ماهي المصالح الطبقية في الانتخابات التركية؟


عادل احمد
2015 / 6 / 14 - 23:00     

ان عملية الانتخابات في تركيا قبل اسبوع، كانت موضع تساؤلات في اوساط الاعلام المحلية والعالمية. وهناك اراء وتصورات مختلفة حول هذه الانتخابات في اوساط عديدة وبين شرائح مختلفة داخل تركيا وخارجها. ولعل من ابرز هذه التصورات بأن نتائج هذه الانتخابات كانت لصالح الاكراد والقوميات الاخرى في تركيا وكانت ضربة لاحلام اردوغان العثمانية. وهناك اراء اخرى من قبل الصحافة الغربية وبعض من قادة وساسة الدول الغربية. وهناك ايضا اراء مختلفة داخل العائلة اليسارية لتقيم الانتخابات ومسار العملية السياسية في تركيا.
في هذه المقالة القصيرة لا اتطرق الى كل جوانب العملية الانتخابية وتحليلات القوى السياسية المختلفة وافاق واهداف الطبقات الغير العمالية ومصالحهما. وانما احاول ان ابين صورة اخرى من وجهة نطر جميع البروليتاريا التركية. لا شك بان المصلحة الطبقية لعمال جميع المناطق في تركيا وعمال كل الشعوب في تركيا هي نفس المصلحة. ولا يمكن ان تناقض مصالح اقسام العمال المختلفة مع بعضها البعض. اذن ما هي تأثير النتائج السياسية لهذه الانتخابات في حياة الطبقة العاملة التركية والكردية وغيرها؟ هل حقا فتتحت الباب امام عمال جميع الشعوب في تركيا عن طريق هذه الانتخابات من اجل النهوض بوجه الطبقة البرجوازية والراسمالية التركية؟
اذا نظرنا الى هذه الانتخابات من موقع الطبقة العاملة التركية وبعيدا عن اي تعاطف اوكره لجميع القوى والاحزاب المشاركة في الانتخابات، واذا نظرنا من زاوية المصالح الطبقية لجميع عمال تركيا، لرأينا بان كل العملية الانتخابية وكل الخطابة والدعايات السياسية لجميع الاحزاب بدون استثناء كانت لعائلة واحدة من اجل الوقوف بوجه انحدار مستقبل تركيا السياسي والاقتصادي. فجميع الاحزاب يتكلمون بلغات مختلفة وبلكنات متنوعة عن مشكلة اقتصادية واحدة وهي الغلاء والبطالة والركود الاقتصادي وكيفية النهوض لعملية التراكم من جديد عن طريق تضليل الطبقة العاملة، وتشديد العمل والخناق السياسي اكثر وخلق ارضية مناسبة واكثر امنة لنمو عملية الرأسمال. ان برنامج جميع الاحزاب والاهداف السياسية لكل واحد منهم لا يختلف من حيث الجوهر الاقتصادي عن بعضها، وانما طرق تحقيقه مختلفة. بمعنى اخر جميع الاحزاب المشاركة في الانتخابات كانت ممثلة لاقسام مختلفة للطبقة البرجوازية التركية. لا يمكن ان تقيم القوى والاحزاب على ادعائاتهم وانما يجب ان تقيم حسب عملهم السياسية. ان العمل السياسي والاهداف السياسية هي الميزان لتقيم موقعيته الطبقية ومصالحها.
ينظر قسم من اليسار التقليدي الى هذه الانتخابات وخاصة ظهور حزب الشعوب الديمقراطية بقيادة صلاح الدين دمرتاش وحصوله على 12% من الاصوات لاول مرة، بأنه نصر للطبقة العاملة والجماهير الكادحة في المناطق الكردية وبعض المناطق الاخرى. وينظر الى هذا الحزب بأنه مناصر لحقوق القوميات والاقليات والمرأة والعمال ومضطهدي المجتمع حسب ادعاءات هذا الحزب. التصور بأن مكان حزب الشعوب الديمقراطية الكردي هو بمثابة الخندق والمتاريس للشعوب المظلومة بوجه عنهجية التعصب القومي التركي والحلم العثماني الاردوغاني. ان التصور اليساري هذه يفتقر الى ادنى منطق علاوة على عدم فهم الديالكتيك والمفهوم المادي بين الاحزاب والحركات الاجتماعية ومصالحها. صحيح بأن كل تغير في التوازن بين الكتل البرجوازية تصاحبه تغيرات في المجتمع وربما في القوانين ولكن كل هذه التغيرات هي طفيفة ومقبولة في العائلة المالكة طالما لا تضع سلطة الراسمال في خطر. ان هذه التغيرات في مكانة الاحزاب المالكة لا يغير جوهر الاهداف السياسية في نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية. ان الطبقة العاملة تناضل يوميا من اجل اجبار البرجوازية للتنحي اكثر وصعوده هو اكثر في السلم الطبقي. لنرى بصعود حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بماذا يتنحى البرجوازية وكيف تصعد الطبقة العاملة التركية في نضالها خطوة الى الامام.
لا شك بان مكانة حزب الشعوب الديمقراطي هي الدفاع عن البرجوازية الكردية ومحاولة مشاركتها في السلطة السياسية والحصول على امتيازات اكثر، والتي لم يحصل عليها جناحها المليتانتي المتمثل بحزب العمال الكردستاني (PKK) طوال صراعه مع البرجوازية التركية. ان سلك طريق اخر بعيد عن القتال المسلح كانت خطوة ذكية للبرجوازية الكردية في تركيا. وان هذه الخطوة جاءت بعد تغيرات عالمية في ميزان القوى بين الاقطاب العالمية واشتداد الازمة الاقتصادية في العالم قاطبة. ويمكن تعريف هذا الحزب بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني بعد خسارته عسكريا امام عنهجية القومية التركية. ان كل ادعات هذا الحزب بعد دخوله الى البرلمان التركي اثبتت جوهره الحقيقية وهي المشاركة في السلطة السياسية وليس بالضد من هذه السلطة. بعد يومين فقط صرح رئيس هذا الحزب صلاح الدين دمرتاش بانه يجب ان تشكل حكومة من الاحزاب الفائزة في الانتخابات (الفائز الثلاثة الاولى)، واذا لم يتمكنوا من تشكيل الحكومة بينهم فأن حزب الدمرتاش يفكر بدخول الحكومة كأتلاف مع حزب الرفاه او مع بقية الاحزاب الفائزة. ومن هنا يظهر زيف الادعاءات السياسية ويظهر الجوهر الطبقي لهذه الاحزاب والذي فرح قسم كبير من اليسار التقليدي بفوزه. ان تعاطف اليسار الكردي مع صعودهذا التيار جاءت من رؤيته الغامضة للمسألة القومية الكردية وعدائه للتيارات الدينية الاسلامية، وليس من باب المصلحة الطبقية لعمال الشعب الكردي. لا يحتاج للشيوعيين والطبقة العاملة الانتظار سنوات عديدة حتى يتضح بأن اهداف حزب الشعوب الديمقراطي هي نفس اهداف البرجوازية الكردية، وانما الامعان بدقة الى العمل السياسي لهذا الحزب في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، يوضح محتوى برنامجه واهدافه الطبقية والسياسية. على عمال تركيا بكل شعوبها الابتعاد عن اللعبة السياسية للبرجوازية والاتحاد في الصف الطبقي الموحد بالضد من العدوا الواحد والمشترك وهي الطبقة الرجوازية التركية بأكملها.