقة مع الهستدروت والتطبيع،وعلى حقوق العاملين في سوق العمل الاسرائيلي والاستقطاعات اللصوصية المنهوبة منهم على ايدي الهستدروت والقطاع الخاص الاسرائيلي المشغل لهؤلاء العمال ،فاندفع الاتحاد العام لنقابات العمال وهو الاطار العمالي الرسمي الموحد للاطر والمنظمات العمالية لكتلة الوحدة العمالية وجبهة العمل والكتله التقدمية وكتلة الشبيبه العمالية ،والتي التقت وتوحدت قبل البدء بتنفيذ اتفاقات اوسلو للمرحله الانتقالية بقليل وفيما عرف في حينها باتفاق عمان الموقع والمكتوب بين الكتل الاربعة هذه .....وفي هذه الخطوه دخل الهستدروت على خط الخلاف الداخلي في الحركة العمالية ولعبت الاتفاقية الموقعة بينه وبين اتحاد النقابات عامل توسيع وتسييس الخلاف الداخلي ومجال نقله الى المستوى العربي وتعبيره الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ،والمستوى الدولي حيث التحق البعض الفلسطيني بالاتحاد الدولي الحر المنحاز كليا لصالح الاحتلال وعادى الاتحاد العالمي للنقابات الحليف الدائم والقوي لشعبنا ولنضاله العادل .ودخلت الحالة العمالية الفلسطينية عامل تمزيق وانقسام في الحركة العمالية العربية وعامل اضعاف لنضالها العمالي الوطني والديمقراطي ،من حيث عضويتها الراهنة في الاتحاد العربي للنقابات المشكل والمعتمد من قبل الاتحاد الدولي ومنظمة العمل الدوليه وبوظيفته تسريب الهستدروت الى الحركة العمالية الاقليمية ومن اجل الاحلام الاسرائيلية الامريكية بالشرق الاوسط الجديد والهيمنة الاسرائيلية الامريكية في المنطقة الواقعة شرق وشمال المتوسط ،ومن حيث عضوية البعض في الاتحاد الحر وفي مواجهة الاتحاد العالمي للنقابات وعلى حساب تاريخه المساند للنضال الفلسطيني والعمالي العالمي المعادي للراسمالية ولمخططاتها ومؤامراتها ومصالحا الاستعمارية الكونية
لقد قدمت كتلة الوحدة العمالية مدعومة ومباركة من الاطر والمنظمات النقابية العمالية اليسارية ،المبادرة تلو الاخرى وعلى امتداد السنوات العشر الماضيه لاستعادة الوحدة وانهاء الشرذمة المفتعلة والاحتراب التناحري على المصالح والمنافع الذاتية في الحركة العمالية ،ولانهاء الانقسام المستفحل في اوساط طرف معين ومعروف من اطراف الحركة العمالية(عمال حركة فتح ) وقدمت مبادرتها لاستعادة الوحدة على قاعدة ان الاتحاد العام للعمال (هو الاصل )وهو الاطار الرسمي والشرعي والقاعدة لمنظمة التحرير كما كان ومنذ التشكيل الاول منتصف الستينيات وان الاتحاد العام للنقابات في الضفة هو( الفرع )الكامل الصلاحية والمسؤولية في الضفة الى جانب فرع الاتحاد في غزه ،ويجري التشكيل على اسس ديمقراطية انتخابية ومن ادنى الى اعلى ونحو مؤتمر وطني توحيدي منتخب وعلى قاعدة التمثيل النسبي للحجوم وللعضوية وللتمثيل في المؤتمرات ،وعلى قاعدة صلاحية المؤتمر وكونه سيد نفسه في اتخاذ القرارات وايجاد الحلول للمشكلات والتحديات الداخلية وفي العلاقات والتمثيل العربي والدولي ...وسميت هذه المبادرة في حينها ،مبادرة الوحدة على قاعدة الاصل والفرع وعلى اسس ديمقراطيه انتخابيه علنيه ونزيهه ومن ادنى الى اعلى ،وعلى قاعدة التمثيل النسبي الذهبيه
رفضت الاتجاهات اليمينية والانقسامية المبادره المطروحة ،دون مناقشة ،ليس لانها لا تصلح للتوحيد، بل لان هذا الاطراف المنقسمه على مصالح ذاتيه وفئويه ومصالح شخصيه تكتليه وشلليه ،ليست في وارد ولا بصدد استعادة الوحدة .....بل هي وبشكل مفضوح وواضح ،بصدد الاتجار بالانقسام والتسويق لنفسها ،عبر الاطراف العربية والدولية المنتفعة من الخلافات وغياب الوحدة ،وما يترتب عليه من تغييب للعمال ولدورهم الوطني والاجتماعي،فهذه الاطراف لجات لجهات خارجية ضد بعضها بما في ذلك الى الهستدروت والاتحاد الحر وغيرها من الاطراف غير الصديقة لشعبنا وعمالنا ،واستجدت وتسولت بهدف الدفاع عن العنال في وجه بعضهم البعض وليس في وجه الاحتلال او البطالة والفقر والازمة الاقتصاديه .ولا زال الانقسام سيد الموقف حتى اليوم ، ولا زالت محاولات حل الخلافات المفتعلة بوسائل وطرائق بيروقراطيه يمينيه ،لا تنتج وحدة بل تدير الخلاف وتديم المشكلات وتزرع بذور الانقسام دائما ،لانه خلاف ذاتي وشخصي وليس برنامجي او مبدئي ،ولانه الخلاف داخل القبيلة وبين افخادها او امرائها وابناء المحظيين نوالمدعومين من قبل شيوخ القبيلة الكبار فكل مجموعة عمالية تشكل شلة ورائها داعم مستفيد من خيرات وبركات الهستدروت ومنافع المركز الامريكي للتضامن وهبات منظمة العمل الدولية او العربية والاتحادين الدوليين والفتات المقدم منهما وعلى حساب ومصالح وحقوق عمال فلسطين وشعبها وقوت ومستقبل اطفالها
ان الازمه الاقتصادية المتفاقمه وتعبيرها تدهور الحاله المعاشية القائمة للعمال وللمجتمع الفلسطيني عموما ،تتطلب النهوض العمالي الشامل وتستدعي التوجه الفوري لوحدة عمالية ديمقراطية انتخابية من ادنى الى اعلى ووفق مبدا التمثيل النسبي الكامل .ذلك يستدعي التوجه الفوري لدعوة اللجنه التحضيرية المشكله من مجموع القوى الوطنية وجميع الاطر العمالية بما فيها حركة فتح والاتحادين المتناحرين وقيادتيهما المتفقتان على المال والمختلفتان على التوحيد الفعلي .ووضع النظام المالي الاداري المناسب موضع التنفيذ والنظام الانتخابي وممارسة واجب الحركة في الاعلان عن فتح باب الانتساب للنقابات الفرعية وبشكل ديمقراطي ووفق مقتضيات الانظمة واللوائح الداخلية والاعلان عن باب الترشيح والطعون واجراء الانتخابات الديمقراطية والعلنية والنزيهه لاستعادة الدور النضالي والاجتماعي الوطني للحركة العمالية الفلسطينية ،والانتهاء من حالة الفبركة والاعلان عن نقابات لا تشكل اكثر من واجهات وهمية وشكليه ومفرغه من البرامج ومن المضامين النضاليه ،وانهاء حالة الاستخدام القائمة في اوساط الحركة العمالية برمتها
ان التوجه نحو سياسه اجتماعيه اقتصاديه بديله ،اساسها المشاريع الصغيره المحليه والمواد الاولية المحلية والايدي العاملة المحلية والمستهلك المحلي .والناجمة عن حوار اجتماعي واعي وناضج ومؤتمر اقتصادي اجتماعي يتمخض عنه مجلسا للتنميه ،وبرنامج يلعب العمال فيه ونقاباتهم دورا حاسما وهاما ، ان هذا كفيل بالتخفيف من تحديي البطالة والفقر ،ومكمل للدور المنشود في تعديل وتطوير التشريعات والتوصل الى قانون عادل وشامل للضمان الاجتماعي وتنفيذ القوانين النافذة ،من شان ذلك التقدم والنهوض