ملاحظات حول اضراب اعوان نقل تونس ... الاضراب حقّ مشروع ، دون لكن !!


محمد نجيب وهيبي
2015 / 1 / 14 - 02:34     

العمل النقابي حقّ مكفول دستوريا ونقابيا ،لا يجب التراجع عنه او تجريمه يوما ، فهو سلاح المظلومين من عملة واجراء ، بل خط دفاعهم الاقوى امام سطوة راسالمال وقوانين الربح والاستغلال ، ولا جدال في هذا ، والاضراب عن العمل مطالبة بالحقوق ، ودفاعا عن مصالح الطبقة الشغِّيلة بكل قطاعاتها ومكوّناتها هو سلاحهم الاخير في وجه ترسانة الاسلحة القمعية لنظام الاستغلال ، مادية كانت او قانونية وثقافية واخلاقية ، وهو ( اي الاضراب) دفاعا عن المصالح المباشرة للعمال والاجراء ، مشروعٌ دوما ، وان لم يكن قانونيا احيانا .
هذا من حيث المبدا شأن اضراب اعوان شركة نقل تونس يومي 12 و13 جانفي الجاري ، ولا يمكن ولا يحق باي حال من الاحوال تجريم اعوان الشركة في الدفاع عن حقوقهم كما يرونها ويعونها ، حتى ان بدت غريبة او مشطّة لشرائح اخرى من الطبقة العاملة التونسية (وهي قطعا ودوما كذلك بالنسبة للراسمالي وبيروقراطيي جهاز الدولة ) ، بدعوى "المصلحة الوطنية "!!! التي تفقد كلّ معانيها والوانها ان أُخرجت من سياق تضاد مصالح وحقوق مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في ظلّ الاختلال الواضح في التخطيط لتوزيع واعادة توزيع الثروة الوطنية ومعها اعباء وكلفة النشاط الاجتماعي بينها ، وواجب الدولة "الاجتماعية " هنا هو الادارة الامثل لتضاد المصالح هذا بما يكفل اكبر قدر من التوازن بينها ، وكلّ اضطراب هو فشل لها في الادارة تتحمّل الحكومة مسؤوليته الاولى دون سواها .
انّ الخطأ الاوّل واصابع الاتهام والاحتجاج المباشرة يجب ان توجّه راسا لوزارة النقل وادارة شركة نقل تونس ، التي تنكّرت بشكل غير مشروع لمصالح اعوانها ، وانقلبت بشكل غير شرعي ، وغير قانوني او اخلاقي ، لاتفاقها المكتوب والمعلن معهم حول تمكينهم من حقوقهم (قياسا على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين يكون محضر الجلسة الرسمي كذلك ) ، وهو ما يجعل الحكومة ككلّ امام مسؤوليتها الاساسيّة في الايفاء بتعهّداتها حفاظا على الاستقرار وضمان لاستمرارية سيادتها وسلطتها اخلاقيا .
اما بالنسبة لشكل الاضراب (الفجئي ) وتوقيته السياسي والواقعي (بمعنى ساعة انطلاقه في وسط يوم العمل العادي )الذي يجرّح في جانب من مشروعيته ، فهو امر يجب ان تحاسب عليه القيادة النقابية والسياسيّة للاضراب مهما كان لونها او انتماؤها ، لانّها اقحمت منظوريها في معركة سياسيّة يبدوا للوهلة الاولى انّها تتمحور حول اقتسام حقائب الوزارة المقبلة او على الاقل للضغط بهم توجيها للنقاش وجهة يخدم مصالح "الارستقراطية " السياسيّة الجديدة ، مستغلّة في ذلك حقّا اصيلا لمنخرطيها وعموم اعوان قطاع النقل ، متلاعبة بمصالحهم و مهدّدة بضرب مصداقية ومشروعيّة الحركة الاحتجاجية عموما والحركة الاضرابية بشكل خاصّ .
ويبقى الدرس الاهمّ اكتسابه من هذا الحدث ، هو معرفة انّ اجهزة الدولة ، واجهزة سلطة راسالمال والمغرّر بهم من "الثقفوت" لن يدّخروا جهدا في احباط عزائم المضربين ، والمحتجّين والتقليل من شان تحرّكاتهم ، وتجريمها من زاوية التعاطي الجامد والبيروقراطي للمنظومة القانونية ، وتحميلهم فاتورة كلّ الاخفاقات و العجز الحكومي بدعوى "تعطيل المصلحة الوطنية " !!! ولا فرق هنا بين هذا القول وبين ذاك الذي نادى يوما في 2012 من تحت قبّة التاسيسي بقطع ايدي المضربين من خلاف بدعوى افسادهم في الارض !!! . هذا التهافت على مصالح الكادحين لن تردعه غير وحدتهم وتكاتفهم دفاعا عن مص
حقوقهم الجوهرية المشتركة واهمّها حقّ تعطيل العمل لمّا لا يكفل كرامتهم كما يطلبونها بشرف .