حال الطبقة العاملة في العراق


عادل احمد
2015 / 1 / 11 - 22:47     

تعاني الطبقة العاملة في العراق من التشتت في صفوفها والضعف في تنظيمها وعدم الوضوح في افقها. ان هذه الخصائص ليست خاصية للطبقة العاملة في العراق فقط بل تشمل حال الطبقة العاملة في المنطقة برمتها. من اين جاء هذا التشتت وهذا الضعف في التنظيم والافق؟
طوال عقود من الزمن سيطر التيار الاصلاحي على الحركة العمالية في العراق وعلى مسارها السياسي. وهذه السيطرة ادت الى تضعيف الأتجاه السياسي للتيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة وكذلك تضعيف افقها السياسي وتقاليدها النضالية الشيوعية. ان التيار الاصلاحي المتمثل بالحزب الشيوعي العراقي كان اكبر عائق امام ترسيخ السنن والتقاليد النضالية للشيوعية العمالية داخل الطبقة العاملة. وفي احسن حالاتها كانت ترشد الطبقة العاملة الى مجموعة اصلاحات في التنظيم والاقتصاد ووفق تدخل الدولة في تقليل البطالة وتوفير مزيد من الخدمات الاجتماعية كما كان موجود في الكتلة الشرقية للاشتراكية البرجوازية. ومن الناحية التنظيمية كانت العمل النقابي هو الاطار المناسب لاحتواء الطبقة العاملة نحو تحقيق هذه الاصلاحات.
ومع انهيار الكتلة البرجوازية للاشتراكية في أوربا الشرقية في بداية التسعينات من القرن الماضي, انهارت افاق وتقاليد هذه الحركة الاصلاحية في العراق وتركت اثار سلبية ليس على التيار الشيوعي وحسب بل وعلى مجمل الحركة العمالية وتياراتها وميولها الاجتماعية. وان بأنهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية للاشتراكية البرجوازية انهار التيار الاصلاحي داخل الطبقة العاملة العراقية واختفى بديله التنظيمي والنقابي، وادى الى التشتت في صفوف الطبقة العاملة في العراق والتي كانت تحت تأثير قيادة التيار الاصلاحي في ذلك الوقت. ومع اندلاع حرب الكويت وفرض الحصار الاقتصادي الامبريالي على العراق من جهة وهجمة الدولة البعثية على حياة ومعيشة الطبقة العاملة وفرض سياسات قمعية ولا أنسانية الى ابعد الحدود, ادت الى شل مقاومة الطبقة العاملة وشل حركتها الأحتجاجية.
ان عدم اسقرار الاوضاع السياسية في العراق من حرب الخليج والحصار الاقتصادي وكذلك سقوط حكومة البعث واحتلال امريكا للعراق وما رافقه من تقسيم طائفي وقومي تم تسميته بالعملية السياسية, دفعت هذه الاوضاع الحركة العمالية الى الهامش وخنقت انفاسها وبالتالي قل تأثيرها لا على المجتمع فقط بل وحتى على العمال انفسهم. ان هذه الدورة كانت ادنى مستوى وصلت اليها الطبقة العاملة في كل تأريخها النضالي.
على الرغم من وجود الحزب الشيوعي العمالي في العقدين الاخيرين وحضوره الميداني في خضم صراعات الطبقات الأجتماعية من الناحية السياسية والفكرية، ولكن لم يستطع من الناحية التنظيمية الاجابة على هذا التشتت وهذا الضعف بصورة عملية وواقعية ووضع الحركة العمالية على سكتها. ولم يستطع حتى الان القيام بتخفيف عبء وثقل تأثيرات المراحل السابقة واخراج الطبقة العاملة من دورة الركود التنظيمي وانعدام افقها السياسي. ان استمرار هذه الوضعية حتى الان هي دليل بأن الخروج من الازمة لا يأتي بالنصائح والتحليل السياسي للواقع السياسي للطبقة العاملة فقط، بل يأتي في القيام بالتغيير في مكانة واهمية النضال العملي والتنظيمي الحزبي والجماهيري بصورة ملموسة وعملية. ويجب ان لا نخاف من الاخطاء في عملنا التنظيمي عندما نواجهها بل علينا الاستمرار واصلاح الاخطاء والسير الى الامام بأستمرار.
ان الشرط الاساسي للخروج من هذا الضعف التنظيمي والتشتت في صفوف الطبقة العاملة هي عدم الاكتفاء بقدرتنا الفكرية والسياسية للشيوعية العمالية وتحليل الاوضاع بالشكل الموضوعي وحتى الطبقي، بل علينا تحويل هذه القدرة الفكرية والسياسية الى قوة مادية في المجتمع عن طريق ممارستها من الناحية العملية وترسيخها في عقول وأذهان العمال انفسهم. وان البدء بهذه الخطوة هو تنظيم الاحتجاجات العمالية وتشكيل العمال لمنظماتهم الجماهيرية المختلفة. بالأمكان تشكيل منظمات صنفية ومن ثم منظمات عامة حتى وان تكون في البداية منظمات دفاعية، ولكن ارتقائها وتقدمها مرهون بترسيخ تقاليد الشيوعية داخل صفوف العمال.
ان اي خطوة عملية للحركة العمالية سيكون لها سبب في اخراج العمال من اليأس وفتح افاقهم للخروج من الازمة التنظيمية وكذلك تقدم الرؤية النظرية والفكرية للشيوعية العمالية في صراع الطبقات داخل المجتمع. ان انهاء شعور العمال باليأس سياتي بالحركة العملية الى الصراع مع البرجوازية. وان الحركة العملية المقصودة هنا هي الحركة الواعية وليست الحركة العفوية كما يتعقبها الاقتصادويون. وان احدى مهامنا في هذه المرحلة من الناحية الحزبية هو القيام بأخراج الحركة العمالية من التشتت والتفرقة التنظيمية وايضاح الرؤية الطبقية والسياسية للنضال اليومي للطبقة العاملة في العراق. ولقد اسسنا الحزب الشيوعي العمالي العراقي لهذا الهدف. ولكن هناك عدة عوامل اثرت على حركتنا وعرقلت القيام بهذه المهمة، الاحتلال والطائفية كان العائق الرئيسي امام حركتنا للقيام بفتح صفحة نضالية جديدة واسترجاع واحياء التقاليد الشيوعية العمالية والسنن البلشفية بعد انهيار التيار الاصلاحي داخل الطبقة العاملة في العراق. واليوم اصبحت الطائفية بشكل رئيسي والقومية بدرجة اقل محل استنكار قسم اعظم من الطبقة العاملة وهيئت ارضية مناسبة لضرب الاوهام البرجوازية في صفوف الطبقة العاملة. ويمكن تقليل تأثير هذه السياسات على تقدم حركتنا عن طريق رص صفوف مستقلة للطبقة العاملة، وانهاء تشتتها التنظيمي عن طريق تشكيل منظمات جماهيرية عمالية في ميادين مختلفة وبأشكال متنوعة. ان امام الشيوعيين والعمال حلين لا ثالث لهما: اما الاستسلام بلا نضال، او قبول التحدي وخوض النضال.