طرد اليسار الجذري من الاتحاد المغربي للشغل: إلى أين؟


مصطفى البحري
2012 / 5 / 4 - 10:06     

بخطة ُمحكمة، قامت الزمرة المستبدة بكل شيء داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل بتصفية حسابها مع اليسار الجذري في جهاز النقابة. جرى ذلك بالطرد و بحل أجهزة و بصنع بدائل لجامعات وطنية، وبإغلاق مقر الرباط و طرد مناضلين من مقرات أخرى.


لم تكن هذه العملية متاحة بالسهولة ذاتها قبل المؤتمر الوطني العاشر (ديسمبر 2010). فوفاة الأمين العام بعد أكثر من نصف قرن من سيطرته المطلقة بيد من حديد على شؤون النقابة، و تعاونه مع النظام لتدجين العمال، و تفجر فضائح فساد هائلة، وخيانات وضعت النقابة بيد أرباب العمل بقطاعات عديدة، و تأخر عقد المؤتمر الوطني 11 سنة، عناصر لا تتيح سياقا مناسبا لشن حملة على اليساريين.

كان الأمر يقتضي أولا ترتيب الحالة الداخلية، وإرساء سيطرة ورثة المحجوب بن الصديق على أسس جديدة أمتن، و الفوز بتزكية تنظيمية للقيادة، و إبراء الذمة بشأن مالية عبارة عن صناديق سوداء، و طي ملفات الفساد بالسكوت التام عنها.

بقصد تحقيق هذا كله هندس ورثة المحجوب بن الصديق المؤتمر العاشر بالتفاهم مع معظم جناح النقابة اليساري حول كيفية عقده و نتائجه. كان المؤتمر مساومة حصل فيها معظم الجناح اليساري على تمثيلية في الجهاز القيادي تفوق نسبة حجمه، و أُتيح له أن ُيضمِّن أدبيات المؤتمر ما شاء من أفكار، ضمن حدود ليست جديدة في هذه النقابة التي كان قادتها، في مرحلة تاريخية ما، يزايدون في الجملة الثورية على معارضيهم [عمر بنجلون ورفاقه] بقدر ما كانوا يتعاونون يدا في يد مع الملكية.

تمت المساومة بتجنب انتخاب المؤتمرين، وبتقاسم نسب المنتدبين بالتفاهم، و بتفادي نقاش حقيقي لخط النقابة، و بالتغاضي عن كل المشاكل العالقة منذ سنوات عديدة. وطبعا حرص ورثة بن الصديق على إبقاء وزن اليسار (المشارك في المساومة) في الجهاز في حدود لا تعطيه القدرة على التأثير الفعلي في مسار النقابة، وفي الآن ذاته تفوز عبر تمثيله في الأجهزة بتزكية لنتائج المؤتمر، لا سيما شرعية القيادة الجديدة التي ظل أغلبها في موقع المسؤولية من 1999 (السنة المفترضة لعقد المؤتمر حسب أنظمة النقابة) حتى سنة 2010 بلا وجه حق و لا شرعية تنظيمية.

و جلي أن السياق السياسي المطبوع بظهور حركة 20 فبراير، و مجمل الدينامية النضالية التي هزت المغرب منذ هروب رئيس تونس، جعل قيادة الاتحاد المغربي للشغل تحت ضغط النظام الذي ينتظر منها المساعدة على تجاوز فترة العاصفة بسلام. فكان أن تجاوبت قيادة النقابة [ نقصد أغلبيتها الساحقة الخائنة لمصالح العمال] وفق انتظارات الدولة التي بلغها مستشار الملك في استقباله للقيادات النقابية بعد أسبوع من انطلاق حركة 20 فبراير. و تجلى التجاوب في ما يسمى "الحوار الاجتماعي" ، و في الموقف العملي من حركة 20 فبراير [إظهار تأييد كلامي، و عداء فعلي أكيد]، ثم في الموقف من دستور يوليوز 2011. و أخيرا، يندرج في هذا التجاوب البيروقراطي مع النظام تخليص جهاز النقابة من يسارييها لقطع طريق أي تطور يضع النقابة في صف مناهضي النظام، لا سيما أن مثال دور مقر النقابة بالرباط مقض لمضاجع النظام باحتضانه شتى صنوف المحتجين بالعاصمة.

لا شك أن النظام ذاته أفهم القيادة النقابية حاجته الآنية و الملحة إلى وقف عمل الجناح اليساري. كما لا ريب أن البيروقراطية تدرك عاقبة أي تردد أو تأخر في إنجاز المطلوب. فهي قاعدة على فضائح فساد من أضخم ما شهد تاريخ المغرب، بمقدمتها نهب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي ظلت تمثل العمال في مجلس إدارته طيلة عقود. وقد أرسل النظام إشارته بتفادي إدراج الاتحاد المغربي للشغل في ملف محاكمة مسؤولين عن تسيير الضمان الاجتماعي انطلقت شهر غشت 2011. و للتذكير، كان محمد عبد الرزاق، نائب بن الصديق، قد خضع لاستنطاق من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في العام 2004 حول ملف نهب الضمان الاجتماعي. وقد كان المحجوب بن الصديق طرده من الاتحاد المغربي للشغل لاستبعاد التهمة.

هكذا يتجلى أن وضع البيروقراطية الذاتي تحسن، بفضل ما غنمت في المؤتمر العاشر، ما يتيح لها التفرغ لتصفية حسابها مع اليسار، ومن جانب آخر ضغط الوضع النضالي بالبلد على البيروقراطية في نفس الاتجاه.

و تجدر الإشارة هنا إلى أن تحمل البيروقراطية الوجود اليساري في الاتحاد المغربي للشغل كان دوما مرتبطا بنوعية هذا الوجود، فطالما اقتصر على أدوار روتينية تكاد تخلو من مضمون سياسي، أي ملتزمة بحدود مطالب خبزية و بأشكال نضال ضئيلة الكفاحية، فلا بأس بنظر البيروقراطية في التسامح مع هذا الوجود لا سيما أنها تستفيد منه على مستويات أخرى [ الأدوار في لجان "الحوار" حول ملفات عديدة]. أما عندما يسير قطاع ما بعيدا في الكفاحية و رفض قواعد لعبة البيروقراطية فمصيره الطرد الفوري، وتلك كانت حالة نقابة بحارة الجنوب التي طردت مباشرة بعد معركة سبتمبر 1999 التي دامت شهرا بموانئ الصيد من أكادير إلى العيون.

إن تناول اقتلاع اليسار في إ.م.ش من هذا المنظور الشمولي، يجعلنا ندرك أن الأمر ليس انقلابا على نتائج المؤتمر الوطني العاشر، بل هو بالذات أكبر نتائج ذلك المؤتمر، لأن جوهر ما أفضى إليه هو إضفاء الشرعية على ورثة المحجوب بن الصديق بقبول انتهاك أبسط قواعد الديمقراطية و بتجنب اي نقاش حقيقي لمسار النقابة. ولم تكن كراسي المسؤولية سوى فخا للتوريط، و الأدبيات حبرا على ورق.

يتطلب ما آل إليه اليسار داخل الاتحاد المغربي للشغل نقاشا واسعا لتقييم فترة تاريخية بكاملها، وممارسة لا تقتصر على هذه النقابة، فنفس الرؤية تحكم عمل يساريين في نقابات أخرى.

السؤال الاستراتيجي: ماذا يفعل الماركسيون في النقابات؟

لسنا نناقش ما يجري داخل الاتحاد المغربي للشغل من موقع الانتماء النقابي المحض إلى هذا الاتحاد، مع ما قد يقترن به من عصبية، بل من موقع النضال لتثوير الوعي العمالي. النقابات العمالية كلها لها نفس الأهمية مادامت ذات قاعدة عمالية. والاتحاد المغربي للشغل يعادل الاتحاد الوطني للشغل بهذا المقياس. و من أبجديات النضال العمالي الماركسي العمل مع الشغيلة أينما كانوا. و الأمر الحاسم هو المضمون السياسي لهذا العمل. أما الفكرة الرائجة حول عدم خلط العمل النقابي بالعمل السياسي فليست ماركسية بأي وجه ومجرد تكيف مع البيروقراطية أي مع سياستها. فالنقابة كما الطبيعة تخشى الفراغ، إما السعي لتسييس النضال العمالي في أفق تجاوز المجتمع الطبقي، او ترك العمال فريسة لسياسة الحفاظ على هذا المجتمع.

العصبيات النقابية مستحكمة داخل القسم الأعظم من اليسار. وتـُذكى تارة بحجة أن الاتحاد المغربي للشغل هو النقابة التاريخية الأم، و ما سواها حوانيت حزبية ، وأن وحدة الطبقة العاملة ستكون داخل هذا الاتحاد. وهذه فكرة روجها قسم من اليسار الجذري ذاته. و طورا ُتؤجج العصبية بحجة أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل "بديل تاريخي" أعاد ربط الحركة النقابية بحركة التحرر الوطني [ حسب عبد اللطيف المنوني، منظر تأسيس ك.د.ش].

هذه العصبيات تفضي إلى التيه في إشكاليات زائفة، و ارتكاب أخطاء فادحة. فكم من يساري لا يكترث لكفاحات عمالية لأنها غير مؤطرة من طرف نقابته المفضلة، وكم سكت اليساريون عن جرائم ارتكبت باسم نقابتهم، مثال ذلك الأبرز الصمت عن استعمال اسم الاتحاد المغربي للشغل لتشكيل مكاتب نقابية في خدمة أرباب العمل ( تقريبا كل مناجم المغرب بها مكاتب نقابية باسم إ.م.ش من هذا القبيل) للمساعدة على ترويض العمال و كسر نضالاتهم.

و هل اهتم اليساريون بنضالات عمال المنطقة الصناعية بطنجة التي جرت في السنوات الأخيرة تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وهو وكالة نقابية لحزب رجعي، وهل تذكروا حكمة لينين بالعمل في النقابات الرجعية ؟

وكم روج يساريون، أعمتهم تلك العصبية، أن الاتحاد المغربي للشغل هو النقابة المستقلة دون غيره مما ينعثونه بـ "دكاكين حزبية" لمجرد أن ديناصورات الاتحاد المغربي للشغل لا ينتمون علانية لأي حزب، فيما أفعالهم تضعهم في صف النظام و أحزابه.

بجميع الأحوال النقابة شكل تنظيم عمالي أولي يجمع باعة قوة العمل بقصد تحسين شروط بيعها. و لا تضع معيارا للانتماء الموقف السياسي و لا العقائدي أو غيرهما. و في هذا الاتساع الجماهيري المفترض تكمن قوة النقابة. و طالما بقي النضال العمالي في هذه الحدود أمكن استيعابه من طرف الرأسمالية. لذا تحتاج الطبقة العاملة شكل تنظيم آخر يجمع طليعة النضال الأرفع وعيا و الأشد قتالية لقيادة نضال الطبقة على طريق التحرر النهائي من الرأسمالية. هذه الغاية الأسمى، غاية بناء حزب الثورة الاشتراكية المنغرس في الطبقة، هي التي تحدو الماركسيين الثوريين إلى العمل في النقابات العمالية أيا كانت طبيعتها الإصلاحية و حتى الرجعية. وجوهر عمل الثوريين هذا هو تخليص العمال من الهيمنة السياسية للبيروقراطية النقابية ذات الطبيعة الإصلاحية. و طبعا لا يتم هذا التخليص سوى بمعركة سياسية يعارض فيها الثوريون الخط الإصلاحي [خط البيروقراطية النقابية] بخط عمالي طبقي، مدافع عن استقلال النقابة عن البرجوازية ودولتها، وعن الديمقراطية الداخلية، و معاد للرأسمالية برنامجيا و محفز للتنظيم الذاتي و أشكال النضال الجذرية و الـُمسيرة ديمقراطيا.

هذا هو الخط العريض لعمل الثوريين في النقابات، يتعين تطبيقه حسب معطيات الواقع وخصوصيات مختلف النقابات. و إذ تتصدى البيروقراطية المتعاونة مع البرجوازية لعمل الثوريين في النقابات بالقمع و الطرد، يتعين على هؤلاء الاحتياط و اتقاء القمع، مثلما تفرض الظروف إزاء قمع الدولة، بقصد الحفاظ على الصلة مع العمال. ولا يعني هذا الاحتراس بأي وجه التخلي عن خط النضال الطبقي و التكيف سياسيا مع البيروقراطية.

وككل معركة قد يفرض ميزان القوى مساومات مع البيروقراطية. و على عكس ما يعتقد معارضو كل مساومة ( = توافق) [ وما أكثر من يرفعون رفض كل مساومة الى مستوى المبدأ ضمن المنتسبين إلى الماركسية اللينينية ]، ليس السؤال في الإقدام على المساومة أو الإحجام عنها، بل السؤال هو طابع المساومة، هل هي جائزة تفرضها الظروف و لا تنتقص من الإخلاص الثوري و الإقدام على النضال أم أنها مساومة خيانية؟ وفي هذا التمييز تكمن الصعوبة.

سؤال اللحظة: إلى أين ؟

أول الواجبات خوض نقاش عميق في صفوف اليسار حول المسألة النقابية، ودروس التجارب بمختلف المركزيات النقابية. و بنظرنا يتعين أن يفضي هذا النقاش إلى تكتل اليساريين نقابيا حول برنامج عمل يكون راية بناء يسار نقابي كفاحي ديمقراطي منغرس في كافة النقابات حيث يناضل الأجراء.

وعلى المستوى العملي الآني، السؤال اليوم قائم حول مصير الفرق النقابية التي تشكلت في جامعات الاتحاد المغربي للشغل المغضوب عليها. في أي إطار تنظيمي سيواصل المطرودون، أفرادا وقطاعات، عملهم النقابي؟

القول، كما دأب قادة المطرودين و لا يزالون، إننا متمسكون بالاتحاد المغربي للشغل، صائب لفترة تتيح تجميع القوى و توحيد الرؤية، أما بعدها فلن يبقى لهذا الجواب مضمون. لماذا؟ لأن ميزان القوى في أجهزة القرار لصالح البيروقراطية إلى حد بعيد، وبوسعها، ما دامت قررت التخلص من خصم سياسي، أن تتخذ ما شاءت من القرارات التأديبية، بما شاءت من تأويل لجمل قوانين النقابة الفضفاضة، حتى دون ارتكاب ما ارتكبت من أخطاء عدم التقيد بالشكليات القانونية.

و حتى إن كانت أغلبية اللجنة الإدارية قد داست قوانين المنظمة فلمن سيتم الاحتكام؟ هذا طريق مسدود. وبوسع البيروقراطية عند الضرورة ان تدعو إلى مؤتمر وطني استثنائي يزكي كل ما تريد. فمن يا ترى انتفض ضد قرارات 5 مارس 2012 من كل القطاعات المنضوية في إ.م.ش؟

ستحكم البيروقراطية الخناق على مناضلي اليسار، وتنزع منهم الصفة التمثيلية، ومن ثمة صفة المفاوض حول ملفات القطاعات العمالية، و ستنزع عنهم التفرغ النقابي، وكل وسائل مواصلة الوظيفة النقابية. ستبطل عمليا كل شكل من أشكال انتماء اليساريين إلى إ.م.ش.

حتى القاعدة العمالية لن تساير مناضلي اليسار في معركتهم ضد البيروقراطية لسببين رئيسيين:

أولا لم تعتد القاعدة المشاركة في هذا الموضوع، فقد كان اليساريون يسيرون علاقتهم مع البيروقراطية بشكل فوقي يغلب عليه التكتم، و لا نخفي سرا إذا قلنا أن يساريين بارزين كانوا يمنعون أي حديث عن البيروقراطية، و أي نقاش لما يتفجر من فضائحها، لا بل حتى تعدياتها على اليساريين لا تناقش (مثال الإطاحة بالمناضل الهايج في الخميسات، و الانقلاب على نقابة بحارة الجنوب).

ثانيا: الصراع ضد البيروقراطية مسألة سياسية، فليست البيروقراطية مجرد زمرة مستبدة لا تقيم وزنا للديمقراطية الداخلية، بل فئة لها خط سياسي، خط جعل النقابة تتعاون مع البرجوازية و دولتها. و لم يسبق لليسار أن عارض البيروقراطية بخط سياسي يدافع عن مصلحة الطبقة العاملة ضد الخط البيروقراطي. وهذا يتطلب منظورا متكاملا للعمل النقابي: مطالبا و أشكال نضال، و كيفيات لممارسة الديمقراطية. لذا فإن المستوى السياسي المتأخر للقاعدة العمالية [ أجراء قطاع خاص وموظفين على السواء] سيجعلها أميل إلى الاصطفاف جانب من يستطيع مساعدتها على تسوية مشاكلها النقابية اليومية، أي الترافع على الملفات لدى أرباب العمل و الدولة. و هذه صفة تنزعها البيروقراطية عن اليساريين و تسندها إلى أتباعها.

يستدعي الوضع المفروض على اليسار في الاتحاد المغربي للشغل نقاشا هادئا و عميقا حول الحال و المآل.

خياران لا ثالث لهما:

أولهما، الانضمام إلى نقابة أخرى، و الأكثر احتمالا هي الكونفدرالية بالنظر إلى استمرار هوامش ضئيلة من إمكان التصريح بمعارضة الخط السائد، قياسا بالنقابات الأخرى مثل ف.د.ش . وهذا الخيار متوقف على موقف بيروقراطية كدش ذاتها التي قد ترى في قدوم طاقم يساري إخلالا بتوازن طالما حرصت عليه بقصد ضمان سطوتها. كما أن اليساريين قد لا يميلون إلى هذا الخيار بالنظر إلى عقود التربية على أن الاتحاد المغربي للشغل هو النقابة العمالية الحقيقية وحدها لا شريك لها.

الخيار الثاني: تنظيم القطاعات المطرودة بشكل مستقل، و اتحادها في نقابة وطنية. يطرح هذا الخيار صعوبات جمة، لوجيستية بالأساس قياسا بالخيار الآخر.

لكن سيكون لهذا الخيار ميزة وجود قطب يساري وسط الشتات النقابي قد يتمكن إذا بذلت الجهود الضرورية من تشكيل قطب جاذب للقطاعات العمالية، و حفازا لتوحيد النضال، ومثالا لتكريس تقاليد ديمقراطية وكفاحية فعلا في تسيير النقابة و النضالات على السواء.

أما قول التمسك بالاتحاد المغربي للشغل فهو يعبر عن تشبث اقرب إلى العاطفي منه إلى العملي. فهيكل الاتحاد المغربي للشغل تتحكم به جماعة موخاريق، وقد قررت التخلص النهائي من اليسار لدرجة الإشارة في قرارا الطرد إلى المنع من كل نشاط وكل ولوج لمقر من المقرات. ميزان القوى التنظيمي لا يتيح مواصلة العمل في إ.م.ش بأي وجه. ويجب إيجاد مخرج دون إضاعة الوقت في التمسك بطرف أعلن الطلاق النهائي. فالقاعدة التي انضمت إلى الجامعات المطرودة لن تستمر إلى ما لا نهاية في مشاكل التدافع التنظيمي مع البيروقراطية، فإما أن تنظم نفسها وفق تصور يكون موضوع نقاش وقرار ديمقراطيين، أو تنحل و تمتصها نقابات أخرى في جو من الدوخة المحبطة، لا بل قد يفتك الإحباط بقسم منها.

لقد كان تغييب النقاش، وحتى الامتناع الواعي عنه، من أسباب المراهنات الخاطئة التي جعلت الكثيرين يُباغثون اليوم بشراسة الهجوم البيروقراطي. لقد طوت البيروقراطية مرحلة من تاريخ عمل اليسار نقابيا، و علينا أن ندخل المرحلة الجديدة مسلحين بمنظور سليم لمهامنا في النقابات ارتكازا على دروس ما سلف من جهود. و لا سبيل إلى هذا المنظور سوى بالنقاش الرفاقي، المنفتح و البناء.