ليس للعمال وطن!


عادل احمد
2015 / 12 / 13 - 22:48     

هل يستوجب على العمال ان يضحوا بحياتهم من اجل الوطن وترابه ومياهه؟ وهل يستوجب على العمال تحمل المعاناة والمشاق من اجل مصلحة الوطن؟ لماذا يبرز دائما الانتماء الوطني والوطنية عندما تمر الدولة بازمة سياسية؟ هل حقا هناك وطن يجب على العمال الحفاظ عليه وبأن لا يخسروه؟ ان الدولة البرجوازية او الوطن البرجوازي هو الاطار السياسي لسلطة الطبقة التي تستحوذ على الملكية الخاصة اي ملكية المصانع والمعامل والشركات والاراضي الزراعية والاسواق التجارية والمناطق السياحية.. وان الحفاظ على الوطن والدفاع عنه بالنسبة للبرجوازي والطبقة الراسمالية تعني الدفاع عن هذه الملكية والمصالح المالية والمنفعة التجارية من اجل عملية تراكم راس المال اكثر واكثر. ومن اجل الدفاع عن هذه المصالح والملكيات البرجوازية تحتاج الطبقة االراسمالية الى قوة عسكرية مسلحة من الجيش والشرطة، اضافة الى بناء السجون والمعتقلات وانشاء المحاكم والقوانين والدستور من اجل حماية هذه الملكية. ان جميع القوانيين في النظام الراسمالي شرعت في اطار وجود الملكية البرجوازية ولتنظيم علاقة هذه الملكية مع عموم الشعب.
عندما تتعالى اصوات الاحتجاجات والتظاهرات في المجتمع، فان اول شيء يخطر في بال الطبقة البرجوازية الحاكمة هي ان الملكية البرجوازية والمصالح في خطر، ويجب على الجيش والشرطة والقوة الامنية وكل رجالات الدولة السياسية الدفاع عن هذه السلطة وعن هذه الملكية. البرجوازية تحتاج الى هذه التدابير، لان الحفاط على ملكيتهم لا يتم الا عن طريق استعمال القوة وقمع الجماعات والفئات التي لا تربطها اية مصالح مع هذه الملكية. ان من ينتفض على سلطة الدولة باي شكل كان يخص دائما شكل الملكية. حتى اذا انتفضت فئة معينة من البرجوازية على سلطة الدولة فهذا يعني بان هذه الفئة غير راضية عن أدارة هذه الملكية، وتطالب بادارتها بشكل اخر او وفق مسار اخر بما يتلائم مع مصلحة اكثرية أصحاب الملكيات الخاصة. اذا كل شيء هو من اجل ادارة الملكية الخاصة للبرجوازية. ولهذا نرى اصحاب الملكيات الخاصة يتبادلون الادوار في كل الاوقات وسهل عليهم التلائم مع كل التغيرات في قمة السلطة البرجوازية. وان الوطنية هنا عندها معنى، اي ان الوطنية هي عبارة عن الدفاع عن هذه الملكيات بشكل اوسع ويمكن ان يحافظ على اكثرية اصحاب الملكيات الخاصة. ولهذا نرى كل السلطات المتعاقبة وكل الاحزاب البرجوازية المعارضة تقدم نفسها على أنها اكثر وطنية واكثر من يدافع عن الوطن. راينا خلال قرن من الزمن في العراق اشكال وانواع الوطنيين والسلطة الوطنية من الملوك والامراء الهاشميين والعسكريين الوطنيين، امثال القاسميين والعارفيين وحزب البعث وابطال الشيعة والسنة الحاليين.. وفي كردستان، البارزانيين والطالبانيين وحركاتهم التغيرية والقوميين الاسلاميين و.. ان كل هؤلاء "الابطال" هم القادة الوطنيين، ولديهم سجلات مليئة بالاتفاقات والتحالفات الاقليمية والدولية من اجل الحفاظ على الملكية البرجوازية وعملية تراكم رأس المال.
ولكن ما هي علاقة هذه الوطنية بالطبقة العاملة؟ ان العمال ليس لديهم اية ملكية خاصة في النظام الراسمالي وليس لديهم غير قوة عملهم من اجل قبض مبلغ معين من الاجرة لقاء جهودهم. وان العمال يعملون وتستغل قوة عملهم في اطار هذه الملكيات الخاصة للبرجوازية في المعامل والمصانع والشركات والاراضي والاسواق و..الخ. وكل ما سار العمل بشكل جيد وفق مصالح البرجوازية وعملية الربح، كل ما يعاني العمال اكثر من استغلال قوة عملهم.. من هنا تتصادم مصلحة الطبقة العاملة مع مصلحة البرجوازية وتكون في شكل تضاد وتناقض مستمر. ان كثرة العمل يجلب للرأسمالي ارباحا اكثر ولكن يجلب للعمال التعب والاستغلال اكثر، وفي النهاية الانتاج الاكثر في الاسواق يؤدي الى تباطيء في الصناعة وتسريح العمال الى سوق البطالة. لان الاسواق تحتاج الى الطلب وعندما يكون العرض اكثر من الطلب في الاسواق فان اول الضحايا هم العمال انفسهم الذين انتجوا هذه البضائع في الاسواق. ومن هنا تتصادم الوطنية البرجوازية مع مصلحة العمال، ليس هذا وحسب بل وتتفاقم اكثر معاناتهم ومشقاتهم. اذن الوطن هو مصالح البرجوازية.. والعمال ليس لديهم اي شيء يتطابق مع هذه المصالح وليس لديهم اية ملكية خاصة في هذا الوطن كي يدافعوا عنها. ولكن الامور لا تسير سياسيا بهذه السهولة مع هذه المعادلة. فان البرجوازية عندما تتحدث عن الوطن تتحدث باسم الشعب كله بغض النظر عن هذا التناقض والتضاد في مصالح الطبقتين، تتحدث عن الاراضي والمياه والتي تصورها بانها ملك للشعب كله ويجب الدفاع عنه، وحتى يستحق التضحية بحياة العمال واتلجماهير الكادحة ويستحق التضحية باموال الاغنياء والراسماليين، اضافة الى تجييش اقلام المثقفيين البرجوازيين من اجل تعبئة شاملة من اجل الدفاع عن الوطن البرجوازي واملاكهم ومصالحهم.
ان حقا العمال ليس لديهم وطن كي يدافعو عنه، فان هذا الوطن هي وطن البرجوازية ومن واجب البرجوازية الدفاع عنه، وليس بدماء العمال اللذين ليس لها اية مصلحة مع هذا الوطن، بل بالعكس يعاني العمال في هذا الوطن وتبني القصور والجسور على اكتافهم وجهدهم. ان العمال اينما يذهبون ياخذون معهم قوة عملهم فقط ليبيعوها.. اذا لم يكن المشتري لقوة عملهم موجود في العراق فسيكون في ايران او تركيا او الدول الاوروبية والامريكية كي يبيعوه بأسعار مختلفة وفي شروط عمل مختلفة نسبيا. بالنسبة للعمال ان كل مكان يبيع فيه قوة عمله وجهده للرأسمالي لا يختلف عن غيره، وفي كل مكان ياخذ فيه اجرا لقاء عمله ويكفي لسد حاجاته وبقائه حيا. وان وهم الوطن بالنسبة للعمال ليس شيئا الا وضع الطبقة العاملة في الدفاع عن شئ ليس لهم فيه دخل ولا مصلحة ولكن في الاخير يصبحون وقودا من اجل الدفاع عن المكية الخاصة للبرجوازية. من هنا جاء نداء كارل ماركس وفريدريك انجلس في نهاية "البيان الشيوعي".. "ويأنف الشيوعيون من إخفاء آرائهم ومقاصدهم، ويُنادون علانية بأن لا سبيل لبلوغ أهدافهم إلاّ بإسقاط النظام المجتمعي القائم، بالعُنف. فلترتعد الطبقات السائدة خوفا من ثورة شيوعية. فليس للبروليتاريين ما يفقدونه فيها سوى أغلالهم و أمامهم عالما يكسبونه.. يا عمّال العالم، إتحدوا".