أي دور للإتحاد العام التونسي للشعل بعد مؤتمر طبرقة


بشير الحامدي
2012 / 1 / 20 - 01:13     

أي دور للإتحاد العام التونسي للشعل بعد مؤتمر طبرقة
كثر الحديث في المدة الأخيرة عن الدور الذي يجب أن يلعبه الإتحاد العام التونسي للشغل في المرحلة الراهنة وتحديدا بعد مؤتمر طبرقة وبعد أن طبق الفصل 10 من النظام الداخلي للمنظمة والذي بموجبه منع 9 أعضاء من القيادة السابقة من الترشّح ليفسح المجال لتشكل قيادة جديدة 10 من أعضائها على 13 يتحملون المسؤولية في المكتب التنفيذي المركزي لأول مرة. في الحقيقة إن الحديث عن الدور الذي يجب أن يلعبه الإتحاد في المرحلة الراهنة يستلزم بالضرورة العودة إلى المواقف التي اتخذتها هذه المنظمة منذ انطلاق المسار الثوري الذي أطاح ببن علي والدور الذي لعبته فيما بعد أثناء الصراع مع بقايا الديكتاتورية وقوى الثورة المضادة المدعومة من الإمبريالية والمتواصل إلى اليوم. إننا نؤكد على ذلك لأننا لا نرى في مؤتمر طبرقة محطة معزولة ومنفصلة عن السياق العام لسياسات هذه المنظمة ولرهانات مكتبها التنفيذي المركزي السابق تحديدا.
مواقف الإتحاد والدور الذي لعبه قبل وأثناء المسار الثوري
قبل 17 ديسمبر2010 لم يكن الإتحاد وعبر بيروقراطيته المتنفذة إلا أحد أدوات نظام بن علي للسيطرة على الحركة العمالية ، فعلى امتداد فترة حكم الديكتاتور كان العمل النقابي في وجهه الرسمي البيروقراطي عملا ليس له من هدف غير تزكية السياسات القائمة بحيث تحولت البيروقراطية النقابية التي اندمجت مصالحها بمصالح النظام إلى حارس على العمال لصالح السلطة فبمشاركتها وبتزكية منها تمكن نظام بن علي من تمرير سياساته التي لم يجن منها العمال وعموم الفئات الشعبية غير البؤس والتفقير والإبعاد والتهميش والبطالة والتدهور في مستوى العيش والتي ساهمت في إشعال فتيل ثورة الحرية والكرامة التي أطاحت به ومازالت متواصلة كمسار ضد قوى الثورة المضادة التي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر الالتفافية. وقد اقترن كل ذلك بغياب كلي لأي ديمقراطية داخل هياكل هذه المنظمة وباحتكار مكتبها البيروقراطي المركزي لكل السلطات ومصادرة كل إمكانية لفرض استقلالية الحركة النقابية.
بعد 17 ديسمبر 2010 ولئن ساهم النقابيون المستقلون والمعارضون للخط البيروقراطي بدور بارز في تنظيم وقيادة التحركات ودفع الحركة النقابية للانخراط في المسار الثوري والمساهمة بفعالية وكفاحية في النضالات التي توجت بإسقاط بن علي فإن البيروقراطية النقابية ظلت وفية لنهج المشاركة وقامت بكل ما في وسعها للإنقاذ الديكتاتور حتى الساعات الأخيرة من حكمه. بعد 14 جانفي لم يكن لبقايا الدكتاتورية ولحكومتي الغنوشي الأولى والثانية وحكومة الباجي قايد السبسي إلا أن يعتمدا على البيروقراطية النقابية لتمرير مشروع الالتفاف على الثورة وفرض ما يسمى بالمسار الانتقالي. فقد شارك الإتحاد في حكومة الغنوشي الأولى ودعم الثانية و ساند حكومة الباجي قايد السبسي وانخرط في هيئة بن عاشور وكرس سياسة لا للمطلبية ولا للإضرابات ورفض المشاركة في انتخابات 23 أكتوبر.
لقد كان يمكن أن يكون للإتحاد العام التونسي للشغل دور رئيسي في مواصلة الثورة والتصدي لمواجهة قوى الثورة المضادة وبقايا الدكتاتورية بوصفه منظمة حاضنة لجزء كبير من الطبقة العاملة وتملك من الوسائل الكثير [مقرات قدرات مالية...إلخ] ولكن وبحكم وقوعه تحت سيطرة بيروقراطية مساومة فاسدة لا يهمها غير امتيازاتها فقد عجزت الحركة العمالية وعبر منظمتها النقابية عن لعب الدور الموكول لها ونقل المعركة مع النظام إلى الساحة النقابية. فقد جرّت البيروقراطية النقابية المتنفذة الحركة العمالية إلى الخروج من الصراع وهو عامل من العوامل الرئيسية التي مكنت قوى الثورة المضادة من استعادة المبادرة وتوجيه الصراع الوجهة التي تريد وترتيب أوضاع وترميم النظام الديكتاتوري والوصول بالوضع إلى ما هو عليه الآن.
لم يكن للبيروقراطية النقابية أن تنجح في سياستها هذه لو قدرت قوى اليسار النقابي والتي تمثل تيارا واسعا وممثلا داخل الإتحاد من تجاوز ضيق أفقها ونظرتها الإنتهازية للمعركة مع البيروقراطية والتي كان يجب النظر إليها في الأساس على أنها جزء من المعركة ضد بقايا الديكتاتورية وقوى الثورة المضادة. لقد قادتها انتهازيتها والتي سوقت لها بكثير من المغالطات من قبيل أن المعركة مع البيروقراطية ستضغف من دور الإتحاد في الصراع وستهدد وربما حتى وجوده وهو موقف يعكس الطبيعة الانتهازية لهذه القوى. فالبيروقراطية وعبر كل تاريخها لم تكن في صف العمال والثورة. لقد كانت شريكة لنظام بن على واستمرت في نفس الموقع حتى بعد الإطاحة به حليفة لقوى الثورة المضادة وحارسا على الأجراء لصالح رأس المال. موقف اليسار النقابي هذا كان مفهوما من قوى حصرت كل وجودها داخل المنظمة النقابية على مدار عقود في الصراع على المواقع ولم تؤمن يوما بأهمية أن تكون تعبيرة نقابية مستقلة عن البيروقراطية. بهكذا موقف تمكنت البيروقراطية النقابية أن تؤمن وإلى حد بعيد نفوذها وتواصل سيطرتها على كل مجريات الشأن النقابي تمهيدا لخروج أغلب رموزها الفاسدة من الباب الواسع دون محاسبة خصوصا حول ملف الفساد المالي الذي لا يمكن إنكاره.
على قاعدة هذه المواقف وعلى قاعدة رهانات البيروقراطية النقابية ورهانات كتل اليسار النقابي السائرة في ركابها وقع التخطيط لمؤتمر الإتحاد الذي انعقد بطبرقة على امتداد 5 أيام خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2011.
مؤتمر طبرقة مؤتمر الوفاق
لم يخرج مؤتمر طبرقة عما كان مخططا له فلقد ظلت التشكيلة البيروقراطية التي ستغادر والتي خططت له متحكمة إلى آخر لحظة في سير أشغاله التي توجت بفوز قائمة الوفاق بنسبة عريضة. وللتذكير فقائمة الوفاق هذه قائمة قد وقع تحديدها على أسس محاصصة حزبية وقطاعية وليس على أساس مواقف سياسية أو نقابية وقد عكست بكل وضوح أولوية الموقع على الموقف بالنسبة لكل القوى التي شاركت فيها بدون استثناء. لقد كان الوفاق محل إجماع من كل هذه القوى. فعناصر البيروقراطية المتنفذة والذين سيغادرون بموجب الفصل 10 وتحديدا العناصر الأكثر ضلوعا في ملف الفساد المالي كان من مصلحتهم ترتيب أمر خروجهم دون محاسبة أما القوى النقابية والمسماة تقليديا يسارا نقابيا فقد كان من مصلحتها هي أيضا استغلال الحالة التي سيتيحها تطبيق الفصل 10 من النظام الداخلي لضمان أكثر ما يمكن من التمثيلية في قيادة الإتحاد.
كانت هذه هي القاعدة التي عبرها تم إنجاز مؤتمر الإتحاد وهي قاعدة لم تتجاوز الرهانات التقليدية للبيروقراطية أو للقوى النقابية اليسارية. وهو ما جعل هذا المؤتمر لا يشكل قطيعة فعلية مع المسارات السابقة لهذه المنظمة ويبدو بعيدا عن رسم السياسات النقابية التي يتطلبها الوضع القائم والتي ببقائها غائبة سيحكم على الحركة العمالية أن تظل قوة هامشية غير فاعلة ولا مؤثرة في الواقع وهو وضع سيساعد التحالف الماسك بالسلطة بزعامة حزب النهضة على تمرير سياساته وبرنامجه الاقتصادي المعادي لمصلحة العمال وعموم الفئات الشعبية الفقيرة برنامج يعرف الجميع أن الدوائر الإمبريالية هي التي سطرته وهي التي تموله برنامج اقتصاد السوق والتبعية والتداين والخصخصة ومواصلة فتح البلاد على مصراعيها للاستثمارات ولرأس المال.
من أجل النضال على قاعدة عمالية مستقلة ضد التحالف الماسك بالسلطة
إن القيادة النقابية التي أفرزها مؤتمر طبرقة وفي علاقة بالوضع القائم هي أمام امتحان وتحديات كبيرة سواء ما تعلق منها بما هو داخلي وتحديدا ملف دمقرطة المنظمة أو بما هو في علاقة بالسياسة النقابية وباستقلالية العمل النقابي والعلاقة مع الحكومة.
إن القيادة النقابية التي افرزها المؤتمر 22 مطالبة بإعلان مواقفها من هذه الملفات فهي مدعوة للقطع مع مسار المشاركة والمساهمة وتبني سياسة تستجيب لمطالب الأجراء وفي حجم الرهانات المطروحة عليهم وتلبي حاجة الطبقة العاملة التونسية لمنظمة نقابية مستقلة يمكن لها في إطارها النضال من أجل الدفاع عن حقوقها الاقتصادية الاجتماعية في وجه سياسات التحالف الليبرالي الذي الممسك بالسلطة والذي أصبح بيّنا أنه تحالف لا حلول حقيقية له لمطالب الخدامة غير ما تفرضه الدوائر الامبريالية واتفاقيات الشراكة المهينة واقتصاد السوق والتي هي في الأخير ليست إلا مواصلة لسياسات الديكتاتور بن علي بمسميات جديدة.
إنه ليس أمامها من خيار غير القطع مع المسار السابق للإتحاد حيث حكم على منتسبي هذه المنظمة طيلة سنوات ديكتاتورية بن علي أن يضحوا بمطالبهم وباستقلاليتهم لصالح الدولة والأعراف الرأسماليين محليين وأجانب وأن يبقوا خارج الصراع تحديدا بعد 14 جانفي 2011 مرتهنين بقيادة نقابية بيروقراطية غير منفصلة عن قوى الثورة المضادة.
إن ملف استقلالية الحركة النقابية والقطع مع تبني سياسات السلم الاجتماعي لفي علاقة عضوية بملف دمقرطة المنظمة النقابية الذي يعتبر هو كذلك من الأولويات المطروحة في الإتحاد ويتطلب معالجة تتجاوز النمط التنظيمي الهرمي البيروقراطي الممركز الذي يحصر كل سلطات القرار بيد المكتب التنفيذي المركزي وتحديدا بيد أمينه العام ولابد في هذا الإطار أن تكون القيادة الجديدة واضحة في مواقفها فلم يعد مقبولا تأجيل حل هذا الملف أو السكوت عنه أو معالجته معالجة تلفيقية فوقية دون تشريك القاعدة العريضة لمنتسبي المنظمة بما يتيح المجال لممارسة ديمقراطية قاعدية وقطاعية واسعة.
إنه على قاعدة الموقف من هذين الملفين سيتبين مدى قدرة القيادة الجديدة للإتحاد والتي وقع انتخابها ليس على قاعدة برامج وسياسات نقابية بقدر ما كانت نتيجة محاصصة حزبية وقطاعية على القطع مع المسارات السابقة.
إن الوضع القائم والمتسم بعجز ثلاثي السلطة الملتف على المسار الثوري عن تقديم حلول حقيقة للمطالب الجماهيرية ومواصلته السياسات السابقة سياسات التبعية وفي ظل غياب تمثيل سياسي حقيقي للحركة العمالية برغم تعدد المنظمات والأحزاب التي تقول عن نفسها عمالية يجعل من الإتحاد العام التونسي للشغل القوة الوحيدة الممكن لها الدفاع عن مطالب الجماهير والوقوف في وجه الديكتاتورية الجديدة وتحرير إرادة الجماهير للتصدي لمخططات إجهاض المسار الثوري ودفعها للنضال على قاعدة مستقلة عن أحزاب اليمين قاعدة طبقية عمالية وبرنامج مطلبي مباشر فالإتحاد هو المنظمة الوحيدة التي تتمتع بقدرات تنظيمية ومالية كبيرة إضافة إلى تمثيلية حقيقية وامتداد جماهيري وهي كلها عوامل تجعل منه القوة الوحيدة في الساحة اليوم التي تستطيع أن تتصدى لسياسة ثلاثي السلطة وتساهم في مواصلة المسار الثوري وفرض التغيير الاجتماعي الذي من أجله انطلقت شرارة ثورة الحرية والكرامة الثورة يوم 17 جانفي 2010 .
هذه هي التحديات التي تواجه القيادة الجديدة. وهذا هو المسار الذي يتطلع إليه الأجراء ومنتسبو الإتحاد وعموم الفئات الفقيرة.
إن مطلوب من الحركة النقابية في الوضع الراهن أن تعلن رفضها لكل القوانين التي وقع فرضها على الشغيلة في إطار مخطط التعديل الهيكلي الذي أنتج حالة التفقير المعمم والبطالة والتهميش.
إن عليها أن تطالب باسترجاع القطاع العام من الخواص وكل الشركات التي وقع خصخصتها.
إن عليها أن تطرح حلا جذريا لمشكلة البطالة بحيث يتحمل المتسببون فيها مسؤوليتهم في حلها ولن يكون ذلك إلا بالمطالبة بتقاسم القوى المنتجة لكل فرص العمل المتاحة ورفع شعار تنقيص ساعات العمل للناشطين لامتصاص أعداد البطالين.
إن عليها أن تطرح تصورا للجباية عادلا وديمقراطيا برفع مطلب الجباية التصاعدية على الدخل.
إن عليها أن ترفع مطلب التوقف عن خلاص الديون ومطالب أخرى كثيرة متعلقة بمجانية الصحة والتعليم والسكن .
بتبني هكذا برنامج يمكن الحديث عن مسار جديد للإتحاد وعن قطع مع المسار التاريخي لسياسة المشاركة والمساهمة التي طبعت تاريخ هذه المنظمة النقابية.
وبهكذا برنامج ستقيم الشغيلة مدى نضالية واستقلالية هذه القيادة وستحكم لها أو عليها.
ــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
جانفي 2012