الحركة العمالية ... المقدمات والآفاق


ماجدة تامر
2005 / 5 / 1 - 23:47     

لم يكن لأوروبا طبقة عمالية في القرن التاسع عشر، حيث كان قسم كبير من الأعمال الصناعية يتم في الأرياف.

وكانت الورشات قائمة في المنازل، حيث أن كل عامل بوسعه العمل داخل منزله وبمساعدة أفراد أسرته أيضاً.

أما في المدن فقد انتشرت الصناعات اليدوية والحرفية وسادت وفرضت تقاليدها وأنظمتها على العمال، إلى أن أتت الثورة الصناعية الأولى لتقلب الأمور رأساً على عقب.

فخلال القرن التاسع عشر، ساهمت الهجرة الريفية نحو المدن بأعدادها الكبيرة، بتوسيع المدن وتزويدها باليد العاملة اللازمة للصناعات الكبرى، فتشكلت طبقات العمال أو ما كان يسمى بالطبقات الخطرة حسب تعبير القوى الرأسمالية الرافضة للحركة النقابية.

ففي بريطانيا تأسست الحركة النقابية منذ عام 1824 أما في فرنسا فقد تأخر الاعتراف بحركة النقابات فلم يتم ذلك إلى في عام 1884.

وأول من عارض هذه النقابات الرأسمالي الكبير" رينيه شابلين" بقوله: " تلك هي اتفاقية حرة بين العامل ورب العمل الذي عليه أن يثبت الأجرة اليومية للعامل دون أي وسيط بينهما " .

أما الأنظمة التي تعاقبت عبر القرن التاسع عشر فقد تبنت هذه الفكرة ولم تتدخل في العلاقات القائمة بين العمال وأرباب العمل.

فكان القائمون على هذه الأنظمة يعتقدون أن من واجبهم الحفاظ على النظام العام فقط، في حال النزاعات لحفظ الأمن والسلم أو تدارك الفوضى وقمعها.

مما يعطي انطباعاً بأن الحكومات كانت منحازة لأرباب العمل على حساب العمال.
وقد اتجهت الحكومات شيئاً فشيئاً وانطلاقاً من القانون 1841 المتعلق بعمل الأولاد، لسن تشريع اجتماعي جديد لقوانين الحقوق المشتركة ومن ثم تطويرها.

فلقد أخذت إدارة تنظيم العمل تتطور تدريجياً وتم تعيين مراقبين للإطلاع على أحوال العمال وإنتاجهم بدءاً من عام 1892 ثم إيجاد وزارة عمل عام 1906.

وقد جمعت هذه القوانين عام 1910 وظلت طيلة القرن المنصرم تتضاعف.

واليوم فإن بنود وفقرات قانوني العمل والضمان الاجتماعي تفوق تلك المتعلقة بالقانون المدني بمرتين.

وإذا عدنا إلى فرنسا على سبيل المثال، نجد بأن الحكومات الفرنسية في القرنين التاسع عشر والعشرين سواء كانت يمينية أم يسارية قد انبثق منها تياران من الأفكار المتضاربة.

التيار الأول مصدره النظام الليبرالي والتيار الثاني مستوحى من الاشتراكية وبامكان حكومة واحدة الجمع بين هذين التيارين.

إن الأفكار ذات الطبيعة الليبرالية تتصف بأنواع ثلاثة من الحريات:

النوع الأول:

يميل إلى إلغاء القوانين التي تضر بالعمال في سبيل الدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية.

النوع الثاني :

يميل إلى توفير الوسائل اللازمة للعمال من أجل الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، لأن القانون يعطيهم الحق أيضاً بأن يكون لهم ممثلون رسميون ناطقون باسمهم ويوفر الشروط المناسبة للعمل ويؤمن لهم الضمانات الاجتماعية وما شابه، وقد وضعت هذه الحرية التعاقدية موضع التنفيذ عملياً بموجب قانون 11 شباط لعام 1950.

النوع الثالث :

هو تحديد مسؤوليات العمال في المجالات المختلفة بغية وضع حد للممارسات المتخذة ضد العمال ومؤيديهم .

أما التيار الثاني المستوحى من الاشتراكية فهو يميل إلى تحديد القوانين المتعلقة بالأجور ووحدة العمل وكيفية بناء علاقات اجتماعية سليمة بين العمال وأرباب العمل.

هذه التيارات تترجم لنا النزوع الطبيعي لتطبيق هذه القوانين من قبل الدولة ذاتها، حيث أن مبدأ تدخل الدولة في حل مشكلات العمال الاقتصادية منها والاجتماعية يعتبر أساسياً وإنسانياً من أجل استمرار الطبقة العاملة وبالتالي التمهيد لولادة حقيقية جديدة ومقدسة للعمل.

عمال شيكاغو:

أما في الجانب الآخر للأطلسي وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد خاض العمال الأمريكيون معركة نضال مطلبي لوقف الاستغلال الذي يمارسه ضدهم أرباب العمل ومالكو وسائل الإنتاج ورأس المال ولكنها انتهت بالفشل.

وفي أيار عام 1886 صعدت النقابات العمالية الأمريكية نضالها بإعلان الإضراب الشامل لتحقيق شعار 8 ساعات عمل بعد أن كانت ساعات العمل تتراوح بين 12 إلى 18 ساعة في اليوم الواحد.

إن تحقيق هذا المطلب للعمال يعني بالنسبة لقوى الاستغلال انخفاض نسبة الأرباح غير المشروعة المرتكزة على سرقة جهود العمال.

لذلك فقد رتبت مكيدة لحرف الإضراب عن جوهره وتحويله إلى مظهر من مظاهر الشغب، فدست قوى الاستغلال أحد عملائها ليلقي قنبلة على الشرطة الأمريكية التي قامت بدورها بالرد على المتظاهرين وأسفر الحادث عن مقتل أربعة عمال وسبعة من رجال الشرطة وجرح أكثر من مئتي عامل.

واعتقل عدد من القادة النقابيين الذين تمت محاكمتهم صورياً فأعدم عدد منهم وزج بعدد آخر في السجن.

وهنا نتساءل: هل كان مطلب ثماني ساعات عمل في اليوم المحرك الأساسي لانتفاضة عمال شيكاغو؟

إنه في الواقع أحد المطالب التقليدية الذي سيشكل أساساً للحركات الإضرابية للعمال في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 1889 كرست الأممية مؤتمرها الأول للوقوف عند هذا الموضوع حيث اتخذت قرارين اتسما بأهمية خاصة في تاريخ الحركة العمالية حتى يومنا هذا وهما:
1 - تحديد يوم العمل بثماني ساعات والنضال من أجل ذلك في جميع أنحاء العالم.
2 - اعتبار يوم الأول من أيار عيداً عالمياً للعمال تخليداً لمآثر عمال شيكاغو.

ومنذ عام 1890 وحتى الآن، درج العمال في جميع أنحاء العالم على الاحتفال، بهذه الذكرى المجيدة التي أصبحت رمزاً للتضحية من أجل حقوق ومصالح الطبقة العاملة.

وتحول الاحتفال بهذه المناسبة إلى تظاهرة عالمية لإظهار الصراع بين الطبقات المستغلة وتلك المستعبدة وبين الرأسمالية والاشتراكية وبالتالي بين الإمبريالية والحركات الثورية العالمية المتعددة .