الثورات لا يطلقها المنظّرون، والمفكرون، وإنما البسطاء والفلاحون والعمال !


حميد طولست
2012 / 8 / 10 - 11:44     

الثورات لا يطلقها المنظّرون، والمفكرون، وإنما البسطاء والفلاحون والعمال ! حركة حزب الاستقلال نمودجا.
لا "يتناطح عنزان" حول حساسية ودقة المرحلة التي يمر بها ومنها حزب الاستقلال، والتي اختلطت فيها الأمور، وتشابكت الأحداث من حولها، بعد أن تعذر تحكيم صناديق تجديد الأمانته العامة خلال مؤتمره السادس عشر، الذي كانت كل المؤشرات تدل بالواضح على رجحان كفة رئيس نقابة الحزب للفوز بها كأعلى وارقى منصب في هرمية التنظيم، والذي يرى الكثيرون أنه من حقه ديمقراطيا، كما هو من حق أي حزبية غيره توفرت فيه شروط تبوئه، بينما يرى أنصار غريمه أنه ليس لأحد الحق فيه خارج عائلة الفاسي، لأنه إرث عائلي لا يسمح لأي غريب عن "آل الفاسي" حتى بالتفكير فيه، فبالأحرى التنافس عليه، ويدفعهم ذلك لرفض مجرد مناقشة أو الاصغاء لتقاليد الديمقراطيات الحزبية في اختيار خلف للسيد عباس الفاسي، خشية التفريط في ما توارثوه عن الآباء والاجداد؛ ما جعل ربوع الحزب وأروقته ودهاليزه تشهد خلافات واهية، ومعارك هامشية، ونقاشات وخطب شعبوية، ومهاترات إعلامية فارغة، ارتكزت في غالبيتها على مزايدة أنصار المتنافسين على بعضهم بالنضال والوطنية والقرب والوفاء للحزب ومنخرطيه، إلى جانب تبادل الاتهامات الزائفة في كل اجتماعات الحزب الرسمية والاستثنائية التي أججت الصراع والتناحر بين الفريقين، ورفعت مستوى الضجيج والعويل والصراخ خلال المؤتمر، وزادت من ضراوة افتعال الأزمات وتصعيدها، وتسعير دسائس الأنصار الذين لا يجيدون إلا لعبة الصراع على الزعامة ويدمنون الاقتتال على المعارك التي لا علاقة لها بمصالح الحزب، ولا بمعالجة قضاياه، ولا تلبي حاجيات منخرطيه الآنية للديموقراطية الحزبية، ولا تضيف للحياة السياسية وثقافتها لدا المواطن شيئا، ولا تزيد من منسوب ديموقراطيتها، لأنها بكل بساطة، مجرد تجاذبات أطراف متناحرة ومتخاصمة لا يشغلها أي هم إلا هم لا هم تسجيل الانتصارات الواهية على الخصم لوصول إلى منصب الأمانة العامة للحزب، حتى صدق فيهم قول الشاعر:
إلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلامـا:: وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ:: وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
إن الأطرف في هذه الضجة، والأكثر إثارة فيها، توهم المصارعين على ترؤس الحزب، أنه بإمكانهم استغباء المواطن المغربي عامة والاستقلالي خاصة، بالخطب الرنانة والكلام المعسول، واستثمار الدين والمقدسات، وتوظيف التبريرات والادعاءات، وحشد الأعذار والأوهام، لإخفاء الهويات والأجندات الحقيقية لمشروعهم، وإلباسه لبوس الوطنية والدفاع عن مصالح الحزب وقواعد الديمقراطية، ناسين، أو متناسين أن ثمة فئة من هذه الجماهير –داخل الحزب وخارجه- حصّنت عقولها من تأثير فيروسات الأكاذيب والهرطقات عليها، وما عادت تنطلي عليها حيل تمويه وتزوير حقيقة الصراع الذي ليس إلا مجرد تغطية للفشل الدريع الذي يعاني منه الكثير ممن اصطلحت الأعراف السياسية على تسميتهم بالنخب والقادة الحزبيين، وكأن المغاربة مغفلين إلى درجة تصديق ما يُسربمن اخبار تضليلية بهدف تجيش الناس لتحقيق مكاسب شخصية، أو انقاذ سلطان على وشك أن تدروه الرياح.
في مثل هذه الظروف وفي مثل هذه العوامل التي تساهم كلها في تسخين الوضع وإلهاب قابلية انفجاره، والزيادة في تعقده وتأزيمه، إلى الدرجة التي أصبح معها من السهل جدا على المتربصين والمتحينين للفرص، استثمارها لافتعال الأزمات والتوترات لأغراض سياسوية تحريضية دنيئة تعتمد سياسة فرق تسد، ولزلزلة استقرار الحزب الهشة أصلا.
في مثل هذا المأزق الذي يصعب تجاوزه، تتعاظم الحاجة إلى التفسيرات الموضوعية للتفكيك الحيادي والموضوعي للمجريات،- وهي متوفوة بكثيرة ، ونحن في أمس الحاجة إلى المفكرين الحقيقيين الموجودين بكثرة داخل الحزب وخارجه، والذين من الواجب عليهم أن يفريجوا كربة عسر فهم المرحلة عن عطشى المعرفة ويفسّروا لهم ما الذي يحدث ولماذا يحدث- حتى لو كان تفكيكاً متبوعاً بالتوقعات البعيدة عن كل التنظيرات المنطلقة من التحيزات غير الموضوعية، والانتماءات الضيقة التي أتحفنا بها عبر وسائل الإعلام الذين ممارسو التهريج السياسي والتهييج الخطابي والترويج الحزبي، الذين لا تهم أكثريتهم إلا مصلحتهم الشخصية، المرتبطة بتبرئة الحزب وتنظيماته الموازية ونقاباته العمالية من مسؤولية ما يجري من حراكات احتجاجية وما أفرزته من آراء متناقضة ذهب بعضها إلى الإدعاء بأن هناك مؤامرات تحاك ضد الحزب لرسم فصول مراحله لما بعد المؤتمر، وآراء أخرى تزهو حتى الثمالة، بأن التغيير داخلي ويقوده مناضلون استقلاليون انخرطوا بشكل كثيف في مسلسل خلخلة البرك الآسنة داخل الحزب والقضاء على مختلف مظاهر الاستبدادية ولا ديمقراطية وكل مظاهر الفساد الذي ينخر جسمه، وما بين التناقضين آراء خجولة تميل حيث تميل آراء الآخرين. ـــ التي ما زلنا على مسافة بعيدة عن الآراء التي تعطي تصوراً حقيقياً، أو صورة أصلية، عن الحزب العصري الذي يشكل أسسَه ولبناته. فكم يتمنى الكثيرون أن يكون ما يحدث اليوم في حزب الاستقلال ثورة للتغيير الجذري للكثير من المفاهيم الحزبية العتيقة التي عاشتها الاحزاب المغربية مدة من الزمن، وألا تكون مجرد حركة للإطاحة بشكل من أشكال الأنظمة الشمولية، لتوليد شكل جديد لها تحت مسميات مختلفة قد تسر السامعين، وتفرح الحالمين. ليس قصدي هنا بث الإحباط في نفوس المتنافسين ومن والاهم، ولا التقليل من حجم ما حققته تنافسيتهم المشروعة مند بدايتها وقبل ان تحقق نتائجها النهائية، والتي هي، بدون ريب، بداية صحيحة لتغيير شامل للتراكم "المفاهيمي" لمعنى الحزبية ومفهوم العمل الحزبي المدني العصري، والذي يبدو أننا لم نستفد من التجربة الغربية في التنافس الشريف إلا القشور التي كانت وبالا علينا حيث اتخذنا التنافسية التناحرية وسيلة مثلى لجني الأرباح الشخصية، ضدا عن فلسفة "الإتحاد قوة ومنعة وأن يد الله مع الجماعة".

حميد طولست [email protected]