تونس القرارات الأخيرة للهيئة الإدارية للتعليم الابتدائي :خطوة للوراء


بشير الحامدي
2012 / 6 / 6 - 21:39     

ببلوغ يوم 20 جوان 2012 سيكون قطاع التعليم الابتدائي قد نفذ ثلاثة إضرابات متتالية في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز الخمسة أسابيع ولئن نجح إضراب 16 ماي و إضراب 29 و 30 من نفس الشهر[إضراب اليومين] نجاحا كبيرا وأظهرا استعداد منتسبي القطاع للنضال دون هوادة لتحقيق مطالبهم المشروعة إلا أن ما صدر من قرارات عن الهيئة الإدارية القطاعية التي انعقدت بمدينة سوسة يوم 5 جوان جاءت مخيبة للآمال ويمكن أن تكون لها نتائج سلبية جدا على نضالية القطاع وعلى مستوى التعبئة للنضالات القادمة كما على وضع التفاوض مع وزارة التربية والحكومة.
قرار الهيئة الإدارية خوض إضراب بيومين 19 و20 جوان الجاري وتنفيذ ذلك بالتجمع أمام المندوبيات الجهوية للتعليم احتجاجا على رفض الحكومة تلبية مطالب المعلمين قرار مرتبك متذبذب لا يرتقي إلى مستوى التعبئة والاستعداد للنضال الذي عليه القطاع .
إن قطاع التعليم الابتدائي وبعد ثلاثة أيام من الإضراب وجلسات عديدة مع وزارة التربية وأمام موقفها المماطل وغير المسؤول وأمام موقف الحكومة الرافض لتلبية مطالب المعلمين المشروعة لهو في حاجة إلى خطوة نضالية أرقى. لقد كان أحرى بنواب الهيئة الإدارية أخذ كل هذا بعين الاعتبار والخروج بخطة نضالية تكون لها الجدوى المطلوبة أمام طرف وزاري وحكومي بان أنهما غير مسؤولان وأنهما يدفع في اتجاه افراغ النضالات من جدواها وللأسف سقطت هيئة القرار العليا القطاعية في هذا المطب.
كان يمكن أن يكون الوضع مغايرا تماما لو وقع إقرار الإضراب الإداري إلا أن قصورا في الفهم وارتباكا وخوفا وربما حتى التزام بموقف غير معلن للمكتب التنفيذي المركزي هو الذي أدى إلى هذه الخطوة التي أعتبرها خطوة للوراء.
إن القصور في الفهم ليتجلى في الموقف المغلوط من علاقة الإضراب الإداري كحق نقابي وكشكل من أشكال النضال بـ "المصلحة العامة" وتحديدا مصلحة التلاميذ والعائلات.
أولا لابد من الإشارة إلى المعنى الفضفاض والديماغوجي لمصلح "المصلحة العامة" والذي دأب كل من هم في السلطة على استعماله ضد خصومهم من اجل إظهارهم بمظهر المعادي لمصلحة الأغلبية وهو وجه من وجوه القمع والتزييف والكذب الملون لأن في الحقيقة المعادي الأول لكل مصلحة عامة هو هذه السلطة نفسها. وفي واقع الحال فالحكومة و وزارة التربية هما المعاديتان في الحقيقة للمصلحة العامة.
لينظر أولياء التلاميذ إلى المؤسسات التي يدرس فيها ابنائهم وإلى الحالة الرثة التي هي عليها. لينظروا إلى الفضاء الذي يقضي فيه أبناؤهم أغلب أوقات يومهم وإلى تجهيزاته الصحية التي لا تستجيب حتى إلى الحد الأدنى من حيث السلامة والصحة .
لينتبه الأولياء إلى الظروف التي تدور فيها العملية التعليمية برمتها والتي لا تستجيب للحد الأدنى من المعايير التي تضمن نجاح العملية التربوية التعليمية.
لينظر الأولياء إلى السياسة التعليمية ككل وإلى أبنائهم الذين أنهوا تعليمهم وبقوا عالة عليهم دون شغل ولا أفق لتشغيلهم.
من المسؤول يا ترى عن كل هذا؟
أليس كل ما ذكرنا وباختصارهو جوانب من المصلحة العامة؟ ليتساءل الأوياء من المسؤول عن كل ذلك؟ هل هم رجال التعليم أم الحكومة والحكومات والسلط والسلطات ؟ من يعادي في الأخير المصلحة العامة أهم رجال التعليم أم الوزارة والحكومة؟
إن من "المصلحة العامة" أن تُلبى اليوم مطالب المعلمين كل مطالبهم دون نقصان ودون مساومة. إن من مصلحة الأولياء والعائلات أن يتمتع القائمون على تعليم أبنائهم بكل حقوقهم ويضمنوا الحد الأدنى من العيش الكريم. إن نضالات المعلمين والدفاع عن مطالبهم من المفروض أن تجد الدعم والمساندة من شركائهم الأولين والوحيدين الأولياء والتلاميذ . هذه هي القاعدة التي كان يجب على ضوئها أن يتحدد فهمنا للإضراب الإداري وللعلاقة مع العائلات والتلاميذ.
كان مفروضا أن يبنى الموقف من الإضراب وعلاقته بالتلاميذ وبالعائلات انطلاقا من هذا الفهم "للمصلحة العامة" ولمن يضر بها بالفعل. كان يجب أن يبنى الموقف من الإضراب الإداري على الإقتناع بأنه لم يكن يوما الإضراب أو الاحتجاج أو العصيان أو أي شكل من أشكال والنضال الإجتماعي في تعارض إلا مع مصلحة الأقلية الحاكمة المستبدة والقامعة.
يتجلى كذلك الارتباك لدى قيادة القطاع في غياب تبني خطة نضالية ملموسة وواضحة وقع تدارسها بشكل موسع من منتسبي القطاع و وقع الالتزام بها وهو مشكل مزمن ومثل دوما واقعا سلبيا عانى منه القطاع طيلة تاريخه.
إن ذلك لعلى صلة بالمعضلة المزمنة التي يعاني منها القطاع وهي مسألة ديمقراطية القرار وتمثيليته. إن الكل يعلم أن نواب النقابات الجهوية أعضاء الهيئة الإدارية يحظرون اجتماعات هذه الهيئة للإدلاء بمواقفهم هم وليس بمواقف القاعدة الواسعة لأنه في الغالب لا يسبق اجتماع الهيئة الإدارية اجتماعات بالقاعدة العريضة وليس هناك ما يلزمهم بغير ذلك إلا جانب معنوي لا قيمة له وغالبا ما يقع الدوس عليه لمصلحة فئوية أو حزبية أو حتى جهوية ففي الأخير يمكن القول أن مواقف أعضاء الهيئة الإدارية هي في الأخير مواقفهم هم كأفراد وليست مواقف القاعدة الواسعة.
إن مثل هذا الوضع لا يجب أن يستمر إذا ما أردنا أن تكون للعمل النقابي فاعليته و للنضال جدواه ولن يتسنى ذلك إلا بتوسيع عضوية الهيئة الإدارية وتطبيق مبدأ النسبة في التمثيل بين الجهات حسب عدد المنخرطين والإلزام بمبدأ الاجتماع بالقاعدة في اجتماع جهوي يصدر عنه بيان يتضمن موقف المجتمعين وهو الذي يقع طرحه والدفاع عنه والتصويت على أساسه في أشعال الهيئة الإدارية.
يعكس موقف الهيئة الإدارية كذلك نوع من التردد والخوف كما يلمس فيه أيضا التزام بموقف غير معلن يلتقي مع الموقف المركزي لقيادة الإتحاد من الوضع القائم والذي يتجلى في المراوحة في سياسة التسخين والتبريد وهو موقف قديم متجدد عانت منه الحركة النقابية كثيرا وناورت به البيروقراطية المتنفذة على الخدامة لصالح السلطة و اللأعراف الرأسماليين.
إن هيئة القرار في القطاع والمكتب التنفيذي القطاعي مدعوان للقطع مع هذه السياسة وعدم الركون لها وإعلاء مصلحة منتسبي القطاع عن كل المناورات والسياسات التي لا تهدف في الأخير إلا لاستثمار نضالاتهم والسمسرة بها.
إن ذلك لن يتحقق إذا لم نضمن بشكل قانوني ملموس وإجرائي استقلالية القطاع والقرار القطاعي وهذه معركة أخرى لا تقل في شيء عن المعارك والنضالات الأخرى سواء مع الطرف المشغل أو مع المكتب المركزي.
أخيرا لابد من التأكيد أن قطاع التعليم الابتدائي هو قطاع لا يجب أن يكون اليوم لعبة بيد أي طرف لا حكومة الجبالي في القصبة ولا مكاتب البيروقراطية و المتآمرين في ساحة محمد علي . إن مطالب القطاع لا يجب التضحية بها اليوم لصالح أي طرف لا الحكومة ولا البيروقرطية والتي تدل كثير من المؤشرات أنها ليست إلا بصدد تحسين وضعها كشريك سياسي واجتماعي للقوى التي أدارت الانقلاب على الحركة الثورية بعد 14 جانفي 2012 .