الازمة السورية وصراع الاقطاب المباشرة!


عادل احمد
2015 / 9 / 20 - 23:30     

أن رسم ملامح النظام العالمي الجديد، عالم متعدد الاقطاب، في الوقت الحاضر لا يأتي بدون مصائب ودمار وويلات للمجتمعات الحالية. ان محاولة تثبيت نظام سياسي عالمي جديد، ستكون مبنية على الصراع من اجل الزعامة على العالم بين الاطراف المتصارعة، يصاحبه الدمار وسيل دماء الابرياء بشكل همجي ووحشي. ان كل الاطراف المتنازعة، لا تعير اي اهتمام للنتائج الكارثية المتوقعة على الجماهير المنكوبة. ان المهمة النهائية في تثبيت الزعامة وتوسيع مناطق النفوذ يكون هو الهدف الاصلي لها، وان اي نتائج مهما تكن كارثية على الجماهير المحرومة ليس في حسابات القوى المتصارعة.
من هذا الباب اذا نظرنا الى الازمة وتفاقم الوضع السوري، نرى بأن الاطراف المتصارعة جميعها ومن اجل التعديل في توازن القوى ومناطق النفوذ، تحول الدولة السورية ومعاريضها الى الة للقتل والنهب والذبح وتعميق المعانات الانسانية في جميع المناطق وفي كل المدن والمحافظات. الاطراف المتنازعة وهي روسيا وحلفائها من طرف وامريكا وحلفائها من الطرف الاخر. فان كلا الطرفين وصراعاتهم هي رجعية ومبنية على تقاسم الغنائم بين اللصوص الكبار والذي لا يوجد فرق بينهما بأي شئ.
ان دخول القوات الروسية الى سوريا في الاونة الاخيرة بمثابة تأجيج الصراع الروسي – الامريكي الى درجة اعلى وبشكل مباشر في صراعات هذين القطبين العالميين. تحاول روسيا الاستفادة من فشل السياسات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، وانتهاز الفرصة لبسط نفوذها ودخولها الى العالم العربي من جديد واللعب بورقته مقابل الاقطاب الاخرى وخاصة القطب الامريكي. ان محاولة انشاء عالم متعدد الاقطاب من قبل روسيا اليوم، يأتي بعد الفشل المتعدد للسياسات الامريكية في الشرق الاوسط. امريكا فشلت في العراق ومصر وفشلت في الازمة السورية. وان تقارب امريكا مع ايران والدخول في ضرب داعش وتأزم الوضع في العراق كانت نتيجة فشل السياسات الامريكية في المنطقة. وان هذا الفشل سمح لروسيا ان تأخذ زمام المبادرة لكي تواجه سياسات امريكا والغرب بشكل علني. وان هذا التحدي جاء بعد التخيير في معادلة القوى للقطب الامريكي والتي سجلت فشل بعد فشل ولا تطبق اي مما يرسمه الساسة في البيت الابيض من خطط.
ان التحدي الروسي بأرسال القوات والمعدات العسكرية لمساندة الحكومة السورية في الوقت الذي تخسر فيه قوات الجيش السوري مناطق عديدة، هو بمثابة تفعيل الدور الروسي وتحويل الصراع المخفي الى العلن. وعلى الرغم من احتجاج امريكا والغرب لهذا الدخول الروسي العلني فقد امكن روسيا الاستفادة من الجبهة الغربية ضد داعش وتحاول ان تبين بأنها هي ايضا جزء من الحرب ضد داعش، وبهذا تحاول ان تضعف حجج الغرب وامريكا لدخول هذه القوات. قامت روسيا بهذه العملية بذكاء وفي الوقت الذي فيه الرأي العام العالمي مناهض للدولة الاسلامية ووحشيتها. ولكن هذا التأجيج وهذا الصراع المباشر بين روسيا وامريكا في الازمة السورية، ماذا سيجلب للجماهير العمالية والكادحة في سوريا والمنطقة بشكا عام؟
ان كل صراع بين الاقطاب البرجوازية سوف تدفع ثمنه الطبقة العاملة بالدرجة الاولى. لم يبقى في سوريا شيء اسمه "الدولة" ولم يبقى فيها مكان للعيش كما وهجر الملايين.. ان كل هذا يكون عبئا ثقيلا على اكتاف الجماهير المحرومة. اذا كان الوضع الحالي وصراعات الاقطاب المخفي كان بهذا الشكل الذي رأيناها، فماذا سيكون لو ان الصراع أصبح مكشوفا ومباشرا بين الاقطاب؟ حتما سيكون كارثيا مثلما راينا في الحروب السابقة بين هذه الاقطاب. وان نتائجها ستكون اكثر دمارا واكثر دمويا مقارنة بالوقت الحاضر. ان صراعات عالم الاقطاب المتعدد في ظل الازمة العالمية للرأسمالية تعني توسيع الكوارث والدمار.. لان الرأسمالية تحاول القيام بالمستحيل من اجل انقاذ ربحها ورساميلها واسواقها..
يجب ان يوقف هذا الصراع سواء بين وكلائها الاقلميين تركيا والسعودية وقطر وايران او بين القطبين الرئيسيين امريكا وروسيا. وان وقف هذا الصراع لا يتم الا بدخول الطبقة العاملة ونضالها في المنطقة وتحول هذا الصراع الى الصراع بينها وبين الطبقة البرجوازية في المنطقة. وان احدى اهم العوامل لحضور الطبقة العاملة هي التضاهرات السياسية لكل الطبقة العاملة مع حكوماتها. ومن هنا تفتح الافاق للجماهير المتحررة للحضور الى ميدان المواجهة وقطع دابر سياسات البرجوازية المحلية والاقليمية والعالمية. لا يمكن ان تبقى الطبقة العاملة متفرجة وتحرق افاقها في اتون الحروب الرجعية للبرجوازية العالمية وصراعاتها من أجل مناطق النفوذ. لقد حان وقت العمل للقوى الأشتراكية من اجل تأجيج النضال وتحريض العمال للمواجهة عن طريق تنظيم قواهم الطبقية واعطاء الافاق الاشتراكية لحركتهم.