الأوضاع الراهنة ودور العمال في رسم المصير السياسي للمجتمع


فلاح علوان
2005 / 4 / 13 - 11:21     

يمكن وصف سياسة الأنظمة المتعاقبة على الحكم في العراق بما فيها السلطات الحالية المفروضة من قبل الاحتلال فيما يخص موقفها أو علاقتها بالعمال على أنها سعي متواصل لفرض التراجع على الحركة العمالية في المجتمع، وممارسة القمع والاستبداد تجاه أي حركة مطلبية يقوم بها العمال.
واتسمت مراحل طويلة من نضال العمال واحتجاجاتهم بكونها دفاعية ضد تقليص الأجور أو ضد فرض سياسات تعسفية، ولم يرتق نضال العمال ليتحول إلى الهجوم وفرض التراجع على السلطات وأصحاب المصانع ورؤوس الأموال، وفرض إرادة العمال إلا في مراحل محدودة ة وبإبعاد لم ترتق لتشكل ثقلا سياسيا مميزا وأمام هذا الواقع كان مسالة بناء المنظمات العمالية محصورة بيد السلطات فهي التي كانت ومازالت تنصب الاتحادات، بحيث إنها تصبح جزءا من آلة الدولة، وبالتالي تنحسر وتتراجع إمكانية تدخل العمال بشكل منظم في فرض مطالبهم، وتدخلهم في رسم السياسة العامة للمجتمع. بحيث يصبح دور العمال نتيجة هذه السياسات هامشي، بل إن السلطات وأرباب العمل يتحكمون بشكل سافر بوسائل معيشة العمال ومستويات أجورهم وفق مصالحها تحت شتى التسميات والذرائع من قبيل تطوير الاقتصاد الوطني، تطوير مستلزمات الصناعة. كما إنها دائما تمارس نفس السياسة فيما يخص ضغط مستويات الأجور لتحقيق أرباح للرأسماليين أصحاب المشاريع الخاصة بل إن كل قوانينها وتشريعاتها تخدم هذا الاتجاه.
إن أي مطلب عمالي يواجه ليس فقط رب العمل أو الإدارة بل انه يواجه جهاز الدولة مباشرة، فالسلطات تمتلك حساسية عالية جدا ضد أي شكل للتجمع العمالي، أو تنامي أي حركة مطلبية ويجد العامل نفسه حتى أثناء مطالبته بأبسط أشكال الإصلاح يواجه سياسة الدولة بالكامل.
لان مجمل جهاز الدولة الاستبدادي والجهاز الحالي القائم على تكريس سلطة القوى والأحزاب السياسية المرتبطة مباشرة بالمشروع الأمريكي المعادي كلية لأهداف ومصالح العمال بدءا بمشاريع الخصخصة مرورا بأشد أشكال استغلال العمال وصولا إلى بناء نظام سياسي يقوم على تقسيم البشر وفق الهوية الطائفية أو القومية او الدينية، وبالتالي تقسيم جماهير العمال وتفتيت وحدتهم وشل إرادتهم.
نقول إن هذه السلطات تهتز لأبسط نمو وارتقاء للحركة العمالية. لان العمال لا مصلحة لهم في المحاصة القومية والطائفية والدينية، إن قوتهم في وحدتهم وتنظيمهم.
إن اتحاد العمال والتفافهم حول مصالحهم وأهدافهم سيهز مجمل البنية السياسية ويفرض توازنا آخر للقوى السياسية يكون ثقل العمال فيه هو الراجح، ويكون دور العمال في صنع القرار السياسي فعالا بحيث ان بنية النظام السياسي بالكامل ستتغير باتجاه وجود دور اكبر للعمال فيها.

إقرار الدستور
بعد الانتخابات التي جرت في العراق والتي كانت صورية وشكلية ولم تسفر عن فرض إرادة الجماهير في تشكيل السلطة. بحيث انه بعد مضي أكثر من شهرين لم تتمكن القوى السائدة من تشكيل ولا حتى حكومة صورية.
يجري الإعداد في نفس الوقت إلى تكليف هذه القوى بكتابة الدستور ففي الوقت الذي يجب قيام الجماهير من خلال ممثليها ومن خلال منظماتها العمالية بالاشتراك الفعلي والمباشر في كتابة الدستور وفرض إقرار حريات وحقوق العمال في الدستور الذي هو الوثيقة الأساسية للحكم.
على الحركة العمالية الاشتراك الفعلي والمباشر في صياغة الدستور. ولقد عرضنا هذه المسالة بوضوح صيف عام 2003 عند اشتراكنا في مؤتمر آلية كتابة الدستور. وأكدنا على دور العمال في كتابة الدستور.
وقلنا لا نريد أناسا أو خبراء يتحدثون نيابة عنا. نريد الاشتراك المباشر من خلال اتحادنا باعتباره اتحادا عماليا شكله العمال بأنفسهم- ولم يتم تنصيبه من قبل الحكومة- .

أعزائي
إن الأوضاع الراهنة التي نجمت عن تحطيم البنى الأساسية للمجتمع وانعدام الأمن وسيادة الاحتراب والتقسيم وانتشار البطالة.ا
جعل من توفير فرصة العمل وتحقيق الأمان. والحفاظ على الوجود الفيزيقي للعامل هي المطالب الأساسية ، وأصبح نشاطه الأساس يرتكز حول الحفاظ على عمله وعدم فقدانه وضيفته ، وبذا أصبح دور العمال هامشيا فيما يخص تدخلهم في صنع القرار السياسي.
وفي مواجهة هذه الأوضاع والقوى التي دفعت بهذا الاتجاه، تقف ا لقوى الداعية للتحرر والمدنية، ورفض التقسيم القومي والطائفي والديني، والقوى الداعية للعلمانية وبناء المجتمع المتمدن و المساواة التامة بين المرآة والرجل. أي باختصار كل القوى التي تشكل خندقا واحدا مع العمال في بناء المجتمع القائم على الحرية والمساواة.
فمع الأسابيع الأولى لزوال النظام البائد بادر الناشطون العماليون في العراق إلى التدخل في الأوضاع السياسية والاجتماعية.
وحيث كانت المعضلة الأولى التي واجهها العمال، هي توقف المصانع والمعامل والمشاريع، سواء بسبب التدمير أثناء القصف او بسب أعمال النهب والسلب، الأمر الذي أدى إلى إيجاد جيش من العاطلين عن العمل مما قاد بالضرورة إلى كون السعي إلى توسيع حقوق وحريات العمال أمرا يحتل مكانة ثانوية جدا أمام المهمة الأساسية المتمثلة بتوفير فرص العمل.
ومع هذه الأوضاع الكارثية بادر الناشطون العماليون إلى تشكيل مجالس ونقابات في المؤسسات والمصانع التي لم تتعرض إلى الدمار أو النهب، وقام العمال بانتخاب ممثليهم من بينهم دون ترخيص من السلطات ودون إذن أو وصاية من السلطة او من القوى السياسية سواء الموجودة في السلطة او التي تتظاهر بتمثيل مصالح الجماهير.
وشكل نشاط العمال هذا تقليدا نضاليا كسر حاجز التقاليد الموروثة عن الأنظمة السابقة والتي كانت تعتبر النقابات العمالية جزءا من جهاز الدولة. ويتم تعيينها بأوامر حكومية. وتمنح القانونية والشرعية من قبل الوزارات المعنية. أي باختصار ممثل السلطة في أوساط العمال.
المسالة الجوهرية فيما يخص الطبقة العاملة اليوم لاتكمن في بناء نقابات تتميز بعلاقات طيبة مع السلطة وتكون مرخصة حكوميا. وتمتلك مقرات ومكاتب وهيكل إداري ومكتب تنفيذي وغيره ، أي الشكل التقليدي للنقابات الصفراء المكروهة، التي تمرر سياسات الأنظمة السائدة ولكن ترتدي ثياب العمال.
على العمال بناء منظماتهم واتحاداتهم التي ترفع فورا مطالبهم الأساسية .
يجب ان تكون المنظمة العمالية هي التعبير المكثف عن تطلعات القسم الطليعي من العمال، وتكون رايتها هي مطالب العمال ومواجهة السياسات التي تسعى إلى تضيق حريات العمال وقمع احتجاجاتهم.
اذا استطعنا بناء منظمات عمالية كمجالس ونقابات بهذا الشكل، نكون قد رسخنا تقليدا داخل الحركة العمالية يغير توازن القوى ويحول العمال من موقع المدافع ضد إلحاق الضرر بمستوى حياته إلى متطلع لمستوى أفضل، إلى متطلع لتوسيع حقوقه وحرياته المدنية.
وبهذا وحده يمكن فرض إرادة العمال في بناء مؤسسات المجتمع.
يجب ان نبني اتحادات عمالية مقتدرة لننهي والى الأبد تردد العامل من الاشتراك في الاحتجاج العمالي، خشية الفصل من العمل أو مواجهة العقاب.
لننهي والى الأبد إحساس العامل بأنه مستفرد به أمام غول الرأسمال أو غول السلطات الممثلة للرأسمال.
يجب أن يتحول إحساس العامل من الفردانية إلى الإحساس بكونه جزء من قوة مليونية هادرة بامكانها حسم الأمور دوما لصالح المطالب العمالية.
علينا ان نعلن للعمال في العراق، ولعموم المجتمع وللعالم اجمع بأنه في الوقت الذي تصارع فيه القوى السياسية على حصتها من السلطة، وتحيك الدسائس والمؤامرات فيما بينها يجتمع عمال العراق ليوحدوا صفوفهم، وليطرحوا تصورهم، وبرنامجهم لبناء المدنية والخروج من الأوضاع المأساوية الراهنة.
ليكن مؤتمرنا هذا خطوة واسعة إلى الأمام باتجاه فرض دور واسع للعمال في رسم المصير السياسي للمجتمع.
ليكن بوابة مشرعة أمام قوى التمدن والتحرر لتقف في خندق واحد مع العمال.
وليكن منطلقا للعمل الجاد والمثابر لإنهاء التقاليد البالية المتوارثة من عهود الفاشية وترسيخ تقاليد عمالية ثورية
عاشت الحركة العمالية
عاشت إرادة العمال
عاشت المدنية، التحرر، المساواة