التعددية النقابية خيار عمالي أم توجهات ممول


سلامه ابو زعيتر
2014 / 2 / 1 - 06:14     

بسم الله الرحمن الرحيم
مقال نقابي :
التعددية النقابية خيار عمالي أم توجهات ممول
• النقابي / سلامه أبو زعيتر
المتابع لحالة النقابات العمالية في معظم الأقطار العربية يجدها في حالة صراع نقابي من نوع جديد؛ فالنقابات العمالية إما انقسمت على نفسها أو شُكلت أجسام نقابية عمالية جديدة تحمل مسميات متشابهة تحت مفهوم التعددية النقابية، هذا المفهوم القديم الذي كم نادي به العديد من المفكرين والباحثين والمهتمين بالعمل النقابي العمالي، وتجسد هذا المطلب وتبلور انسجاماً مع الدور الذي تقوم به النقابات والخدمة التي تقدمها للعمال، لإن الخدمة بالمفهوم الاقتصادي تعتبر سلعة، ولتحسين نوعيتها تحتاج للمنافسة لضمان جودتها، مما يدعو لوجود أكثر من جهة تقدمها لخلق حالة من المنافسة، وعلى هذا الأساس تبني العديد من المناضلين العماليين التعددية النقابية، ولكن مع التطور الزمني لدورة الحياة النقابية، وتعاظم النظام الرأسمالي، وتحول العالم لقرية صغيرة، وتعاظم مفهوم العولمة المتوحشة، التي طالت مصالح العمال، وهددت إنجازاتهم ومكاسبهم النقابية، أمسى من الواقعي تقييم حالة النقابات العمالية، وما وصلت إليه الحركة العمالية ووضعها الحالي خاصة في ظل الثورات، وما يسمي بالربيع العربي؛ فأي تغيير أو ثورة يعتبر العمال جزء أصيل منها، بحجم تأثيرهم المجتمعي، والخاصة لما يعيشون من ظروف صعبة، وما يتعرضون له من القهر والاستغلال، مما يدفعهم ليكونوا وقود لأي ثورة أو حركة تغيير؛ ولأنها طبقة كبيرة ومؤثرة يحتم علينا الضمير وانتماءنا لها أن نكون أوفياء ، ونشاركها في التفكير لنهوض بواقعها نحو الأفضل، من هنا نسلط الضوء على موضوع التعددية النقابية، وما آلت له الأوضاع العمالية في معظم الأقطار العربية؟ وسنتحدث بعمومية حول هذا القضية لما نستشعر من خطر قد يهدد مستقبل العمل النقابي، ومصالح العمال في المرحلة القادمة، خاصة أن حجم المشاكل النقابية، والصراع بين قيادات النقابات العمالية، ورموز العمل النقابي أصبح يتصدر وسائل الإعلام، والمواقع الالكترونية، وصفحات الفيس بوك، والصحافة العمالية، وتجاوز كل المنابر العمالية المحلية والدولية، لدرجة وصلت لحالة التخوين بين النقابيين، وتوجيه الاتهامات بالعمالة لصالح العدو، إن كانت هذه حصاد التعددية في العمل النقابي وانعكاسها على مصالح العمال، فإن خطرها ومضارها أكبر من منافعها، من هنا يجب أن نقف للحظات، ونفكر لماذا في هذه الفترة بالذات تزيد الدعوة للتعددية؟ رغم إمكانية الإصلاح عبر المؤسسات النقابية القائمة في هذه الفترة لما تحمل من بوادر تغيير وثورة طالت النظم السياسية والمؤسسات المجتمعية بالمنطقة.
عندما نتسأل من هم الأشخاص الذين يقومون بإنشاء النقابات العمالية الجديدة؛ نجد معظمهم إما انشقوا عن الأجسام النقابية الموجودة، وأما لم ينجحوا بالانتخابات أو لم يحققوا مصالحهم من خلال الأجسام الموجودة، فأسسوا نقابات تحت مسميات وأهداف مشابهة لما هو قائم، وهذا يعني أن تشكيل الهيئات النقابية الجديدة يحمل نفس أفكار المدرسة القديمة القائمة، ولم تكن تجديدية، بمعنى أن الذين أسسوها أتوا من هيئات نقابية فوقية لا قاعدية؛ وبدعم أو برعاية من مؤسسة نقابية دولية، والملاحظ أن هذه الأجسام النقابية التي أنشأت؛ بهدف خدمة مصالح العمال لتغطية عجز النقابات التقليدية القائمة التي لا تقوم بدورها اتجاه العمال حسب المفهوم السائد، نجدها خلقت صراع مع النقابات القائمة والأجسام النقابية، وتطور الخلاف بينها لأعلى المستويات، وغاب العمل النقابي الحقيقي عن أجندتها ونشاطاتها النقابية، وهذا ما يؤكد أن النتيجة للتعددية خرجت عن الهدف الحقيقي لخلفياتها، وهذه النتيجة السلبية إما تعود لعدم وعي القيادات النقابية لمهمتهم الحقيقية أو أنهم وقعوا فريسة لخطة موضوعة لتفريغ العمل النقابي العمالي من مضمونة الوحدوي والنضالي والمؤثر، لوضعه في حال صراع داخلي، للتنافس في تقديم التنازلات على حساب مصالح العمال، لصالح المشغل والنظام الرأسمالي، وما يحقق مصالح أشخاص يتربعون على عرش العمل النقابي أن صح التعبير كمملكة خاصة، إذا كان هذا المنظور للتعددية فإن القيادات النقابية والعمالية وقعت في شرك خطير يهدف له الممول الذي يرعى ذلك، مما يدعو لإعادة النظر لمفهوم التعددية النقابية، وما المصلحة منها؟ وكيف يمكن أن تكون رافعة للعمل النقابي؟ لا معول هدم يهدد تاريخ الحركة النقابية وقوتها النضالية.
فلهذه اللحظة ما يحدث هو تجزئة للعمال النقابي، وتجزئة المجزء حتى في الأجسام النقابية حديثة الولادة، والتي كنا نتنبأ لها بمستقبل نقابي، وأن تلعب دوراً في التغيير ونصرة قضايا العمال، فقد أصابها نفس العطب، وانقسمت على نفسها، وغاب العمل النقابي والدور الحقيقي لها عن ميدان النضال العمالي المطلبي، من هنا اقترح بعض الأفكار والتساؤلات لعلها تكون رافعة لتطوير العمل النقابي، والخروج من الأزمة التي أوجدتها حالة التعددية النقابية الغير مدروسة التي وقعت فيها النقابات العمالية الجديدة في بعض الأقطار العربية وعلى سبيل المثال منها :-
- يجب على النقابات العمالية أن تقف خلف مطالب العمال التي تمثلها، وتقوم بوضع خطط عملها بما يحقق أهداف وجودها الحقيقي لا أن تكون فريسية لصراعات شخصية.
- تغليب لغة الحوار بين الأجسام النقابية، والبحث عن قواسم مشتركة لتوحيد الجهود النقابية تحت مظلة مصالح العمال لتشكيل قوة عمالية تستطيع أن تحقق أمال وطموح العمال .
- ضرورة وجود تشريعات نقابية تنظم التعددية النقابية إن وجدت بما يساهم في حماية مصالح العمال، ولا يعرضهم لاستغلال بسبب صراع النقابيين واستقطابهم هنا أو هناك.
- ضرورة أن تدرس النقابات العمالية في كل قطر عربي واقعها النقابي بشكل جدي، ومقارنة ما هو قائم في إطار الدور الحقيقي للعمل النقابي، ومحاولة لوضع رؤية علمية ومنهجية لتطوير العمال النقابي، وما هي أفضل السبل؟ إما بالوحدة النقابية أو التعددية ، وما هي الضمانات لتجنيب مصالح العمال الصراعات النقابية؟ وما يحدث من تفريغ لمضمون نضالاتها الثورية؟
- تحديد مستويات التعددية النقابية من خلال الإجابة على تساؤلات أهمها هل من مصالح العمال أن يكون في موقع العمل الواحد أكثر من جسم نقابي؟ وكيف يمكن لها أن تحقق قوة ضغط لصالح مطالب العمال؟ وما شكل تضامنها ووحدة نضالها؟ ومن ثم المستويات الأعلى لكل مهنة وقطاع عمالي؟ وما مدي قوة تأثيرها في رسم السياسات وتشريع القوانين ..الخ؟
- في حالة الاقتناع بضرورة التعددية النقابية كمنهج للعمل النقابي الجديد في المنطقة، ما هي الضمانات التي ستحمي النضال العمالي؟ وتضبط العمال من حالة الاستقطاب لتحقيق الانتماء والتضامن العمالي، وتشكيل قوة ضغط لصالح نضالهم المطلبي.
لا أريد أن أطيل بالتساؤلات الأفكار؛ فما أود أن أشير له أن الحالة الغير صحية التي تمر بها النقابات العمالية التقليدية، والجديدة وخرجها عن المألوف في العمل النقابي، وهذا الصراع الذي أضعف الحركة النقابية العمالية على جميع الأصعدة المحلية والعربية؛ يجب أن يوضع له حد بقانون ينظم العمل النقابي ويحدد ميادين العمل للجميع، وبما ييحقق دوراً تكاملياً بين هذه الأجسام، وتكون المنافسة بينها على أساس تطوير نوعية وجودة الخدمة المقدمة للعمال، ووضع مدونة سلوك تضم الأخلاقيات المهنية للعمل النقابي لمحاسبة كل من يخرج عنها نقابياً، أو إعادة النظر نحو ضرورة تجسيد الوحدة النقابية خاصة وأن شعار يا عمال العالم إتحدوا، يتجدد اليوم من بنداءات العمال التجديديين أمام تعاظم النظام الرأسمالي، والعولمة المتوحشة، وأصبح ضرورة لمواجهة المستجدات الصناعية والاقتصادية، والحالة التي يمر بها العمال من ضعف واستغلال لجهودهم من قبل المشغلين في ظل ضعف التشريعات والقوانين، وأمام مصالح الشركات متعددة الجنسيات، وعابرة القارات التي تهدد مصالح العمال، وتعاظم أرباحها على حسابهم، بالإضافة لتراجع النضال النقابي حول القضايا القومية والمصيرية في المنطقة التي تحتاج لوحدة، وتضامن العمال والقيادات النقابية؛ كقضية فلسطين وما يحدث في الوطن العربي ...ألخ .
أخيراً أن الهدف من هذا المقال والطموح والأمل الذي ننشده؛ وجود حركة نقابية قوية لتحقيق مصالح العمال وحشد التضامن لقضاياهم، ولم نقصد الإساءة لأي جهد لتطوير العمل وسيكون للحديث بقية إن شاء الله

• عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين