الطبقة العاملة بمنطقة الرباط – سلا – تمارة في مواجهة الليبرالية المتوحشة


النهج الديمقراطي العمالي
2002 / 11 / 7 - 04:06     

 

إن سائحا ساذجا يقف على واجهات البنوك ومقرات المصالح الوزارية والمؤسسات العمومية ووكالات الأسفار وشركات الطيران ومطاعم "ماك دونالد" والفنادق والمصحات الخصوصية والعمارات الزجاجية  والاقامات والفيلات الشاسعة والقصور على اختلاف أحجامها وممثلية البنك الدولي ووكالات الشركات المتعددة الإستيطان ... التي تزين بعض شوارع  وأحياء مدينة الرباط، سوف يعتقد أن الأمر يتعلق بدولة متقدمة يتمتع سكانها بنظام ديمقراطي يضمن توزيعا عادلا للثروة ينعكس على مستوى عيشهم من خلال هذه المظاهر الخادعة.

لكن ما أن يغوص المرء في منطقة الرباط – سلا – تمارة حتى تصدمه هوامش شاسعة من البؤس والإهمال والتهميش تنعدم  فيها أبسط شروط الحياة الكريمة من سكن لائق وطرق معبدة وإنارة ونظافة ومجاري صرف المياه. وفي هذه الأحياء بالضبط تتواجد الوحدات الصناعية (حي التقدم، حي الرحمة، تمارة) التي تلف عشرات المعامل بالإضافة إلى الضواحي التي تضم الضيعات ومجموعة من معامل إنتاج الدجاج والبيض. وتجمع هذه الأحياء بين مظاهر الثراء الفاحش من جهة، والفقر والبؤس اللذين يغرق فيهما آلاف العمال والعاملات وعائلاتهم نتيجة الاستغلال المكثف فضلا عن القهر والتشريد المسلطين عليهم.

إن الباطرونا المتوحشة التي استولت على بقع أرضية بأثمان رمزية وحصلت على تشجيعات مالية وتتمتع بإعفاءات ضريبية وتستفيد من مساندة السلطة المخزنية في خرقها لقانون الشغل والتملص من آداءات الضمان الاجتماعي، تتكون في أغلبها من أشخاص يتقلدون أو سبق لهم أن تواجدوا في مواقع بارزة إدارية أو تحملوا مسؤوليات سياسية في المجالس المزورة التي أتت الحياة السياسية المغربية على امتداد ما يناهز نصف قرن، أو أنهم مقربون من الأشخاص الذين راكموا الثروة من خلال استغلال النفوذ وزرع الفساد ونهب الممتلكات العمومية وقمع الحريات. كما تتميز هذه الباطرونا الهجينة بافتقادها للحس الوطني وبجشعها  وعدائها لحقوق العمال والعاملات وللحق في التنظيم النقابي على الخصوص.

 وتتشكل أغلبية المؤسسات الصناعية بالمنطقة من معامل الألبسة الجاهزة التي تصدر إنتاجها أساسا في اتجاه الدول الأوروبية، وبما أن هذه المؤسسات تعتمد على الربح السريع وتمتنع عن الاستثمار في مجال التجديد والابتكار  وتتميز بسوء التسيير فإنها تفتقد لمقومات المنافسة في الأسواق الخارجية وينتج عن ذلك تقليص مستمر للإنتاج والإغلاق اللاقانوني للوحدات الإنتاجية مما يعني تشريد آلاف العمال والعاملات وبالتالي تعميق واقع البؤس الذي تعيشه ساكنة الأحياء المهمشة التي تتواجد بها هذه المعامل.

وتتكون باقي المؤسسات من مصانع للخشب ومواد البناء والمطاحن ووحدات الخدمة بعد البيع وصيانة السيارات  والفنادق والضيعات ومعامل لإنتاج الدجاج  والبيض والاعلاف والمقالع ...التي يعاني عمالها بدورهم من أفظع أشكال الاستغلال، بحيث أن مدة العمل بها تتجاوز تسع ساعات وقد تصل إلى 12 ساعة في اليوم، ونادرا ما يطبق بها الحد الأدنى للأجور، ولا يصرح بها بمجموع العمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو يصرح بأقل من أيام العمل الحقيقية، كما لا تطبق بها مقتضيات القانون الخاص بالإجازة السنوية والعطل الرسمية والدينية والراحة الأسبوعية والرضاعة والأمراض المهنية وحوادث الشغل ... وهو نفس الاستغلال الذي تعانيه فئات أخرى من العمال العاملين بالنوادي والمقاهي والمخابز وشركات الحراسة والبوابون ...

إن عنف الهجوم الذي يتعرض له الحق النقابي في السنين الأخيرة يجد تفسيره في كون الباطرونا المتوحشة تحاول تجريد الطبقة العاملة من أحد أسلحتها في الحرب الطبقية المشتعلة ضدها. وقد أصبح مجرد تأسيس مكتب نقابي يلقى مساندة العمال مغامرة مضمونة العواقب بالنسبة للعديد من النقابيين والعمال والعاملات.

أما الأجهزة القمعية للسلطة المخزنية  ومندوبياتها في الشغل ومحاكمها القضائية، فهي عموما تقوم بدورها الطبقي المنحاز إلى جانب الباطرونا المتوحشة سواء من خلال غض الطرف عن خرقها لقانون الشغل وتبرير ذلك بمقولات "حماية الاقتصاد الوطني" و "تقدير صعوبات المقاولة" ومن خلال غياب دور المراقبة من طرف مفتشية الشغل والضمان الاجتماعي أو تجميد محاضر جنح الإغلاق من طرف وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية. ويصل تورط هذه الأجهزة إلى درجة المشاركة في قمع العمال من طرف قوات الدرك والشرطة والتدخل السريع والقوات المساعدة، إضافة إلى اعتداءات العصابات المأجورة من طرف مافيا الباطرونا. ولا غرابة أن ينهال عامل سلا المدينة المدعو "اعسيلة" بهراوته على رأس العاملات بمدخل أحد معامل النسيج وأن يشارك  قائد بعين عودة إلى جانب مالك ضيعة أفيتيما في عملية تعذيب العاملات والعمال قبل اعتقالهم وسجنهم لمدة أربعة أشهر والهجوم على المقرات النقابية كما هو الحال بالنسبة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل بالرباط  التي احتل جزء من بنايتها بعد هدم الجدران بالجرافات ليلا، وإلقاء القنابل المسيلة للدموع واعتقال ومتابعة المسؤولين النقابيين بداخل المقر ...ولا غرابة كذلك أن يصدر أخيرا  حكم ابتدائي جائر يبرأ ذمة المافيا التي شردت عمال "مطاحن الساحل" منذ سنوات.

إن الأوضاع السالفة الذكر مرشحة للتصعيد بسبب عداء الباطرونا للعمل النقابي وجشعها وبحثها عن تخفيض كلفة الإنتاج  ولربما تحويل العمال إلى عبيد عن طريق تكثيف الاستغلال. كما أن الطبيعة الطفيلية لهذه المقاولات واعتمادها على الإعفاءات الضريبية  والقمع السلطوي سيؤدي لا محالة إلى إفلاس العديد منها نتيجة التبذير والبذخ  لدى  أصحابها وسوء التسيير وضعف السوق الداخلية بحث يعيش ثلث المواطنين تحت عتبة الفقر، وافتقادها لأبسط مقومات المواجهة في ظل عولمة اقتصاد السوق الرأسمالي الإمبريالي وبالتالي احتمال مزيد من إغلاق المعامل وتسريح آلاف العمال، وكذا مع إصرار الحكم المخزني  وحكومته على تمرير المشروع الرجعي لمدونة الشغل ومحاولة تقنين منع الاضراب.

إن المناضلين المرتبطين بقضايا الطبقة العاملة والكادحين مدعوون لمزيد من الالتحام بالطبقة العاملة والمساهمة في تنظيمها وتأطيرها بهدف فرز أدواتها  الدفاعية المستقلة والديمقراطية والجماهيرية،  وإحياء قيم التضامن والمؤازرة بين مجموع الأجراء  استعدادا  لدحر المعارك التي يشنها المستغلون المستفيدين من زحف الليبرالية المتوحشة. هذا الزحف الإمبريالي الاستعماري الرجعي لا يمكن دحره، وتحقيق المطمح الاستراتيجي للمستضعفين الذي يتجلى في تحطيم قيود الاستغلال الرأسمالي إلا بالانخراط الواعي للطبقة العاملة  في بناء أداتها السياسية .