الاعتداءات على الأطر الصحية تزيد من تأزيم أوضاع قطاع الصحة


رحال لحسيني
2014 / 8 / 31 - 17:33     

الاعتداءات على الأطر الصحية تزيد من تأزيم أوضاع قطاع الصحة


شخصيا، أتفهم عدم رضى المواطنات والمواطنين على مؤسساتهم الصحية وخدماتها، والذي يتوزع بين الواقع المتردي الذي يتخبط فيه قطاع الصحة عموما (وأساسا)، وكذلك جراء الصورة النمطية التي يتم تكريسها والتي يزيد من وقعها السلبي سوء الفهم وغياب التواصل الضروري والمحدد الأهداف بين القطاع والمستهدفين من خدماته.

فأن يتم التعبير عن عدم الرضى هذا أحيانا بصيغ احتجاجية فردية أو جماعية " مقبولة " حتى حينما تكون القضية جزئية أو لاتقيم الاعتبار للأسباب الموضوعية والجوهرية لاختلالات القطاع أو لا توجه سهام النقد فيها إلى الاتجاه المناسب، شيء، لكن أن يتم التعبير عن ذلك وتصريفه في شكل اعتداءات مادية ومعنوية متنوعة موجهة ضد العاملين في القطاع فالأمر يتطلب التنبيه إلى خطورته ( مجددا) والتنديد به.

إن هذا التصادم ناتج أساسا عن القصور والخلل الكبير الذي يطبع المنظومة الصحية الوطنية، فحتى التجاوزات والاصطدامات التي تبدو كأنها " شخصية " لا يمكن فصلها عن هذا الواقع، ناهيك على أن التجاوزات والاصطدامات التي يمكن أن تحدث في قطاع أخر يكون وقعها أكبر في قطاع الصحة..

فلا المقبلين على العلاجات أو الخدمات الصحية يستحقون هذا الوضع ولا العاملين في القطاع مسؤولين عن الاختلالات البنيوية العميقة والتهميش الذي تعرض ويتعرض له هذا القطاع.

***

لقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية الصحة " حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز "؛
وأن الدول ملزمة بإعمال الحق في الصحة، وباتخاذ أقصى ما يمكن أن تسمح به مواردها من خطوات لضمان هذا الحق لعموم مواطناتها ومواطنيها، إلا أن الاهتمام بقطاع الصحة في بلادنا لم يرق إلى المستوى الممكن تحقيقه، وذلك لاعتبارات لا تعود فقط لضعف الموارد والإمكانيات..

فأن يتم استنزاف خيرات بلاد أو إهدار مواردها في سياسات لا تحيط الحق في الصحة بمفهومه العام بالاهتمام اللازم، أو ألا تضع قطاع الصحة ( المنظومة العلاجية على الأقل ) على رأس أولوياتها، فهي قضية تقتضي حلها سياسيا باعتبارها غير مرتبطة بالضرورة بالموارد والإمكانيات.

إن الخصاص المهول في الموارد البشرية في قطاع الصحة - والذي يعترف به حتى وزير الصحة نفسه - رغم أفواج الأطر الصحية المعطلة، لا يمكن الاستمرار في تفسيره " تقنيا " بقلة عدد المناصب المالية المخصصة للتوظيف في قطاع الصحة ضمن باقي القطاعات المعنية بالتشغيل؛

إن الأمر يتعلق بعدم احترام كرامة المواطنين ( نظرا للأثر البالغ الذي تحدثه نوعية الخدمات والعلاجات التي يقدمها قطاع الصحة وظروفها على نظرة المواطنين لبلدهم! )؛
مما يؤدي بالإضافة إلى عوامل جزئية أخرى ترتبط بتسيير القطاع والتكوين...إلخ إلى المزيد من التوتر الذي " يؤدي ضريبته " المباشرة نساء ورجال الصحة جراء تحميلهم نتائج وتبعات أعطاب التدبير وأعباء السياسات العمومية والنظرة التجزيئية في التعاطي مع القطاع.

***

وفي انتظار توفر الإمكانات والموارد البشرية والمالية واللوجستية الكفيلة بالنهوض بقطاع الصحة ليكون في مستوى حاجيات وتطلعات المواطنات والمواطنين ومن ضمنها توفير ظروف العمل اللائق لموظفاته وموظفيه بمختلف فئاتهم وضمان البنية القانونية المناسبة لمزاولة المهن الصحية بما يراعي طبيعتها وخصوصية هذا القطاع الحيوي المنتج ( والمرهق ) وتمتيعهم بالحماية والتشجيع الضروريين وإنصافهم - أعتقد أن الأمر هنا لا يعتبر مطلبا للعاملين في القطاع فقط ( مع مواصلة المطالبة والنضال) بل مطلبا للمجتمع برمته -؛

ما المانع من استعمال وصلات إشهارية للتخفيف من حدة الاصطدام العميق مع واقع الصحة ببلادنا، والمساهمة في التقليل من الاعتداءات المتواترة التي تتعرض لها الأطر الصحية ولو على غرار الوصلة الإشهارية الشهيرة " أناري جابها فراسوا...!"، على أن تتضمن " الوصفة الإشهارية " الجديدة (مثلا) ما يلي:
أختي المواطنة، أخي المواطن..
إلى وصلتي لشي مستشفى أو مستوصف
شد الصف،
شد النوبة شوي..
..
وخا تكون فيك الموت... !

أو إطلاق وصفة إشهارية، ترافق هذه العطلة الصيفية، تستمد مضمونها من شعار "ابتسم ... !":
" ابتسم فأنت ( في المستشفى)..
و " هذ الشي اللي عطا الله .. !".

إن الاعتداءات المتواترة التي يتعرض لها نساء ورجال الصحة أثناء مزاولتهم لعملهم بالإضافة إلى أثارها الجسدية والنفسية المدمرة على ضحاياها وزملائهم وعلى محيطهم، لا يمكنها أن تستمر كـ " بديل " عن النهوض الفعلي بقطاع الصحة ببلادنا.. وأنها تساهم في المزيد من تأزيم أوضاعه. لا يمكن قبولها أو تفهمها.



-------------------------------------------------------------

* رحال لحسيني - نقابي في قطاع الصحة (المغرب)
-------------------------------------------------------------


* المقال ( الاعتداءات على الأطر الصحية تزيد من تأزيم أوضاع قطاع الصحة ) كتب لملف من إنجاز جريدة " رسالة الأمة " تحت عنوان:

أقسام المستعجلات

أطباء وطبيبات....
ممرضون وممرضات
تحت رحمة المشرملين وعنف المحتجين... والوردي خارج التغطية...