نضال عمال شركات الأسمنت في العراق ضد شركة لافارج


نادية محمود
2015 / 5 / 10 - 22:27     

حين سن النظام البعثي السابق قانون تحويل العمال الى موظفين 1987، ومن ثم اصدار قانون انضباط موظفي الدولة عام 1991، كان يهدف في المقام الاول الى قمع اية حركة اعتراضية لدى العمال. الا ان النظام السابق اقر قانونا اخرا للعمل، للعمال العاملين في القطاع الخاص والمختلط. كان قانون انضباط موظفي الدولة، ولازال، هدفه منع اي تحرك عمالي للمطالبة بحقوقهم، وتوجيه عقوبات ضدهم.
بعد عام 2003، مع تغير العديد من القوانين، من قبيل حل الجيش مثلا، واصدار دستور جديد، الا ان القوانين المتعلقة بالعمال و"الموظفين" بقيت على حالها دون تغيير. وهذا يعني ان سياسات النظام البعثي وقوانينه تجاه العمال لازلت مفيدة تماما للذين اعقبوه.
مع التوجه نحو الاقتصاد الراسمالي الحر وتبني سياسات الخصخصة، بدأت الشركات الاجنبية تستفيد من تلك القوانين المناهضة للعمال، واعني بها قانون انضباط موظفي الدولة.
ان هذا ماقامت به شركة لافارج لصناعة السمنت في العراق. ان صناعة السمنت في العراق هي ثاني اكبر قطاع صناعي له اهمية اقتصادية بعد القطاع النفطي.هذا القطاع فتح للاستثمارات الاجنبية وبدأت شركة لافارج الفرنسية بالتعاقد مع وزارة الصناعة لادارة شركة كربلاء وطاسلوجة، واسمنت بازيان وشركة جاسن في السليمانية. هذه الشركة تشغل 3000 "موظف" حسب تعبيرها، وليس عامل. علما ان كلمة موظف تستخدم فقط في القطاع الحكومي لاغير. ان هذه الشركة الجديدة، اذن، ليست مؤسسة حكومية، او قطاعا عاما، بل اصبحت قطاعا مختلط، ان لم يكن خاص.
اصدرت هذه الشركة يوم 29 من شهر نيسان الماضي رسالة موقعة من قبل ماجد عادل، مدير الموارد البشرية في شركة لافارج، يوجه عقوبة الانذار الى السيد عباس حميد طلال وفقا للفقرة الاولى من المادة الثامنة لقانون انضباط موظفي الدولة، لانه طرح مطاليب العمال والمتعلقة بزيادة الاجور.
الا انه من المقرر لهذا القانون الذي استخدمته شركة لافارج ان يطبق على الموظفين في القطاع العام فقط وليس العمال في القطاع المختلط اوالخاص. ان شركة لافارج هي ليست شركة قطاع حكومي لتطبق قانون انضباط موظفي الدولة على العمال العاملين لديها، وبناء عليه لا تستطيع اساسا استخدام هذا القانون بحق العمال في شركة كربلاء اوبازيان او اي من شركاتها الاخرى. من هنا، فانها، وفقا للقانون العراقي ذاته، لاتمتلك اية ارضية قانونية لاصدار عقوبات بحق العمال لانهم طالبوا بحقوقهم.
شركة لافارج تريد من جهة التنصل عن مسؤولياتها تجاه العمال مثل اجراءات السلامة، والتي طالب بها السيد طلال ورفاقه في العمل، وتحمل مسؤولية توفير الخدمة المطلوبة للعامل فيما اذا تعرض الاخير الى اصابات عمل، حالها حال اي مؤسسة اخرى مسؤولة عن توفير السلامة لعمالها وموظفيها. بل تعتبر العمال هم المسؤولين عن صحتهم وسلامتهم المهنية، وانه ليس ب"امكانهم اعلان اصابتهم، لان اي من تلك الاصابات هي مسؤوليات شخصية تقع على عاتق العمال" التي وفقا لرؤية لافارج الحريصة على "سلامة وصحة الموظفين" انه ماكان عليهم ان يتعرضوا لها اساسا.
اذن، حين يتعلق الامر بتوفير الضمانات الصحية للعمال، تتنصل الشركة من مسؤولياتها، ولكن حين يتعلق الامر بتوجية عقوبات للعمال، تسارع هذه الشركات الى استخدام قوانين الدولة، بشكل خاطيء ومقصود لمصادرة حق العمال بالمطالبة بحقوقهم، وتتحول فجأة الى "مؤسسة حكومية" وتطبق قوانين انضباط موظفي الدولة على عمالها. اي ان هذه الشركة، تتلاعب بمصير وحياة العمال.
ان نضال العمال من اجل تثبيت حقهم في الدفاع عن مطاليبهم المتعلقة بالعمل والسلامة الصحية، الاجور، ساعات العمل، كثافة العمل، والخ يجب ان تثبت في قوانين الدولة وان تكون سارية ومفيدة للعمال سواء كانوا عاملين في القطاع العام أو الخاص او المختلط. لقد كان للنظام البعثي هدفا مناهضا للعمال بتحويلهم الى موظفين من اجل مصادرة حقهم بالاعتراض وتنظيم انفسهم وقد ان الاوان لهذا القانون ان يتغير. وان حقوق العمال يجب ان تضمن في كل القطاعات. ويجب ان يقطع الطريق على شركات مثل شركة لافارج استغلال قانون انضباط موظفي الدولة لمعاقبة العمال.
الا ان مالا تعرفه شركة لافارج ، انها ليست امام عمال لايعون حقوقهم. ولايدافعون عنها. انها امام عمال لهم ارادة، ووعي وتاريخ نضالي حافل، ولن يتيحوا لتلك الشركة المدعية بـ"الحرص على سلامة موظفيها" حسبما يدعون في كراريسهم، بالتلاعب بحياة العمال وتوجه لهم العقوبات انى شاءت. ان العقوبة التي وجههتها هذه الشركة لعباس حميد طلال، باطلة اساسا، وتفتقد لاي اساس قانوني وفقا للتشريعات العراقية ذاتها.
ان للعمال حق في تنظيم انفسهم، واعلان مطالباتهم، في اي مكان عمل يعملون فيه. لذلك على الشركة ان تسحب عقوبتها التي وجهتها الى عباس حميد طلال، لانها لا تمتلك اساسا قانونيا، دع عنك، ان حق التنظيم ومطالبة العمال بحقوقهم، هو حق طبيعي، خضع له النظام الرأسمالي في اماكن عديدة في العالم، ويجب ان يخضع له الرأسمال الاجنبي في العراق ايضا، وهو حق مشروع للعمال سواء كانوا عاملين في القطاع العام، أو الخاص، او المختلط.