تطبيق الحد أدنى للأجور وأثاره الاجتماعية


سلامه ابو زعيتر
2012 / 12 / 27 - 10:00     


يعتبر الحد الأدنى للأجور والحماية الاجتماعية مطلب عمالي بامتياز ، حيث يري النقابيون أن إقرار الحد الأدنى للأجور بمستوى عادل يؤدي إلى تحسن مستوى المعيشة للفقراء والفئات المهمشة في المجتمع ، ويسهم في تقليص الفوارق بين الفئات العمالية المختلفة ، مما يؤدي لتحقيق عدالة أفضل في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع ، كما أن إقرار الحد الأدنى للأجور يساعد على تحقيق وضمان السلم الأهلي، وتوفير نوع من العدالة لإنصاف فئات مظلومة من العمال ، خاصة من يعملون بأجور قليلة لا تلبي الحد الأدنى لمستوى المعيشة في ظل الغلاء المتزايد على السلع الأساسية والأولية التي تحتاجها أي أسرة .
لذا يعتبر هذا الموضوع من الأولويات لدى النقابات لما يحمل من أهمية لها انعكاساتها على العمال والمجتمع ، وباعتبار أن تحديد الحد الأدنى للأجور هو قرار تتخذه لجنة مكونة من أطراف الإنتاج الثلاثة ( العمال ، أصحاب العمل ، والحكومة ) وليس قرارا حكوميا منفردا ، وبالتالي فهو قرار توافقي ويفترض أن يتم الاتفاق والموافقة عليه ، ويعكس مصالح الأطراف ، لا أن يكون على حساب أي طرف ، وبما يضمن أدنى مستوى للمعيشة والحياة الكريمة ، وينسجم مع المعايير الدولية وما نصت عليه هيئة الأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م ،في المادة 23 منه ان : "لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة وعند اللزوم تضاف وسائل أخرى للحماية الاجتماعية ، من هنا نتناول في هذه الورقة بعض القضايا التي يجب أن لا نغفلها حول تطبيق الحد الأدنى للأجور .
أولا / ما هو الحد الأدنى للأجور؟
بتعريف بسيط هو أدنى مبلغ من المال يتقاضاه العامل كأجر مقابل العمل في ( الشهر أو اليوم أو الساعة ) بحكم نص القانون أو التشريع المتعلق بالحد الأدنى للأجور .
وقد عرفت منظمة العمل الدولية الحد الأدنى للأجور بأنه "أقل مبلغ يتوجب دفعه للغالبية العظمى من العمال في دولة معينة لقاء العمل لمدة ساعة أو يوم أو شهر على أن يتم تحديد هذا المبلغ على ضوء تغطية الاحتياجات الأساسية للعامل وأفراد عائلته تبعاً لمستوى الشروط الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك الدولة"
من خلال التعريف السابق نجد الحد الأدنى للأجور له أبعاده الاجتماعية والاقتصادية ،وهو يهدف ويراعى مستويات نفقات المعيشة والحاجات الأساسية للعامل وأفراد أسرته ويوفر وجوداً يليق بكرامة الإنسان، ومستوى لائقاً للمعيشة ، وحتى يستطيع العامل أن يعيش حياة كريمة ويشعر بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمن الوظيفي ، مما ينعكس عليه وعلى أسرته بشكل ايجابي ، ويوفر له على الأقل نوع من الحماية من الاستغلال في الأجور أمام قانون العرض والطلب في ظل البطالة المستشرية.

ثانيا / الحد الأدنى للأجور وخط الفقر :
وفق المعايير الدولية يفترض أن يكون الحد الأدنى للأجور أعلى من مستويات الفقر ويكون المشرع قد اعتبر خط الفقر هو الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه في حالة إقرار الحد الأدنى للأجور ، وفي قراءة حول قرار مجلس الوزراء للحد الأدنى للأجور في فلسطين والذي قدر بملغ 1450 شيقل نلاحظ انه لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات الحياة ومستلزماتها ولا يرقى لمستوى الفقر المدقع في فلسطين والذي قدر بمبلغ أدنى من1750 شيقل ، وهذا سيسب العديد من المشاكل أهمها :
- تصنيف العمال الذين لا تتجاوز أجورهم 1750 شيقل وإن طبق عليهم الحد الأدنى للأجور بفئات اجتماعية تعيش تحت خط الفقر المدقع وهي بحاجة لبرامج إغاثية من الجهات الرسمية والأهلية .
- عدم شعور العمال بالاستقرار أمام عدم مقدرتهم توفير أدنى متطلبات المعيشة لأسرهم بسبب الأجر مما ينعكس على إنتاجيتهم وسلوكهم الاجتماعي وعلاقاتهم .
- الشعور بالظلم مما ينعكس على الواقع ويعزز الصراع مع المشغلين وكل ذلك له اثر على العملية التنموية والسلم الاجتماعي والأهلي .
- التزامات جديدة على الحكومة من اجل تقدم الرعاية الاجتماعية لذوى الأجور المنخفضة كحق لهم بالرعاية على الحكومة .
وعليه نرى ضرورة أن يكون الحد الأدنى للأجور يتناسب في إقراره وتنفيذه مع الهدف الأساسي من وضع قانون ينظمه وهو خلق استقرار وحماية للعامل تضمن له حياة كريمة ومقدرة على إعالة أسرته وتوفير أدنى متطلبات الحياة والإعاشة لهم ، وهذا يحتاج لتحرك و للعمل على تعديل القرار ليتناسب مع متطلبات الحياتية من أطراف الإنتاج كمصلحة مشتركة ووقاية لما هو قادم ، بعيدا عن المزايدات على بعض .
ثالثا / أهمية تطبيق الحد الأدنى للأجور :
تعتبر الأجور من القضايا الأساسية بين العمال أصحاب العمل في علاقات العمل ، وأحيانا تؤدي إلى مشاكل وصراع بين الطرفين، وقد تصبح الأجور مصدرا للحرمان والتمييز ، وعدم دفع الأجور المستحقة في الوقت المحدد يعرض العمال إلى مشاكل مالية واجتماعية كثيرة ، وتدنيها يعرض العمال للكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتزامنة والتي تنعكس علي عمله وعلى علاقته بالأسرة وبالمجتمع مما يترتب عليها شعور بالحرمان والاغتراب ، وهنا وجود قانون يضع معايير للحد الأدنى للأجور يطبق بشكل نظامي يساهم في التالي :
1- منع استغلال أصحاب العمل للعمال .
2- توفير مستوى الحد الأدنى المقبول للمعيشة للعمال ذوي الأجور المنخفضة ومما يسهم في التخفيف من حدة الفقر في نهاية المطاف خاصة بين العمال .
3- يسهم في زيادة الدخل المنخفض للعمال مما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك ، وفي نهاية المطاف إلى المزيد من فرص العمل.
4- يعتبر أداة قوية تساعد على الحد من عدم المساواة في الأجور ورفع أجور العمال الأقل خبرة ومهارة .
5- يساهم أيضا الحد الأدنى للأجور في الحد من الفقر ، يستفيد منه العمال الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة من خلال زيادة دخلهم المنخفض .

رابعا / محاذير التطبيق للحد الأدنى للأجور:
الكثير من العمال بالقطاعات ذات الأنشطة الاقتصادية والخدماتية تعتبر رواتبها الحالية أدنى بكثير من قيمة المبلغ المحدد للحد الأدنى للأجور ، فمنهم من يعمل بعقد أو على بند البطالة في أجهزة الحكومة ، أو من يعمل في مؤسسات تعليمية وتربوية مثل رياض الأطفال ، والمدارس الخاصة ، وعمال غير مهنيين بالمستشفيات ، ومنهم من يعمل في مهن متدنية مثل النظافة وغيرها ... الخ ، الكثير من العمال الذين يأملون البدء الفوري بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم فورا لما يسهم ذلك تحسين أجورهم ودخلهم المادي ، ولكن التطبيق يجب أن لا يغفل بعض الأمور وأهمها :

- بعض أصحاب العمل يعتقد ويدعي بأن تحديد حد أدنى للأجور فيه مصلحة لهم لأنه يلزمه بسقف من الرواتب يكون محميا بموجب القانون (فهو حد أدنى وليس حدا أعلى). وهذا غير صحيح فما يقوله هؤلاء بأنه لا يحق للعامل المطالبة بما هو أكثر منه, فمثل هذه الأفكار تنم عن عدم معرفة حقيقة ما هو مطلوب من تحديد حد أدنى للأجور؟ ، وهذا يحتاج لحملات توعية وتوضيح يقوم عليها الشركاء الاجتماعيين .
- قانونيا يعتبر الحد الأدنى للأجور هو أقل مستوى من الأجر الذي لا يجوز أن يتقاضى العامل (أي عامل) أجرا اقل منه , وإلا فإن ذلك يعتبر مخالفة قانونية لان هذا الحد من وجهة نظر المجتمع هو الذي يمكّن العامل من الحصول على متطلبات المعيشة, ولكن ذلك لا يمنع من ان الآلاف من العمال في العديد من القطاعات يحصلون حسب طبيعة عملهم وظروف سوق العمل على أجر أعلى منه بكثير.
- الحد الأدنى للأجور يفترض أن لا يكون مادة للمزاودة السياسية او النقابية من أي جهة كانت من اجل تسجيل المواقف فقط , فإقرار هذا الحد وتحسينه تتطلب اخذ مصلحة أطراف الإنتاج الثلاثة وموافقتهم , وعملية التطبيق يجب أن تتم بشكل منظم وبمراقبة حتى لا يتم التلاعب بالعمال وإجبارهم على ان يصرحوا قولا حول الأجور بغير ما هو حقيقي ؟ مثل ان يدعى العمال أمام ضغط صاحب العمال بأنهم يتقاضوا أجورا أعلى من الحد الأدنى أمام الجهات الرقابية ، وهم بالفعل يتقاضوا أجورا أدنى من ذلك .
- تطبيق الحد الأدنى للأجور في هذه المرحلة بات ضرورة موضوعية واجتماعية وليس هناك خلاف على ذلك, والتطبيق يفترض أن يتم من خلال جهات حكومية مختصة, كما يتطلب من الحكومة أن تراقب تطبيق القانون وتضمن دفع الحد الأدنى لمستحقيه , فتحقيق ذلك يؤدي إلى استقرار وعلاج للمشاكل التي تتعلق بالأجر في سوق العمل والتي تعتبر مخالفة للقانون .
- يجب أن نضمن خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور وجود تشريعات واضحة وصريحة لربط الأجور بالتضخم والغلاء والزيادة الإنتاجية ،وهذا يحتاج أن نتعاون لوضع تصور لتعديلات موضوعية على الحد الأدنى للأجور تتوافق مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في سوق العمل بما يحقق العدالة الاجتماعية واستقرار في العمل وحماية العامل .

خامسا / المستفيد من قانون الحد الأدنى للأجور :
- العمال ذوى الأجور المنخفضة بوجه عام مثل(رياض الاطفال ، المزارعين ، العمال الغير مهرة ، الغير منظمين نقابيا ،... الخ )
- العمال الذين لا يملكون القدرات التفاوضية ، فيحميهم القانون من الاستغلال في سوق العمل بوجه خاص .
- العمال الذين يمتهنون مهن فيها كساد أي يزداد المعروض منها عن المطلوب في سوق العمل وهى في الغالب العمالة ذات المستوى التعليمي والمهارى المنخفض والتي يسهل وقوعها فريسة للاستغلال من جانب أصحاب العمل ، بحيث لا يكون أمام مثل هؤلاء العمال من بديل للعمل المتاح بأجر منخفض سوى الجوع ، وأحيانا يتمادى أصحاب العمل فى تخفيض الأجور حتى اذا كانت إنتاجية العامل تبرر دفع أجور أعلى .
- العمال غير منتمين إلى النقابات العمالية والاتحاد .
- العمال في سوق العمل الغير منظم .
- العمال الذين يعانون التمييز في الأجور مثل : الجنس (الإناث) ، أو السن (صغار وكبار السن)، أو الأصل أو الإعاقة ..... الخ .

سادسا / الآثار الاجتماعية لتطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل عادل .

- الأجر العادل ومستوى المعيشة اللائق ضمان لحياة إنسانية كريمة .
فتحديد الحد الأدنى للأجور بشكل مناسب بما يكفى لتأمين عيشة كريمة للعامل وأسرته يساعد في استقرار الأسرة وثباتها في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة ولذلك انعكاس على تنشئة الأبناء وعلاقات الأسرة مما يساهم باستقرار المجتمع .
- الأجر المناسب يساهم في إحداث تنمية اجتماعية واقتصادية .
فشعور العامل بالاستقرار والمقدرة على توفير مستلزمات الحياة من خلال اجر عادل يساهم ذلك في زيادة استقراره النفسي مما يؤدي لزيادة مقدرته الإنتاجية وقدرته على العطاء ولو تحدثنا عن التنمية فهي عملية تستهدف الإنسان وأداتها الأساسية أيضا الإنسان ، فتوفير بيئة مناسبة واستقرار للعامل يحقق احد عناصر التنمية ويساهم بها .
- وجود قانون ينظم الحد الأدنى للأجور يساعد ذلك في تخفيف الفوارق بين الفئات العمالية مما يساهم في علاقات عمل مستقرة ويحد من حدة الصراع بين أطراف الإنتاج .
- حصول العمال على أجور مناسبة لإعالة أسرهم يساهم ذلك من تخفيف الكثير من المشاكل الاجتماعية والأسرية وعلى سبيل المثال نجد نسبة عالية من الطلاق بين الأزواج بأسباب عدم مقدرة الزوج على تلبية احتياجات الأسرة مما يثير الكثير من الخلافات والتي تنتهي بالطلاق والتفكك الأسري وغيرها من المشاكل النفسية التي سببها الرئيسي عدم المقدرة على تحقيق الاكتفاء بسبب الدخل الخاص بالزوج أمام متطلبات الحياة والغلاء المعيشي والتي تنعكس على المجتمع واستقراره ، فوجود حد أدنى للأجور يعالج الكثير من القضايا ويساهم في تحقيق السلم الأهلي والاجتماعي .






سابعا توصيات :

- وضع آليات مناسبة لتطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين ومعاقبة أصحاب العمل الغير ملتزمين .
- عمل حملات إعلامية توضح أهمية وأبعاد الحد الأدنى للأجور .
- استمرار عمل لجنة الأجور المشتركة بين أطراف الإنتاج بهدف الوقوف على إجراءات التطبيق ومتابعة المتغيرات التي تحدث في سوق العمل والغلاء وغيرها .
- مراجعة رواتب موظفي الحكومة الأساسية ورواتب العقود والبطالة ومعالجتها وفق قانون الحد الأدنى للأجور .
- تشكيل حملة ضغط نقابية لإجراء تعديلات على القرار لرفعه لمستوى بمستوى يوفر الحد الأدنى للمعيشة للعمال ويكون أعلى من خط الفقر المدقع.

د. سلامه أبو زعيتر
عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين