عمال وزراة الصناعة.. تأريخ المرجعية يعيد نفسه


سمير عادل
2015 / 3 / 2 - 07:45     

منذ اشتعال الاحتجاجات العمالية لمنتسبي وزارة الصناعة من اجل الغاء التمويل الذاتي وصرف الرواتب المتأخرة، واعادة تشغيل المصانع والمعامل التابعة للوزارة المذكورة ومطالب اخرى، انتشرت عبر شبكة التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة الصناعة والمعادن اخبار بأن وفود ذهبت من عمال وزارة الصناعة ودقت ابواب المرجعية للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبها. الا انه وفي كل المحاولات لم تستقبل المرجعية الوفود او في افضل الاحوال استلم ممثلي المرجعيات الدينة ورقة المطالب دون الحصول على اي رد.
ان انتظار المرجعيات الدينية في تحقيق مطالب العمال، هو الغرق بالاوهام اكثر مما هو ضربا من الخيال. وهذه الاوهام مصدرها اعلام السلطة السياسية التي يديرها الاسلام السياسي. فمنذ غزو واحتلال العراق عام 2003 وتأسيس العملية السياسية على الاسس القومية والطائفية، منح الاسلام السياسي الشيعي حصة الاسد من السلطة وادارة الحكم في العراق، وبرزت المرجعيات الدينية كأحد اطراف المعادلة السياسية في العراق. ولقد لعبت سلطة الاحتلال دورا كبيرا في اظهار المرجعيات كأحد مفاتيح اللعبة السياسية في العراق كي تسيطر بدورها على الاوضاع السياسية. وبالفعل كانت للمرجعيات تاثيرا كبيرا في منح السلطة المدنية للاحتلال بقيادة بول بريمر الوقت لترتيب نفسها والاعداد للانتخابات الاولى التي اجريت بعد غزو العراق، لاضفاء الشرعية على العملية السياسية التي فرضت بحراب الماكنة العسكرية الامريكية.
وخلال الفترة المنصرمة بعد الاحتلال، كانت المرجعية الدينية وقوى احزاب الاسلام السياسي وحدة واحدة ومتلازمة ولا يمكن الفصل بينهما. فالاولى كانت وما زالت الدعامة المعنوية والفكرية والدعائية بينما الثانية هي الدعامة السياسية والاقتصادية والعسكرية. ووقفت المرجعيات الدينية بمختلف رجالاتها وراء توحيد صفوف قوى واحزاب الاسلام السياسي الشيعي في بوتقة واحدة، تحت مسميات الائتلاف الوطني تارة والتحالف الوطني تارة اخرى منذ ايام الاحتلال حتى يومنا هذا. ان المرجعيات الدينية، اليوم، تلعب نفس دور مجلس خبراء مصلحة تشخيص النظام في الجمهورية الاسلامية في ايران الذي يتكون من عدد من علماء وشيوخ الدين. اي ان المرجعيات تكتفي بابداء النصح والمواعظ لاصلاح العملية السياسية التي يستحوذ ذراعها السياسي على النسبة الاكبر من النفوذ والامتيازات من العملية السياسية، وعندما يهدد اي خطر مصالح الائتلاف السياسي الشيعي، تتخذ المرجعيات مواقف حازمة مثلما حدث في 10 حزيران عند سقوط مدينة الموصل وتمدد دولة الخلافة الاسلامية الى ابواب بغداد. فلقد اصدرت المرجعية الدينية المركزية فتوى في الجهاد للحفاظ على سلطة الاسلام السياسي الشيعي من خطر الاسلام السياسي السني الزاحف الى العاصمة. بينما اكتفت نفس المرجعيات بالصمت عندما الغت حكومة المالكي البطاقة التموينية بأجماع جميع اعضائها في مجلس الوزراء والذي اغلبيته من قوى الاسلام السياسي الشيعي. وفي انتفاضة 25 شباط من عام 2011 اكتفت المرجعيات بالنصح بينما كانت حكومة المالكي تطحن الجماهير المليونية بالجوع والافقار والبطالة والمعتقلات والتعذيب في السجون والتطهير الطائفي.
ان المثير للسخرية، بأن المروجين للمرجعيات الدينية كي تظهر صفتها الآلوهية والابوية وفوق المجتمع وتمثل مصالح الجماهير بأنها خبيرة في الاقتصاد، وابدت ملاحظاتها ونصائحها ومشورتها حول الاقتصاد العراقي، بينما لا نجد فتوى واضحة وصريحة كفتوى "الجهاد الكفائي" بحرمة بيع المصانع والمعامل وتأخير رواتب العمال لمدة اربعة اشهر وتحويل عدد كبير منه الى التقاعد..الخ. اي نريد ان نقول بأن المرجعية راضية كل الرضى على الاداء الاقتصادي لحكومة العبادي ومن قبلها حكومة المالكي، وراضية على تطبيق سياسة الليبرالية الجديدة. ولن تتحرك المرجعيات الدينية لصاح العمال الا اذا رأت تحرك العمال واحتجاجاتهم تهدد المصالح السياسية والاقتصادية للسلطة السياسية وتظهر نفسها بدور الاصلاح وصمام امان لعدم قلب المعادلة السياسية لصالح العمال، واسترجاع ما نهبتها وسرقتها قوى الاسلام السياسي الشيعي والمدعوم من القوى القومية العروبية والكردية والاسلام السياسي السني. وما تذهب اليها المرجعيات الدينية اليوم ليس فيه شيء جديد، فالتاريخ الحديث يقول لنا وتحديدا بعد انقلاب 14 تموز عام 1958 عندما اصدرت حكومة عبد الكريم قاسم مرسومين او قانونين احدها الاصلاح الزراعي وهو القضاء على الاقطاع وتوزيع الاراضي الزراعية على الجموع الغفيرة من الفلاحين، والثاني قانون الاحوال الشخصية الذي يمنع تعدد الزوجات، ويعطي حق الزاوح من اصحاب الكتاب للمسلم والمسلمة دون اي قيد او شرط، وحق الميراث بالتساوي بين الرجل والمرأة، فأذا بالمرجعية انذاك تصدر فتوى بأن الشيوعية كفر والحاد لان الحركة الشيوعية اسهمت في اصدار القانونيين المذكورين ووقفت بكل حزم للدفاع عن عنهما، وفتوى اخرى بتحريم اراضي الاصلاح الزراعي على الفلاحين.
اليوم على العمال ان يعوا بأن المرجعيات الدينية واحزاب الاسلام السياسي متعاضدين بوحدة عضوية ولا يمكن الفصل بينهما مثلما تحدثنا قبل قليل ومصالحهما وحدة واحدة، وان الحقوق لا تمنح بل تنتزع. اي يجب الكف بالركض وراء الاوهام ووراء الوساطات، فأن المطالب العادلة لعمال الصناعة تتحقق بتنظيم وتوحيد صفوفنا نحن عمال وزارة الصناعة والتصعيد من احتجاجاتنا كي نفرضها على حكومة العبادي المدعومة من المرجعيات الدينية المعادية حد النخاع للعمال والمحرومين في العراق.