إلى متى نؤجل المعركة ضد البيروقراطية في الإتحاد العام التونسي للشغل؟


بشير الحامدي
2012 / 6 / 27 - 00:07     

إلى متى نؤجل المعركة ضد البيروقراطية في الإتحاد العام التونسي للشغل؟
تأتي ما تسمى بمبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل والتي هي في الحقيقة مبادرة قيادته البيروقراطية لعقد مؤتمر وطني جامع لكلّ الأطراف [حكومة وأحزابا وجمعيات ومنظّمات] من أجل الوصول إلى توافقات سياسية تؤمّن إدارة المرحلة الانتقالية لتكشف وبشكل لا لبس فيه سياسة القيادة البيروقراطية لهذه المنظمة والدور والموقع الذي ضبطته لنفسها وللإتحاد في خارطة الصراع السياسي القائم اليوم.
إن مبادرة الإتحاد القائمة على منطق الوفاق والتوافق وبخطاب الأوهام الاستهلاكي المعتاد خطاب "المسؤولية الوطنية والدور التاريخي للاتحاد" والذي انضافت إليه اليوم مقولات جديدة "تحقيق أهداف الثورة ومتابعة استحقاقاتها وحماية الانتقال الديمقراطي...الخ " والتي تزامن إعلانها مع تقدم قوى الثورة المضادة في الترتيب لخطوة جديدة في مسار الانقلاب على الحركة الثورية جاءت لتنزع الكثير من الأوهام حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الإتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة قوى الانقلاب على الثورة بكل تلويناتها تحت قيادته الحالية التي أتى بها مؤتمر ديسمبر 2011.
واهم كل من اعتقد أو مازال يعتقد أن الإتحاد العام التونسي للشغل في ظل قوانينه الحالية وتحت قياداته الحالية التي أفرزها مسار كامل من الارتهان لقوى الثورة المضادة يمكن أن يلعب دورا بعيدا عن الاصطفاف وراء اللبراليين. وواهم كل من يعتقد أن البيروقراطية النقابية وريثة جراد يمكن أن تستقل عن نهج المساومة وأن تلعب دورا غير دور الوسيط الفاسد والسمسار على الخدامة لصالح رأس المال.
إن موقع البيروقراطية النقابية كفئة وسيطة بين راس المال والعمل يدفعها دوما إلى أن تكون فئة فاسدة انتهازية خائنة مساومة جبانة معادية للخدامة ولاستقلاليتهم عن مستغليهم ومضطهديهم وللمسار الثوري والقوى الثورية إجمالا. إن حرص هذه الفئة على حماية مصالحها المادية وموقعها ونيل حصتها بوصفها أحد مكونات قوى الانقلاب على الحركة الثورية وهي الفئة التي لعبت دورا بارزا في هذا الانقلاب وفي تثبيته هو الذي حركها وعلى قاعدته فقط بنت كل مواقفها التي تضمنتها مبادرتها الأخيرة.
مبادرة بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل الأخيرة والداعية إلى نوع جديد من الميثاق الوطني أو قل ميثاق السلم الاجتماعي والمحاصصة السياسية واقتسام النفوذ بين كل ممثلي قوى الانقلاب على الحركة الثورية ليست في الأخير إلا دعوة صريحة للاعتراف بالبيروقراطية النقابية كشريك لهذه القوى سواء منها التي في السلطة أو اللفيف اللبرالي بكل تلويناته الذي في المعارضة.
إنها وبمنطق المصالح تريد اليوم ثمن مشاركتها في هيئة بن عاشور وثمن تخريب مجلس حماية الثورة وثمن دعم حكومة السبسي والصمت على قمع اعتصامات القصبة وثمن الموقف من الانقلاب الانتخابي في 23 اكتوبر 2011 وثمن القبول بالهدنة التي طالبت بها الحكومة وثمن تخريب النضالات والإضرابات والحيلولة دون تطورها لإضراب عام وعصيان شامل وثمن السكوت عن أوضاع الخدامة التي ساءت أكثر مما كانت عليه قبل 17 ديسمبر 2010 وثمن السكوت عن المطالبة بمحاسبة المجرمين والقناصة والفاسدين والديكتاتور وعائلته ومقربيه و كل المجرمين والمتنفذين في عهده . إنها وفي كلمة لا تهدف من وراء إعلانها هذه المبادرة لغير أن تكون شريكا وأن تتقاضى ثمن انخراطها ومواصلة الانخراط في المسار المعادي للخدامة وللمسار الثوري من أجل محاصصة جديدة على السلطة والنفوذ يكتمل بهما الانقلاب على الحركة الثورية وعلى المهمات الثورية المطروحة عليها.
إن التيار النقابي الجذري والممثل تحديدا من نقابيين في الهياكل الأساسية والوسطى للإتحاد والذي لعب دورا كبيرا في تجذير المقاومة الميدانية التعبوية التي لعبت دورا كبيرا في الإطاحة بالديكتاتور إلا أنه ولأسباب ليس هذا مجال تحليلها عجز بعد 14 جانفي 2011 عن نقل المعركة مع بقايا نظام بن علي وكل قوى الانقلاب على الحركة الثورية إلى الساحة النقابية ودفع المنظمة النقابية لتلعب الدور المفروض أن تلعبه في وضع ثوري كان يتيح إمكانية استقلالها عن البيروقراطية النقابية وتجذير فعلها النضالي وصهره بحركة المقاومة الجماهيرية ،لئن عجز هذا التيار في ذلك الظرف فإنه اليوم مدعو لتجاوز أخطائه وعدم طمس الصراع مع البيروقراطية النقابية التي كشفت بهذه المبادرة كل أوراقها.
إن الصراع مع البيروقراطية النقابية هو اليوم أحد محاور الصراع مع قوى الانقلاب على الحركة الثورية إنه أحد المهمات التي بات طمسها وعدم خوضها لا يؤدي إلا لمزيد إضعاف المنظمة وجعلها تغرق أكثر وأكثر في وحل البيروقراطية واللبراليين . إن عدم خوض المعركة مع البيروقراطية المتنفذة في الإتحاد لتصحيح مسار هذه المنظمة النقابية ودفعها في الإتجاه الذي يجب أن تكون فيه إتجاه يضع مصلحة العمال والكادحين والمفقرين والمهمشين قاعدة لكل سياساته و يتنبنى صراحة مطالب الجماهير ويدافع عنها و يقطع مع السياسة الإنتهازية سياسة الوفاق اتجاه مناضل بسياسة مستقلة عن كل ممثلي رأس المال تتبنى صراحة وتعمل على مواصلة تنفيذ المهمات الثورية المطروحة لن يكون إلا خطوة في اتجاه ووقف المسار الثوري وتعبيد الطريق أكثر لقوى الثورة المضادة للقضاء على كل فعل مقاومة باسم الوفاق والتوافق و الوحدة الوطنية وحماية الانتقال الديمقراطي والإدارة الجماعية للمرحلة الانتقالية.
إن النقابيين الجذريين وكل منتسبي الإتحاد العام التونسي للشغل مدعوون اليوم إلى رفض الاصطفاف وراء قيادة اختارت نهج الثورة المضادة نهج الانقلاب على الحركة الثورية.
العمال اليوم ليس من مصلحتهم اسناد أي طرف من أطراف قوى الانقلاب على الحركة الثورية لا الحكومة التي تواصل نفس سياسات الاستغلال والقهر والتبعية السابقة ولا الشق الليبرالي الذي يستعد وبكل الأشكال للوصول إلى السلطة لتنفيذ نفس السياسات.
العمال اليوم من مصلحتهم أن يكونوا مستقلين عن كل هذه الأطراف.
إن مصلحتهم تدعوهم إلى مواصلة النضال على قاعدة مطالبهم الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية هذه المطالب التي هي اليوم جزء لا يتجزأ من المهمات الثورية المطروح تحقيقها.
موقع الخدامة الحقيقي والطبيعي هو أن يكونوا جزء من الحركة الثورية ودورهم هو النضال والمقاومة .
الخدامة اليوم في حاجة لأطر مستقلة ديمقراطية ومناضلة لتحقيق مطالبهم وافتكاكها وفرضها لا لنقابات صفراء وقيادات بيروقراطية خائنة جبانة مساومة انتهازية.
إن واجب كل النقابيين المعارضين لمبادرة قيادة الإتحاد البيروقراطية أن يعلنوا موقفهم الرافض لسياسات البيروقراطية ويفعلوه.
إن واجبهم هذا يحتم عليهم التكتل في اتجاه نقابي معارض لسياسة تسليم الإتحاد كقوة لصالح اللبراليين وتحضير منتسبيه ليكونوا قاعدة انتخابية للأحزاب اللبرالية.
إنه مطروح على هؤلاء النقابيين أن ينتظموا في لجان نقابية مهماتها اسقاط مبادرة بيروقراطية الإتحاد والنضال ضد السياسة الاستسلامية لهذه البيروقراطية و الانخراط في المقاومة على قاعدة المهمات الثورية بالالتحام بالجماهير وبالمنضمات والمجموعات الثورية من أجل مواصلة النضال حتى اسقاط النظام.
تلك هي الإمكانية الوحيدة اليوم التي يجب أن ينصب عليها جهد كل النقابيين وفعلهم النضالي وبذلك فقط يكونون على الطريق الصحيح طريق مواصلة المسار الثوري طريق مقاومة قوى الانقلاب على الحركة الثورية.