أكثر من مليون مواطن في إسرائيل يعانون من الجوع


جهاد عقل
2014 / 4 / 13 - 14:04     


يتباهى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية ، في المحافل الدولية منها والمحلية ، أن الإقتصاد الإسرائيلي بقيادة حكومته ، هو" إقتصاد متين " على الحكومات في الدول المتقدمة "التَعُلُم منه" (يا سلام!!). لكن نتنياهو يتناسى أن يتحدث عن الحقائق كاملةً ، وهي قضايا الفقر ، وأنّ سياسته الإقتصادية أدت لأن تتبوأ إسرائيل المكان الأعلى في عُمق الفجوات ما بين الأغنياء والفقراء ، وأنها تحتل مكان أعلى بين الدول المتقدمة التي يعاني سكانها من الفقر ، هذا غير الإنهيار الأخلاقي وفقدان الأمن المعيشي .
إلا أنَّ قيام مراقب الدولة القاضي المتقاعد يوسف شبيرا بنشر تقريره ، حول توفير الأمن الغذائي للمواطن ومسؤولية الحكومة عن ذلك ، وبالتحديد عشية عيد الفصح لدى المواطنين اليهود ، حيث نشاهد طو ابير منهم يقفون، من أجل الحصول على وجبة العيد ، يقلب رأساً على عقب أقوال نتنياهو حول "متانة الاقتصاد" بل يكشف لنا حقيقة القصور الحكومي ، وفشل برامج رئيسها بخصوص خصخصة الخدمات الإجتماعية بما فيها تقديم هذه الوجبات.
يؤكد التقرير على وجود حوالي مليون مواطن في المجتمع الإسرائيلي يبحثون بجهد متواصل عن توفير وجبة الغذاء اليومي ، بكلمات أدق هم جياع معظم أيام السنة .

مليون من المواطنين الجياع
لن نخوض في مُجمل الأرقام التي حملها التقرير، ويكفي أن نقدم المُعطيات الأساسية وهي أن 330 ألف عائلة تُشكل 18,3% من العائلات في إسرائيل تعاني من عدم توفير الأمن الغذائي 10,5% منها تفتقد الأمن الغذائي بشكل فظيع (قاسي) ويبلغ العدد الكلي 894 ألف مواطن بينهم 306 ألف طفل لم يأكلوا جميع وجبات اليوم، أو إضطّروا لتقليص وجباتهم الغذائية لعدة شهور في السنة بسبب نقص الأموال ، أما في الوسط العربي فقد تم التأكيد من خلال الإستطلاع أن 46,9% قالوا أنهم يفتقدون الأمن الغذائي و30% قالوا أنهم يعانون من فقدان الأمن الغذائي بشكل كبير.
التقرير يتحدث عن 900 ألف مواطن يعيشون يومهم بدون وجبة غذاء ، أو يضطرون لتقليص وجباتهم لفقدانهم المال لشراء وجباتهم اليومية؟ عند الإطلاع على معطيات تقرير مراقب الدولة القاضي المتقاعد يوسف شبيرا ، بخصوص الفقر والأمن الغذائي (الجوع) ، إعترتني موجة من الغضب العارم ضد سياسة الحكومة التي يَتزعَمها بنيامين نتنياهو ، المعروف لنا بأنه ألمعيّ في تصريحاته التي تحمل البلاغة اللغوّية أي صاحب فَذلَكةٍ كلاميه تفتقد المضامين العَمَلِية.
الخلل في الإلتزام المُجتَمعي
يكفي أن نقتبس من التقرير – بل وثيقة الإِدانة للحكومة وسياستها في مجال توفير لقمة العيش لعائلات وأطفال حيث يقول مراقب الدولة في مقدمة التقرير :"إن المُجتمع الذي لا يَقًلق بشأن الفقراء ومَحرومِي العيش فيه، لا يضر بحقوقهم أو كرامتهم فقط لكن بالدولة أيضا، فالبلد الذي لا يكفل الحق في الحياة بالحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، يخل بإلتزامه المُجتَمعي الذي يشدّد على ضمان الحُقوق الأساسية للإنسان وإحترام إنسانيته”.

العائلات العربية وأولادها الضحية الحقيقية

إلا أنّ الخلل بالإلتزام المُجتَمعي يتفاقم بموضوع توفير الأمن الغذائي ، بين المواطنين العرب والأطفال العرب حيث تصل النسبة والعدد إلى أرقام عالية جداٌ ، خاصة وأنّ أكثر من 50% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر ، وفي الوقت نفسه كما أشار مراقب الدولة في التقرير لا توجد هيئات مُمَأسَسَة، على شاكلة الجمعيات التي تقوم بهذا الدور في الوسط اليهودي والتي تتلقى الدعم المالي الحكومي لتقديم الدعم والوجبات الغذائية للعائلات التي تفتقد الدخل لتوفيرها لأولادها، وبذلك يبقى المواطن العربي والطفل العربي يعيش على هامش السياسة الرسمية مع فقدان الحد الأدنى للإلتزام المُجتَمعي الحكومي ، وهنا أوافق الموقف الذي طرحه المراقب شبيرا في تقريره بأن الدولة ورغم فداحة الفقر لدى المواطنين العرب لا تقوم بواجبها بتاتاً، وسط إنتهاج سياسة ذات منهجيه تحمل في كنفها التمييز الصارخ.
المراقب : الحكومة مسئولة عن هذه الفاجعة
مراقب الدولة لم يضع اللائمة على الحكومة فحسب، بل هو يدين السياسة الحكومية ويحمِّل رئيس الحكومة نتنياهو المسؤولية عن هذا الوضع المُعيب على الصعيد الإجتماعي . من جهته يضع المراقب مساراً واضحاً لمواجهة هذا الوضع المؤلم ، وذلك بأن تقوم الحكومة بواجبها وتخصص الميزانيات المباشرة لتقديم الدعم للعائلات التي تحتاج إليه .
كمتابع للموضوع سبق وقامت حكومة نتيناهو السابقة والحالية بإتخاذ قرارات منذ عدة سنوات ، مضمونها تشكيل هيئه حكوميه مع ميزانيات تُصرف على دعم حوالي مليون مواطن يحتاجون لوجبة غذائية يومية.
لكن نهج حكومة نتنياهو لم يتغير وهو قائم على نشر الوعود بلا رصيد مع سابق الإصرار بعدم تنفيذها بل نوع من الألمعية الإعلامية هدفها "تخدير" وتنويم الرأي العام والشرائح المُستضعفة والتي تمنحه بأكثريتها ( لدى المواطنين اليهود) الأصوات في الإنتخابات البرلمانية.

المواطن العربي ضحية سياسة التمييز
واضح أنّ الوسط العربي والمواطن العربي يعيش في ظل وضع يفتقد فيه الأمن الغذائي ، خاصة وأننا نعاني ، كمجتمع من إنتشار الفقر المُدقع والبطالة التي تصل في بعض القرى إلى 55% ، إلى جانب ذلك فقدان الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر ، بل نتلقى الضربة تلو الأخرى من الحكومة الحالية (تقليص مخصصات الأطفال ) وما سبقها من حكومات ، حيث لا توجد خطط ذات مضمون مادي وتخطيطي لإخراج المواطنين العرب الفلسطينيين، من دائرة الفقر ومن دائرة فقدانهم الأمن الغذائي.
وكما جاء أعلاه فإنّ الإعانات الشحيحة التي تُقَدِمّها الحكومة ، تُمنح للجمعيات في الوسط اليهودي ، ومثل هذه المؤسسات مفقودة في مجتمعنا العربي ، لنجد لسان حال الحكومة يقول "لا توجد لديكم جمعيات فلن تحصلوا على التمويل " على شاكلة المثل القائل :" إجت مِنَّك مش منّي" .
هناك من ينتفض – ربما لأمر في نفس يعقوب – ويصرخ مُلقياً باللائمة على المواطن العربي أو على القيادات العربية ، فهذا أسهل المنوال ، أي جَلد الذّات، وكأننا نعفي الحكومة من مسؤوليتها و"نصفق " لسياستها القائمة على التمييز المُمَأسَس ضد المواطنين العرب . لذلك هناك ضرورة قصوى للأخذ بالمسؤولية الذاتية والوقوف صفاً واحداً في وجه مخططي سياسة الظُلم وسلب الحقوق التي نستحقها كمواطنين.
هل من حل ؟؟؟
الحل طرحه مراقب الدولة نفسه لجميع المواطنين اليهود والعرب وهو، على الحكومة التخلي عن سياستها القائمة على أساس خصخصة الخدمات المُجتَمَعِيّة ، وبذلك يؤكد ما أكدتهُ دائماً أن سياسة الخصخصة هذه تعني التنصل من المسؤولية الحكومية وتقديم النزر القليل عن طريق تلك الجمعيات ، التي تقدم خدماتها لمجموعات مجتمعية محدودة جداً ولا تشمل الوسط العربي. وأن تنفذ ما قررته قبل عدة أشهر بتخصيص مبلغ 230 مليون شيكل لهذا الغرض (لم يُصرف منها شيكل واحد لمصلحة توفير الأمن الغذائي) وفق ما جاء في التقرير نفسه ، نطالب وهذا المطلب يتماهى مع مطلب مراقب الدولة القاضي المتقاعد يوسف شبيرا ، بتشكيل هيئة رسمية تخصص لها الميزانيات الكافية لتوفير الأمن الغذائي للمواطنين العرب واليهود على حدٍ سواء.
الدور الحكومي لحكومة نتنياهو ما هو إلا فضيحة حقيقية ، لو حدثت في مجتمعات أخرى لتم إسقاط الحكومة ورئيسها فور صدور التقرير . ونجد المراقب شبيرا يقول بما معناه : الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو أهملت مسؤولياتها في معالجة موضوع توفير الأمن الغذائي إتجاه حوالي مليون مواطن وفي مواجهة إرتفاع مُعدلات الفقر هذا الإهمال يُعد بمثابة ملف كبير فيه إدانة واضحة للحكومة اليمينية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو.