في اليوم العالمي للعمل اللائق : واقع من العمل المهين في المنطقة العربية


محمد المناعي
2015 / 10 / 8 - 00:55     


تحيي الحركة النقابية في العالم يوم 7 أكتوبر - تشرين الأول من كل سنة اليوم العالمي للعمل الائق ، هذه السنة يعود هذا اليوم في ظل ظرف عالمي و عربي متوتر يضيق الخناق أكثر فأكثر على العاملات و العمال ليصبح انتهاك الحقوق الخبز اليومي للشغالين ، ولئن يمثل يوم كهذا مناسبة لطرح مشاغل العمال و حقهم في عمل لائق يحفظ كرامتهم فانه أيضا مناسبة للتشهير بأرباب العمل و الحكومات المتنكرة لاتفاقيات منظمة العمل الدولية والتي تمارس انتهاكات بالجملة لقوانين الشغل و الحريات النقابية و لمقاييس العمل الائق .
العمال في المنطقة العربية محليون و مهاجرون عرضة لجميع أصناف الانتهاك لحقوقهم كبشر أولا و لحقوقهم الشغلية ثانيا ، فعلاوة على الحروب و التوترات والصراعات المسلحة الداخلية التي تميز بعض الأقطار العربية أو العدوان الأجنبي و الاحتلال سواء في الأراضي الفلسطينية على يد الكيان الصهيوني أو في اليمن على يد قوات أل سعود ، يضع على كاهل العمال هما اضافيا الى جانب هم غطرسة حكومته و استغلال ارباب العمل ليضل العامل العربي يعيش الوضعية الأكثر رداءة مقارنة بنظرائه .
لا يزال العمال العرب و الأجانب في أغلب الأقطار الخليجية عرضة لنظام الاستعباد ضمن نظام الكفالة و التشغيل الاجباري و الاتجار بالبشر و لعل قضية العاملات الموريتانيات في السعودية التي شغلت الراي العام النقابي العربي في الفترة الاخيرة خير شاهد على استغلال النساء وعلى النظام العبودي الذي يمارس في هذا القطر الاكثر انتهاكا لحقوق الانسان و المرأة على وجه الخصوص ، وكذا عمال الحضائر بقطر و العاملات المنزليات في أغلب الدول العربية الاتي يتعرضن لكل اشكال العنف المعنوي و المادي و الهرسلة و التحرش و الاغتصاب و تحويل وجهتهن الشغلية نحو شبكات الدعارة و تجارة المخدرات .
من جهة أخرى العمال ألاجئين سواء السوريين أو الفلسطينيين و اليبيين و العراقيين يعيشون وضعيات غير انسانية في دول عاجزة عن ايجاد حلول لسكانها المحليين ، في ظل محدودية اهتمام الهيآت الدولية و تحول بعض الحكومات الى الاستثمار في الاجئين و الاسترزاق من الدول المانحة دون ضمان الحد الادنى للألاف من الاسر التي تحتضنها.
هذه الوضعية المميزة للعمال بالمنطقة العربية اضافة الى خصوصيتها تخفي انتهاكات روتينية يومية حتى أكثر الدول استقرارا و أعرقها في العمل النقابي و أنجحها في الانتقال الديمقراطي، تضرب معايير العمل الائق الواردة في اتفاقيات منظمة العمل الدولية بما في ذلك التي صادقت عليها أغلب الدول العربية ، فالحرية النقابية وحرية التنظم النقابي لا تزال مطلب العمال و نقاباتهم الناشئة حيث تعمل الحكومات على منع العمل النقابي نهائيا أو جزئيا على غرار منعه في القطاع العام و توجيهه في القطاع الخاص في بعض البلدان و العمل جاهدة على تدجين المنظمات النقابية التي تحولت في بعض الاقطار الى أجهزة ملحقة بالحكومات و سيفا مسلطا على رقاب العمال لاخراسهم في ذات الوقت محاصرة كل نفس نقابي مستقل ، و في وضعيات أخرى دعم التفريخ النقابي بحيث تصبح التعددية نقمة و تشتيتا لمجهودات العمال و نضالهم و بالكاد نجحت بعض التجارب العربية سواء ذات العمل النقابي الموحد على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل بتونس أو التعددية الفعلية على غرار المغرب غير ذلك تحاول التنظيمات النقابية البحث عن موطئ قدم لها للدفاع عن مصالح العمال في مواجهة نقابات صفراء و في مواجهة حكومات منتهكة لحقوق العمال ولعل تجربة التضامن النقابي المناضل ببعث الاتحاد العربي للنقابات خطوة ايجابية للمناصرة و الدعم للعمل النقابي الناشئ و المحاصر داخل أوطانه.
لعل الوضع النقابي بالمنطقة العربية يكشف المدى الذي بلغته الحقوق النقابية و مكانة النقابات في المشهد الوطني لكل بلد حيث تعتبر المفاوضة الجماعية في أغلب الحالات مجرد شكليات لتمرير الحكومات السياسات الشغلية و القرارات و الاجراءات التي تراها مناسبة في ضل اختلال موازين القوى فيغيب أحد أبرز معايير العمل الائق الا وهو المفاوضة الجماعية ، هذا يخفي وراءه حجم الاخلالات و الانتهاكات التي تمارسها الدولة او أرباب العمل فالتشغيل الهش و انتشار الاقتصاد غير المنظم و عدم تطبيق القوانين الشغلية يجعل من التغطية الاجتماعية و الصحة و السلامة المهنية و العقود غير واضحة المدة و المعالم والأجور غير المناسبة لمجهود العمل أمرا شائعا يضرب حقوق العامل في جوهرها و يحوله الى مجرد قوة انتاج مؤقتة عرضة لجميع تقلبات السوق و لجميع الحوادث و الطوارئ دون أدنى حماية خاصة مع انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال و غياب الرقابة على وحدات الانتاج و شروط السلامة المهنية .
في يوم العمل الائق لا يجد العامل العربي أدنى حقوقه كانسان ثم كعامل و تبدو أمامه المسيرة طويلة و صعبة لاقتلاع حقوقه لكن مستنيرا ببعض التجارب الرائدة و بهياكل نقابية اقليمية صاعدة و ساندة و بقوة شبابية و نسوية عربية متحدية لكل التضييقات و الصعوبات تحاول يوما بعد يوم احراج الحكومات و أرباب العمل و كسب ثقة الشغالين وهذا الأمل والنضال هو الخيار الوحيد للحركة النقابية العربية من أجل حركة نقابية ديمقراطية مستقلة مناضلة بوصلتها مصالح العمال و هدفها عمل لائق للجميع .