يوم عامل أزلي!!!


حميد طولست
2013 / 5 / 5 - 15:45     

يوم عامل أزلي!!!
قبل البدأ : المجد للعمال في عيدهم المجيد الخالد في الضمائر..
وكل عام وأنتم بخير..
في مشهد سرياليا ، خرج كهل من خارج الزمن ، يتقدم بخطى متثاقلة نحو الامكان الذي أخذ يزدحم برواده المدمنين ، توقف في استرخاء ، بركن منزو .. زفر بعمق وشدة , كمن يحمل وزرا ثقيلا ، فأسقطه من على الكتف .. تطلع بعيون مترددة لوجوه الواقفين الكالحة المتشابهة , التي تنسكب منها كآبة سنوات الكدح واليأس ، وذل الجري وراء الخبز المغموس بالمهانة والعرق ، الذي لا يُحصد منه سوى الاحباط والخيبة والخذلان والدهول ..
اصطدمت به العيون الزائغة في لحظة انتباه ، سرعان ما شاحت عنه الأبصار مرتدة لوضع الذهول - كما تشيح عن مومس قديمة استهلكها الوقوف عند زوايا الأحياء الشعبية ، بعد أن أصبحت لا تغري أحدا من شبابها ..
لم يكن حظوره في التظاهرات العمالية، امرا غير مألوف، أو نادر الحدوث ، فقد كانت مشاركته اشبه بطقس مقدس ، وعادة متبعة وبأستمرار مند عام 1889 الذي قرر فيه عمال بلدان العالم الإحتفال بعيد اليأس والقهر والاضطهاد والتهميش .. حيث لم يتقاعس يوما عن إدمان الهتاف من فوق المنابر التي نخرتها الجرذان..
بدا جسده منجذبا بانشراح غير عادي ، جهة تماوج الجموع واندفاعها ، وبقي رأسه في صراع انفصامي ، يعارض حركة الانجذاب ، قبل أن يحسم الجسد الأمر ، ويسير مترنحا ، يرقص ، مع الجموع المهشمة والمتشظية الراقصة بكل اتجاهات التلاشي وبين أحضان الآمال الشائخة المسروقة .. راسما بيده تحية ضابط عسكري ، شوه انضباطيته بؤس وكراهة ابتسامة الباطرونا التي انتزعت انسانيته ، ولوحت بها في الاتجاهات الراكدة المظلمة للنفوس المشلولة ، التي لا تعرف التمرد او الثورة .. والتي تتعارض مع جماليات العيد ولحظات الاستمتاع بنشوة النسيان والذهول والخروج من زمان ومكان الوحدة الذي يتشوق إليه ، بل يستعجل ، قدوم فاتح ماي آخر موعود ، لينسى فيه ذهنه المكدود ، كل هموم الانسحاق المضني الذي ينغص معيشه ، ويشوه تفكيره ..
وبعد غروب اليوم المشهود ، وتركه لصفوف العمال ، منهكا من نهار حافل بمشاق المشي ، وكمد غبي الشعارات , وجهد معانقة رفاق النضال الذي لم يكف عنه طيلة الاحتفال ، راودته حاجة ماسة لم تنقطع مند جاء إلى الدنيا ، لقذف قطعة الخبز الحافي -التي دستها زوجته في جيب سترته الزرقاء ، ليلة العيد - في معدته التي لم تكف عن هضم ذاكرة ظلت شاهدة على آمال أعياد خائبة ، وأحلام حقيرة عاجزة عن تحقيق ما هو ضروري لحياة مازالت تركع لغزو ليل كثيف يُنتظر جلاؤه بصبر غبي ويائس .
حميد طولست[email protected]