الاتفاق النووي الايراني وتأثيراته على المنطقة!


عادل احمد
2015 / 7 / 19 - 23:50     

ان الاتفاق الاخير بين ايران والغرب حول البرنامج النووي الايراني، هو خطوة مهمة في عملية التغيير في توازنات القوى في منطقة الشرق الاوسط برمتها. ان انهاء عقد من الزمن من الصراع بين ايران والغرب حول البرنامج النووي، اختتم اخيرا بأتفاق حول تحديد دور كل من ايران من جهة وامريكا والغرب من جهة اخرى. ان فشل سياسات امريكا والغرب في المنطقة وفشل مساعيها بأشعال الحروب من اجل حل وفصل الصراعات في الشرق الاوسط عن طريق ابراز الدور الامريكي من جهة. وأغراق ايران في ازمة سياسية داخلية نتيجة فرض الحصار الاقتصادي عليها وتدخلها بالصراعات في دول المنطقة، العراق وسورية واليمن ولبنان وتحمل اعباء اقتصادية ضخمة لهذا الصراع من جهة اخرى، هو محتوى الصراع الاصلي. ان كلا الطرفين قد انهوا الصراع المباشر عن طريق الاتفاق والاعتراف بمكانة ودور احدهما على الاخر.
لم يكن الغرب وامريكا موفقا في تحجيم دور ايران في الصراعات السياسية في الشرق الاوسط. ان التهديد المستمر من قبل الغرب بضرب ايران ومحاولة قطع اضافرها في تدخلاتها في الصراعات الاقليمية وكذلك فرض الحصار الاقتصادي ومنع الشركات والمؤسسات المالية من التعامل مع ايران، لم يستطع الغرب بما فرضه على ايران من أن تتنازل، بل زاد دور ايران بما تلعبه في الصراعات في المنطقة. رأينا كيف تدخلت ايران في العراق وصراعاته وكذلك في سورية كيف تلعب دور مهم في دعم نظام الاسد وابقائه واقفا على قدميه. وكيف تدخلت في اليمن واستطاعت ان تلعب دور اساسي في الصراع اليمني. ولبنان لا تخطو اي خطوة الا بموافقة ايران عن طريق دعمها القوي لحزب الله. ليس هذا وحسب بل استطاعت ايران عن طريق تحالفها مع روسيا والصين ان تلعب دور مهم في أفشال سياسات امريكا والغرب في المنطقة وان تساعد في ابراز دور القطب الروسي - الصيني وان تواجه القطب الامريكي والغربي بقوة.
تحاول امريكا والغرب بكل قوتها ان تخرج ايران من فلك القطب الروسي واعطاءها دور مهم لمصلحة الغرب. ان اخراج ايران من الفلك الروسي والصيني يعني اضعاف هذا القطب في الشرق الاوسط وبدوره يضعف روسيا في صراعات اوروبا الشرقية ايضا. اذا استطاع الغرب من اقناع ايران ان تلعب دور شرطي الخليج من جديد كما فعله نظام الشاه من قبل، فان ايران سوف ترجع الى المحافل الدولية وتقوم في تعزيز الحماية على المنافع السياسية والاقتصادية الغربية في الشرق الاوسط. على الرغم من ان هذا الاحتمال ضعيف جدا بسبب تركيبة وتكوين نظام الجمهورية الاسلامية وتناقضاته، والتي ربما تؤدي الى نهاية محتومة ايضا لهذا النظام، بسبب ايدولوجيته والتي تعكز عليها اكثر من ثلاث عقود من العداء للغرب. ولكن كل ما تريده امريكا والغرب من ايران في الوقت الحاضر هو ان تكون مع الغرب وعدم الوقوف بوجهها في عبور ازمتها الاقتصادية الخانقة وخاصة في الشرق الاوسط.
ان الاتفاق مع الجانب الايراني تعني محاولة مستميتة من اخراج ايران من اعباء اقتصادية ضخمة نتيجة الحصار الاقتصادي، وكذلك استرجاع قوة ايران في قمع السخط الجماهيري المتزايد من سلطة الملالي وتزايد الاحتجاجات العمالية في السنوات الأخيرة. تحتاج ايران الى أن تتنفس الهواء الطلق من اجل مواجهة الاحتجاجات العمالية والجماهيرية المتزايدة يوم بعد يوم، ومحاولة قمعها واحتوائها من اجل تراكم رأسمال اكثر بيد الدولة وتوحيد صفوف الطبقة البرجوازية الايرانية المتشرذمة منذ اندلاع الثورة الايرانية عام 1978. وكذلك تحاول ايران أن تسحب اعتراف الغرب بقوتها ومكانتها السياسية في الشرق الاوسط. ان هذا الاعتراف يعني بالنسبة لايران تقليل من مكانة الدور السعودي والخليجي في تركيبة رؤس الاموال المتحركة في الشرق الاوسط كمنافس وحيد امام الرأسمال الايراني في المنطقة. ان الاعتراف بايران كقوة اقتصادية كبيرة يعني جذب الراسمال الغربي واستثماره في ايران، ان هذا ما يحتاجه طرفي الاتفاق في ظل الازمة الاقتصادية العالمية. وهذا ما يؤدي الى خوف كل من السعودية واسرائيل من تنامي دور الرأسمال الايراني وسياساته في الشرق الاوسط بعد الاتفاق.
ولكن يبقى السؤال هو كيف يؤثر هذا الاتفاق على الحركة العمالية سواء في ايران ام في المنطقة بأكملها؟ ان رفع الحصارالاقتصادي عن ايران هو خطوة ايجابية وتؤثر مباشرة على مستوى معيشة الطبقة العاملة والجماهير المحرومة في ايران. وبدورها تفقد البرجوازية الايرانية الحجة لاستثمار قوة الطبقة العاملة بوحشية وتخلق جو مناسب لنضال العمال في ايران بوجة البرجوازية في ظل اللاحصار. ومن جهة اخرى تفتح باب تنشيط العلاقة بين الطبقة العاملة الايرانية ونظيراتها في المنطقة عند تقليل الصراع بين الغرب وايران. في الوقت الحاضر انقسمت الطبقة العاملة في المنطقة بين قطبي الصراع وفقدت افقها المستقل واصبحت وقود وضحية لهذا الصراع. ولكن كل هذا متوقف على دور ومكانة الطبقة العاملة وصراعاتها مع البرجوازية واستعدادها الطبقي وقوتها التنظيمية، في تحويل هذا الاتفاق الى اتفاق من اجل انهاء معانات الطبقة العاملة. ان الطبقة العاملة الايرانية هي طليعة الطبقة العاملة في المنطقة وبرزت حركتها بأستمرار طوال النصف قرن الماضي واصبحت في مقدمة كل احتجاجات جماهيرية، وان ميلها الشيوعي اقوى من نظيرتها في المنطقة وصاحبة تقاليد نضالية شيوعية كما اثبتت في الثورة الايرانية. وان الميل الشيوعي داخل الطبقة العاملة الايرانية قوي بدرجة اثرت على حركة اليسار بأكمله وكذلك على المجتمع رغم وحشية ورجعية النظام الاسلامي.
اذا بأستطاعت الطبقة العاملة الايرانية ان تأخذ دور قيادي في المنطقة وتقطع يد التطاول للجمهورية الاسلامية في الشرق الاوسط، وتفشل سياساتها الرجعية في نزاعاتها الطائفية وبأستطاعتها ان تقف بوجه سياسات الغرب ايضا حسب الموقعية المهمة لايران وقوتها الاقتصادية.